موقع اسرائيلي: من الأفضل لاسرائيل أن تصلى من أجل الا يقدم أبو مازن استقالته؟

محمود عباس
حجم الخط

 بدا ظهر يوم الأحد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غاضباً جداً، في أعقاب جريمة قتل الطفل الرضيع علي دوابشة في قرية دوما وصل أعضاء حزب “ميرتس” في زيارة لعباس في المقاطعة في رام الله للتعبير عن صدمتهم من الحادثة وتقديم التعازي. جلس عباس واستمع لما قالته رئيسة “ميرتس” زهافا غلئون في بداية اللقاء بوجه عابس.

وقال تقرير مطول لموقع تايمز أوف اسرائيل :"عيناه كانتا شبه مغمضتين عند سماعه ترجمة أقوالها، بطريقة ذكرت برئيس الوزراء الراحل أريئيل شارون، الذي كان يستمع إلى من حوله بعينين شبه مغمضتين، عباس شكر البعثة الإسرائيلية التي جاءت إلى رام الله ولكنه تحول فورا بعد ذلك إلى مهاجمة حكومة إسرائيل وبالأخص طلب من الحاضرين في الغرفة فهم مدى حجم الأزمة التي وتم وضعه فيها".

وقال، “ما الذي بإمكاني أن أقوله لعائلات الشهداء (الذين قتلوا في هجمات إرتكبها يهود)؟ إلى من سأتوجه بالشكوى؟” وهاجم نتنياهو وربما حتى الإدارة الأمريكية التي بأبسط الكلمات الممكنة تخلت عن الفلسطينيين. بعد ذلك قام بتصريح غير واضح ما زال من دون إجابة: “إذا استمر الوضع على ما عليه في الشهر القادم، سيكون لنا موقف آخر”، من دون أن يشرح ما يقصده.

كل من يراقب الوضع من الجانب ما كان ليتأثر كثيراً بهذا التصريح. فقد صدرت عن عباس تهديدات أوضح من ذلك لم تفضي إلى شيء. ومع ذلك، قبل أسبوع من ذلك، قبل وقوع الهجوم الوحشي في دوما، نشر محلل الشؤون العربية في القناة الأولى الإسرائيلية، عوديد غرانوت، خبرا مفاده أن عباس يهدد بالإستقالة من منصبه في شهر سبتمبر.

بداية، حاول المقربون منه نفي هذه الأنباء. بعد ذلك تم إرسال شخصيات من فتح لوسائل الإعلام لشرح أنه “تم تحريف كلامه” وأنه حاول تهديد قيادة فتح بسبب مشاكل التحضير للمؤتمر السابع للحركة. ومع ذلك، على الرغم من نفي المقربين وشبه المقربين من عباس، فإن رئيس السلطة الفلسطينية قام بالفعل بتوجيه هذا التهديد بوضوح أمام المقربين منه. هل هذه هي خطوة “الموقف الآخر” التي تحدث عنها أبو مازن في لقائه مع أعضاء “ميرتس”؟ أو أنه يحضر لمفاجأة أخرى؟ من الصعب معرفة ذلك في هذه المرحلة. أحد أكثر المقربين منه وافق فقط على أن يقول أنه في شهر سبتمبر “سيتغير كل شيء”.

مرت أكثر من عشر سنوات منذ تم إنتخاب عباس لمنصب الرئيس الفلسطيني والآن هو يبلغ من العمر حوالي 80 عاما. منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها إلى المقاطعة وحتى اليوم، يواصل دعمه الكبير لفكرة حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، على أساس حدود 1967، على أمل أن تؤدي مفاوضات ناجحة مع إسرائيل في نهاية المطاف إلى إقامة الدولة الفلسطينية المنتظرة. ولكن منذ يناير 2005 وحتى اليوم هذا الحلم آخذ بالإبتعاد أكثر وأكثر.

هناك تعزيز لوضع حماس في الرأي العام الفلسطيني، على الجانب الإسرائيلي هناك حكومة لا ترى به شريكا، وتحرص على قول ذلك لكل من يريد أن يسمعها، والمستوطنات آخذة بالتوسع. إمكانية أن تقوم في الضفة في يوم من الأيام دولة فلسطينية آخذة بالإختفاء أمام عينيه وتبدو كحلم أكثر منها كواقع.

يرى السكان الفلسطينيون في القرى المحيطة برام الله ونابلس وبيت لحم على مدى سنوات كيفية تحول الواقع الجيوسياسي والبؤر الإستيطانية والمستوطنات تحتل المزيد من الجبال وقممها. دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي من الخليل وحتى جنين لم تعد فكرة عملية.

