رسائل الحشود على اختلاف الداعين لها

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لو إن مترَ الأرض في "ساحة الكتيبة" في غزة، يتسع لعشرة متظاهرين، ولو إن مليونين أو سكان قطاع غزة كلهم،  احتشدوا للمشاركة في تظاهرة لأية مناسبة؛ فإن الاحتشاد أياً كان، لم يعد له معنى الرضا عن الداعين اليه، وإن كانت له رسائل، قد تختلف في بعض مقاصدها وفي العناوين المرسلة اليها!

لا يختلف اثنان، سواء من المحتشدين أو من الداعين الى الاحتشاد، على أن حال غزة يصعُب على الكافر، وأن الإحتلال الغاشم، والحركتين المختصمتين، والسلطتين المتعارضتين القائمتين في الضفة وغزة، هم جميعاً سبب الكارثة. وكلما حدث احتشاد واختلفوا على تقديرات العدد، لا نظنهم يختلفون على أن أولى الرسائل وأهمها، هو أن يعلم الطرف الآخر، أن غريمه باقٍ ولن يغيب، وأن الذي يريد ابتلاعه أو إدخاله الى بيت الطاعة، هو الأجدر بالبلع والرضوخ، وأن لا طرف يتميز عن الآخر، لا بمعايير السلوك، ولا في جودة الحكم، ولا في رشاد الرؤية والرفق بالشعب، ولا يزيد طرف عن طرف،  في القدرة على جلب الأتباع أو المضللين أو المتفائلين باعتدال الحال على يديه!

قبل أيام، انشغل بعض النشطاء على صفحات التواصل، في سجال حول الريادة، بعد أن صرح أمين عام حركة الجهاد أن فتح الراهنة ليست رائدة مشروع وطني. انبرى فتحاويون يدافعون عن ريادة قديمة يعتزون بها، أو ريادة جديدة يتمنونها ولا تتاح لهم بسبب حال فتح الآن، ومستوى متصدري قيادتها، أي هذه التي نسميها فتح العباسية. وفي الحقيقة، كان الأمر الغائب المهم، هو موضوع الريادة نفسه، والجواب عن سؤال صريح أو كبير: هل هناك من يمسكون بناصية الريادة عوضاً عن فتح التي فقدت ريادتها بل وسمحت للسلطة التي تُحسب عليها، بأن تقلب الريادة الى نقيضها أو ضدها، من خلال ما يسمى "التنسيق الأمني؟!

الجواب في تقديرنا وفي ناظر الفلسطينيين جميعاً، هو أن المشروع التحرري نفسه، ليست له ملامح متفقٌ عليها، أي إن المشروع الواقعي والوطني الذي يتطلب الوفاق وطول النفس والأخذ بمتطلباته الاجتماعية، غائب ولا وجود له، وبالتالي لا معنى للسؤال عن الجهة صاحبة الريادة. فكل المطروح والمتداول، يتعلق الآن بوضع غزة التي بدأت بها عملية التسوية الخائبة.  وغزة اليوم هي البؤرة الأكثر سخونة وجاهزية، والحديث عن تسوية تبدأ بها، لا يتجاوز منطق الإغاثة وتفكيك المـأساة التي صنعها الطرفان المتخاصمان، واستفاد منها الإحتلال ورآها أدق وأكثر "إتقاناً" مما كان سيفعله هو نفسه بغزة!

لماذا إذاً، تتواجد الألوف في "ساحة الكتيبة"، فيتعمد الداعون اليها المبالغة في اعدادها بتأثير الصور الملتقطة، ويضربون العدد في خمسة أو عشرة، وتستمر هذه الأرجوحة التي لا نهاية لها، بالحشد والحشد المضاد، وربما بالناس المتعبين أنفسهم؟

المسألة هما تتعلق بالسيكولوجيا الجماعية. ففي كل احتشاد هناك رسائل. وباختصار ليست هناك رسالة واحدة تتعلق بالرضا الشعبي عن سلوك أية حركة أو أية سلطة، وليست هناك رسالة، تقول إننا هانئون وقد حصلنا بشفاعة حكمكم، على الحد الأدنى من حقوقنا في الحياة ومن فرص العمل والطبابة والتعليم وضمانات التحصل على الرواتب والأجور، والحد الأدنى من الحراك الإقتصادي والترفق الجبائي والضريبي، ومن حركة الأسواق أو الحصول على الحد الأدنى من أي شيء آخر!

ربما الأطرف قطعاً، هو رسائل الحشد الذي يدعو اليه الموالون لعباس، لا سيما عندما يكتفون  بالهتاف لحركة يتمنونها ولا ينالونها، وللرجل نفسه الذي يسابق الزمن ويسابق الاحتلال لخنق فتح وخنق غزة. ففي تلك الاحتشادات، لا يتبقى إلا أن يرسل له المحتشدون انشودة مشابهة لتلك التي قيلت في نبي الهداية والنور: طلع البدر علينا.

وقد تتعادل طرافة الرسائل التي يبعث بها الموالون لعباس، مع طرافة الرسائل التي يبعث بها الموالون لتيار فتح المطالب بالإصلاح الديموقراطي وإنفاذ النظام وإنهاء التفرد والإقصاء، وأهمها تلك التي تقول لعباس وحلقته الضيقة، لن تفلحوا في إقصاء الفتحاويين حتى لو رأت عيونكم حلمات آذانكم، ولن تشطبوا دحلان، وإنا هاهنا قاعدون.

الرسالة الأهم، في حشد اليوم، تقول بلسان من تفاءلوا بحماس قبل أكثر من عشر سنين، سواء ظلوا على موقفهم أم خاب أملهم؛ إن حماس لن يبتلعها أسد الغابة، فما بالنا بأرنبها، وما على الآخرين إلا أن يتدبروا صيغة أخرى لاستقرار العلاقات في الأدغال، على قاعدة الخيار الديموقراطي والتمكين للإرادة الشعبية، إن كانوا فعلاً وطنيين ويريدون لشعبهم أن يصمد ويبقى على الأرض ويتطلع الى حقوقه وحريته!