الرأي العام وقانون الضمان الاجتماعي

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

يلح السؤال على هامش تطبيق قانون الضمان الاجتماعي مطلع الشهر القادم ...
ترى لماذا ظل المجتمع بمكوناته كافة وبأطره النقابية والعمالية والنسوية والشبابية والتنموية "مغطرشاً" بمزاجه عن عدم إنفاذ الحد الأدنى للأجور وبات ينظر باستغراب للحظات ان صيدلانية تتقاضى راتب 100 دينار وسكرتيرة تتقاضى 600 شيكل ومعلمة روضة يصل راتبها الى 600 شيكل وكذا المشاغل؟ ولم تحرر مخالفات تكون مجزية بحق الذين لا يطبقون هذه الجزئية، وماذا يكون حالنا عندما نطالب بمراجعة قيمة الحد الأدنى؟
السؤال الملح ضمن فلسفة الضمان التي لم تؤخذ بالحسبان في الوقت الذي كان الخبير الذي اشرف على الضمان البريطاني أنه لدينا 104 شباك تغطي عدد الفئات المشمولة في الضمان، ومن لم يجد ضالته فيها أسسنا لهم الشباك 105 ليشمله، وكانت فلسفة الضمان تتسع لهذا الحد، حتى أن التفكير ذهب باتجاه الفلسطينيين الذين عملوا في دول الخليج وكانوا يدفعون 5% من دخلهم لمنظمة التحرير الفلسطينية وبعضهم اليوم يسند ظهره لحائط تلك الساحة في مكان سكنه في أي محافظة ينتظر ما الذي يخبئه له الغد الذي طال انتظاره بعد ان تجاوز عمر العمل وبقي بدون دخل شهري منتظم.
المزارع الفلسطيني وأين هو صندوق التأمينات الزراعية الذي يضعه في حسابات الضمان الاجتماعي.
بمجرد الحديث مع ابن القدس المحتلة المناضل الصامد الذي رابط على بوابات المسجد الأقصى ومنع إنفاذ البوابات الإلكترونية وانتصر لعدم التقاسم الزماني للمسجد الأقصى وظل مدافعاً عن القدس بمكوناتها كافة، والقول له انكم ستصبحون تحت السلطة الوطنية الفلسطينية، اول ردة فعل له انا أعيش في ظل الضمان الاجتماعي وانتم لا يوجد لديكم ما يضمنني، اذن هو تفكيره ضمن الواقع يتجه صوب الضمان، صوب كرامة الحياة في الشيخوخة.
معظم الناس يحسدون الموظف الحكومي ان لديه تقاعداً وقد يكون صندوق التقاعد خاوياً الا أن وزارة المالية تدفع مستحقات التقاعد بانتظام وتلك ميزة، وغالباً ما تصل النظرة الى موظفي المؤسسات الدولية التي يتوفر لهم صندوق ادخار يسعفهم في نهاية الخدمة، ولكنهم يتفاجؤون من وجود صندوق الضمان الاجتماعي ويتحدثون حوله كأنه خارج عن المألوف.
الرأي العام الفلسطيني بات حاد المزاج لأسباب كثيرة، أهمها أن مؤسسة الضمان الاجتماعي لم تفسر للناس ما هو الضمان ولا ميزاته ولم تضع أسئلة مكررة وافتراضية وتضع إجابات عليها، لم تلتق المنتفعين من الضمان. ولأن مكونات الحكومة لا تتحدث مع الناس بل تتحدث عنهم، فكل مسؤول يقلل من أهمية رأي الناس ورؤيتهم ولا يطرح لهم رؤية بديلة تعمل عليها الحكومة.  
فجأة قررت مؤسسات كبرى التوجه صوب صندوق التقاعد بدلا من الذهاب صوب الضمان، وكان هذا مثار شك لدى الناس، لماذا بادر هؤلاء لهذه الخطوة مثلا، الأمر الذي يؤشر أن البعض قد أفادهم علماً بأن التقاعد افضل من الضمان مثلا؟ بينما لم تصل ذات المعلومة للبقية المتبقية من المؤسسات؟
الأهم لدى الرأي العام ان الوزارات عملت وتعمل على تقليم اظافر النقابات العمالية ومن ثم المهنية ومن ثم بدأت التحضير للانقضاض على جمعيات حماية المستهلك، تارةً لأنها لا تحمل صفة الضابطة العدلية بالتالي ما هي صلاحياتها؟ وتعيب عليها الوزارات وتفاخر بالتعييب انها لا تتلقى دعماً حكومياً ولا تتلقى دعماً من المانحين.  والجميع يذكر معركة النقابات العمالية وفتح الملفات ليس بهدف التصويب بقدر ما هو هدف تقليم الأظافر.
فجأة سبحان مغير الأحوال، باتت الشركات والمصانع التي لم تسمح يوما بتشكيل لجنة عمالية فيها تحمي نفسها بصوت العمال المطالبين بعدم الالتحاق بالضمان الاجتماعي، تُرى لو ارتفع صوت العمال للمطالبة بحقوق داخل هذا المصنع او ذاك لأُدير لهم الظهر وطولبوا إما بترك العمل او بالصمت المطبق.