ولكل هذا ينبغي أيضاً إضافة الشعور بالخيانة التي يشعر بها من الإدارة في واشنطن. الرئيس الأمريكي ذاته الذي أقنعه أن يصمم على ألا يدير مفاوضات مع إسرائيل طالما أن البناء في المستوطنات مستمر هو الرئيس نفسه الذي لا يتذكر اليوم كلمة “فلسطينيين”. يركز البيت الأبيض على شيء واحد فقط في هذه المرحلة في الشرق الأوسط وهو الإتفاق النووي مع إيران. كل شيء آخر يمكنه الإنتظار.

في المقابل فإن فكرة المصالحة مع حماس في غزة آخذة بالزوال أيضاً وداخل فتح ظهر منافس يحاول تقويض مكانته – محمد دحلان.

ومرة أخرى، السؤال هو إذا كانت كل هذه المشاكل ستدفع الرجل إلى الإستقالة أو بدلا من ذلك الإعلان عن خطوة دراماتيكية أخرى على شكل وقف التنسيق الأمني. عندما سأله مراسل القناة العاشرة، حازي سيمان طوف، يوم الأحد في المقاطعة عن هذا الإحتمال، رد بسؤال غاضب، هل ستتوقف هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين.

وقفت هناك متفاجئاً إلى جانب سيمان طوف. أنا أعرف عباس منذ عدة سنوات (15 عاما بالتحديد) ودائما عرف ضبط أعصابه أمام الصحافيين على الأقل. ولكن يبدو أن شيئا ما قد كُسر. وربما يجب البدء من فترة “الجرف الصامد”، عندما أدت كل الأحداث المحيطة بإختطاف الفتية الإسرائيليين الثلاثة في شهر يونيو والحرب في غزة، مع تكثيف الإتصال الأمني مع الإسرائيل، إلى توقع حدوث خطوة سياسية إسرائيلية مغ الفلسطينين. ولكن هذه الخطوة لم تأت.

أدرك المسؤولون في السلطة الفلسطينية بإن إسرائيل معنية بإدخال قوات عباس إلى قطاع غزة لكي تعمل هناك بصفة “مقاول”، من خلال الحفاظ على الهدوء من دون مقابل. خيبة الأمل كانت واضحة.

مر عام تقريباً منذ ذلك الحين وتجدر الإشارة بشكل إيجابي إلى أن رسالة أبو مازن بشأن التنسيق الأمني لم تتغير: يوم الأحد أيضاً أعرب عن معارضته الشديدة لأية نية في الإنتقام لموت دوابشة أو كل مظاهر عنف أخرى.

ولكن قبل شهرين تقريبا، قال لي كبير الوفد المفاوض لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال مقابلة في رام الله: “قبل نهاية هذا الصيف، الحياة لن تكون كما عرفناها. وأنا لا أتحدث عن عنف”، وأشاد في دولة الصراع وعاد وشدد على أن “الجميع يدرك أن الوضع كما هو لن يستمر حتى نهاية الصيف”.

إذاً ما الذي ستقوم به السلطة الفلسطينية ورئيسها؟

في حين أن إستقالة عباس ممكنة ولكن يجب الإشارة إلى أن إحتمال ذلك لا يبدو كبيرا. فلماذا يبذل أبو مازن جهودا كبيرة في الأشهر الأخيرة في محاولة لإضعاف خصومه في منظمة التحرير الفلسطينية إذا كان يعتزم الإستقالة في شهر سبتمبر؟ فقد حرص على مصادرة أموال مؤسسة سلام فياض، وإقالة ياسر عبد ربه من منصب الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو مستمر في حربه الهادئة ضد “العدو رقم واحد”، دحلان. هل بهذه الطريقة يتصرف شخص يعتزم ترك منصب رئيس السلطة؟

لماذا إذا يأخذ النظام الإسرائيلي هذا الإحتمال على محمل الجد؟ أولا، لأن مقربيه يظهرون علامات توتر حقيقية وهذا مؤشر على أنهم يتعاملون مع تهديدات الرئيس بجدية ولا يستخفون بها. بهدوء تجري وراء الكواليس أحاديث حول من سيكون خليفة عباس في حال لم يسمح له وضعه الصحي في الإستمرار. ولكن إذا إستقال عباس، من الواضح جدا أنه لن يحاول أحد من أعضاء فتح خلافته في منصب رئاسة السلطة.

ثانيا، هذا السيناريو هو كابوس دولة إسرائيل. بكل تأكيد أن عددا كبيرا من الإسرائيليين سيقول، “فليستقيل، من بحاجة إليه”. ولكن في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يدركون جيدا أهمية عباس لدولة إسرائيل، والدور الهام الذي يلعبة في المحافظة على الهدوء النسبي. من دون عباس ومن دون السلطة، ستتوقف أجهزة الأمن الفلسطينيين عن العمل وسيتضاعف بذلك الصداع الأمني لدولة إسرائيل. وهذا لا يقارن بصداع آخر – من دون سلطة فلسطينية من سيهتم بالشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية؟ من سيقوم بإخلاء النفايات والإهتمام بشؤون المياة والكهرباء والصرف الصحي إلخ…؟ هل ترغب دولة إسرائيل بالعودة إلى الدور الذي لعبته قبل إتفاقية أوسلو؟ الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين، من بينهم أعضاء “البيت اليهودي”، ستكون إجابتهم على هذا السؤال بالنفي.

البديل

يقول معد التقرير الصحفي آفي يسسخاروف :"يوم الثلاثاء إلتقيت في رام الله مع “البديل” لعباس وفتح. وربما ينبغي على كل من يدعي في إسرائيل بأن أبو مازن ليس شريكا لإتفاق سلام التعرف على هذا البديل عن قرب أكثر، في مكاتب حركة حماس شمال رام الله في هذا الصباح تواجد هناك الشيخ حسن يوسف، من قياديي الحركة في الضفة، ومحمد أبو طير (الذي اشتهر في وقتها بسبب ذقنه الأحمر الذي أصبح الآن أبيضا) وأحمد عطون، نائب في البرلمان عن حماس ومن سكان القدس في الأصل قبل أن تطرده السلطات الإسرائيلية منها.

ربما في إطار السياسة الإعلامية المختلفة تماما لقياديي الحركة في الضفة، مقارنة بزملائهم من غزة الذين يقاطعون الإعلام الإسرائيلي، لا توجد مشلكة لقياديي حماس هؤلاء في التحدث مع صحافيين إسرائيليين والحديث مع الجمهور والقيادة في إسرائيل من خلالهم. الأشياء التي يقولها قياديي حماس في رام الله تبدو أكثر اعتدالا، وأقل عدوانية، مقارنة بتلك الصادرة من غزة أو الخارج. تقريبا “كن لطيفا مع الإسرائيليين”.

على الجدران معلقة خارطة “فلسطين 1948″، من كل جانب، ولكن تصريحات قياديي حماس تبدو أكثر إعتدالا. الأيدي أيدي حماس والصوت صوت فتح. قال لي الشيخ حسن يوسف، “حماس وافقت على اتفاق القاهرة 2005″، وتابع قائلا، “لقيام دولة فلسطينية على حدود 1967″. سألته مرة أخرى عن 1967 فعاد وكرر ما قاله، “نعم، حدود 67. نقبل بذلك مقابل هدنة”.

وماذا بشأن إتفاق سلام مع الإسرائيلين؟ هنا أيضا أخذ الشيخ يوسف خطا حذرا وغير سلبي.

ويقال، “نحن في حماس لا نحاول التظاهر بأننا بديل للسلطة أو لمنظمة التحرير الفلسطينية. هم الذين أجروا معكم مفاوضات”,

عندما قلت له أن أقواله تبدو مخلتفة عن أقوال أصدقائه في غزة والخارج، لم ينفي الشيخ (والد “الأمير الأخضر”، مصعب حسن يوسف) وجود خلافات في الرأي. “حماس هي حركة كبيرة وواسعة من حيث الأيديولوجيا. نحن منخرطون في حوار مستمر، وبطبيعة الحال هناك آراء مختلفة. ولكن عندما يجب إتخذا قرار حوا قضية هامة، فسيكون هناك موقف واحد مقبول على كل أعضاء المنظمة، من دون إستثناء”.

تحدث يوسف عن ضرورة التوصل إلى إتفاق بين إسرائيل وحماس في غزة وكذلك فعل محمد أبو طير في لقاء آخر.

ولكن الكثيرين من بين المسؤولين في الحركة لم تعجبهم هذه اللهجة التصالحية لزعماء حماس في الضفة. ليس سرا أن رؤساء الحركة في غزة ستسرهم رؤية موجات من الهجمات في الضفة الغربية بهدف إضعاف السلطة ، حتى لو عنى ذلك إلقاء القبض على نشطاء الحركة مرة أخرى.

هل ستكون هذه القيادة الفلسطينية التي سيكون على إسرائيل مواجهتها إذا استقال عباس؟ يبدو أن الجواب هو لا. ما زالت فتح في الضفة قوية بما فيه الكفاية لضبط النغمة وتسيير الأمور.

ولكن تفضيل الطرف الإسرائيلي الحفاظ على الوضع الراهن ومن دون التقدم في المفاوضات السلمية، يؤدي إلى تعزيز مكانة حماس وإضعاف السلطة ، حماس، التي تتقاسم في الوقت الحالي نفس المصلحة مع إسرائيل – فكلاهما لا تريدان ولا تؤمنان بإمكانية سلام على أساس دولتين.

بحسب وجهة نظرها، بالإمكان إبرام إتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد كل يوم مع إسرائيل، والذي سيستمر لسنوات، من دون إقامة دولة فلسطينية أيضا، حتى نصل إلى وضع خلال عشر سنوات، ربما أقل وربما أكثر، لا تكون فيه دولة إسرائيل دولة اليهود.