وتتسع دائرة النقاش من مجال الضمان الاجتماعي والحراك بخصوصه وموقف حركة فتح عبر مجلسها الثوري الى مساحات أكثر رحابة عنوانها: الى اين نحن ذاهبون؟ ما الذي نريده لشعبنا وبلدنا؟ 
ويظل السؤال المركزي أن الحراك بخصوص الضمان لم يكن الا نتاج انسداد قنوات الاتصال والتأثير على القرارات الحكومية التي تطال حياة الناس اليومية والمستقبلية، ومؤشر لإضعاف العمل النقابي وتغييب قيادات حقيقية نقابية وعمالية، الامر الذي دفع الناس للخروج ليقولوا بصوت مرتفع ماذا يريدون؟ ونعلم ان هناك من سيستثمر الحراك لأغراض بعيدة عنه، وهذا لا يعني ان الحراك موجه او مسيس بل كان يريد ان يوصل رسالة اننا لدينا ما نقوله، بينما مؤسسة الضمان التزمت الصمت ولم تقل لهم شيئاً من الأساس لتوجههم باتجاه جودة وميزات الضمان الاجتماعي وانه صندوق تكافلي تضامني لا يأخذ دون أن يقدم بالمقابل، وقد يكون من الواجب توسيع قاعدة الفئات المستفيدة منه وتنويعها وعدم منح شعور اننا فقط سنستولي على أموال الناس وفقط، وهذا ليس وارداً أصلاً بل يجب توضيحه بالكامل.
ولماذا لا تجرى مقارنات بين شيء واقعي قائم في النقابات المهنية التي تمتلك صندوقا للتكافل الاجتماعي يحفظ حياة كريمة للطبيب والمهندس وميزاته وبالتالي المقاربة بين هذا وذاك، ويجب ان تقدم توضيحات عن تركيبة مؤسسة الضمان لأن تلك حساسية يجب ان توضح للناس المستهدفين، وهذا ليس تقليلاً من شأنهم بأي حال من الأحوال.
واضح تماماً أن الناس لديها عناصر قوة تستطيع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ان تصنع فرقاً، وتستطيع نقابة السائقين وأصحاب مكاتب التاكسي والخطوط العمومي ان يصنعوا فرقاً دون مواقع التواصل الاجتماعي بل عبر التلويح باجراءات احتجاجية، ويستطيع كبار رجال الاعمال أن يبطلوا مفعول تطبيق قانون المواصفات الفلسطيني والاستهانة بتدعيم الدقيق تارة واحياناً أخرى تضخيمه والضغط باتجاهه.
بينما المواطن لا يستطيع ان يستفسر لماذا وصل سعر كيلو زيت الزيتون الى 38 شيكلاً في بداية الموسم، ولا يستطيع ان يفهم سبب ارتفاع كيلو التمور الفلسطينية المنشأ وإن عرضت تمور إسرائيلية بأسعار اقل تقوم الدنيا ولا تقعد، نؤمن أن الخدمات والمنتجات الفلسطينية خط أحمر، ولكن لماذا نصدر قراراً حكومياً بمطاردة الشرائح الإسرائيلية للاتصالات الخلوية ولا نطارد "تنوفا" و"اوسم" و"عين جدي"؟
ولا يستطيع المزارع الفلسطيني تفسير خسائره المتراكمة وتذبذب الأسعار وتقديم مطالبته بالتعويضات عن الأضرار والاسترجاع الضريبي ونعلن اننا نتوجه لمكافأة حراس الأرض، بماذا نكافئهم تحديدا!!!!
محور الأمر ... فتح قنوات التأثير على القرار الحكومي والاستماع لرأي الفئات المستهدفة في غياب المجلس التشريعي وغياب تأثير الفصائل الفلسطينية وغياب تأثير النقابات العمالية والمؤسسات الحقوقية.
الجهد باتجاه تعزيز ثقة الناس بحرص صناع القرار على مصالحهم وحقوقهم والخروج من نطاق اننا نعرف مصلحتهم أكثر من انفسهم، وأهمية بناء جسور الثقة، لأننا كلما ذهبنا بثقة صوب أي من الوزارات نجد انهم يتعاملون بانعدام الثقة وأن الحقيقة لديهم هم فقط عن افضل نموذج للعمل النقابي وافضل نموذج لحماية المستهلك وافضل نموذج لدعم المنتجات الفلسطينية، وفي النهاية نعود للمربع الأول ونغيب ونعود حيث كنا والى الوراء قليلاً.
تعزيز نهج الشراكة في الوطن وتغييب رؤية أن هناك من يعرف مصلحتك افضل منك مليون مرة رغماً عنك، وعدم البحث عن بديل للشريك المصر على الحقوق، مستنداً الى القانون والنماذج الحية ليكون بديلاً كرتونياً يخدم تغييب الشراكة والإقصاء والاستقواء على المطالبين بالحقوق.
الشفافية ليست سيفاً مسلطاً على رقاب مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات التي تقدم تقاريرها أولاً بأول، وتكون هناك شفافية أخرى غير معرفة عندما يتم التعامل مع مؤسسات القطاع الخاص وكأنها كامل الأوصاف ويتم التجاوز عن تطبيق الحد الأدنى للأجور وعن راتب شهر عن كل عام خدمة.