بقلم: محمود الخواجا
انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الأول من يناير عام 1967م جاء كشعلة للثورة في وجه الاحتلال الصهيوني وصلفه على أرض فلسطين من خلال فاتحة عملياتها -عيلبون- التي قامت بها قوات العاصفة؛ رداً على سرقة كيان الاحتلال لمياه الأردن في تعبير صريح عن فهم حقيقي لواقع الصراع الذي يعي أن ما أخذ بالقوة لن يعود إلا بمزيد منها في منظور الحركة -آن ذاك-.
حركة فتح آمنت بالكفاح المسلح لاسترداد الوطن المغتصب، وبواجب الجهاد المقدس .. نهج تواءم مع تطلعات الشعب الفلسطيني بالانعتاق من المحتل، بعيداً عن دهاليز التنازل والاتفاقات الهزيلة، لتكون هذه الرؤية الثورية ملهمة للشباب وحاضنة للمقاوم صاحب نظرية الاحتلال المكلف.
ولا يخفى على أحد السيرة النضالية والفاتورة الباهظة التي دفعتها حركة فتح عبر مسيرتها، وهي التي وقفت أمام محاولات الاحتواء السياسي الذي مارسه العرب قبل غيرهم تجاهها، ما جعلها تتنقل بين العواصم العربية، وعرضها للابتزاز المالي في سعي متجدد للضغط عليها؛ كي تغير مواقفها، وتقدم تنازلات ظلت في منأى عنها، لكن, يبدو أن الضغوط كانت أكبر من محاولات صمود الحركة، لتكون المحصلة اتفاق -أوسلو- الذي شرعن وجود المحتل على أرض فلسطين، وتنازل الموقِّعون عليه عن المساحة الأكبر منها لـ"إسرائيل" مقابل سلطة فلسطينية ولدت ميتة.
قضايا عديدة تمس الثوابت ذهب الحديث فيها أدراج الرياح، كاللاجئين وحق عودتهم والقدس المحتلة والاستيطان، عبر إيهام قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بالحكم الذاتي الذي اُفترض له النمو تدريجياً تحت أعين الاحتلال، ولكن هذا الفخ الذي نصب لفتح أوقع الكل الفلسطيني في دائرة الانقسام الذي أرى أنه بدأ ببداية أوسلو التي عزف على وترها تنظيم لوحده ليقرر مصير شعب بأكمله.
وقعت قيادة حركة فتح على الاتفاق-بالرغم من بعض الأصوات الرافضة من داخلها-متلمسة بذلك مبدأ حسن النوايا الذي لا يعرف طريقاً للسياسة؟؟ فهل تقبل الاتفاقيات التي تقرر مصير الشعوب مبدأ التجربة؟ .. لأجل ذلك جاء الرفض الفلسطيني لهذه الاتفاقية من داخل المنظمة وخارجها؛ تعبيرا عن التمسك بالثوابت التي أريدَ المساس بها عبر فتات السلطة، فجاءت سلسلة المفاوضات الهزيلة، التي لم يقبل عرفات بمخرجاتها؛ لإدراكه أنها لا تلبي الحد الأدنى من الحق الفلسطيني .. وبطريقة الإقصاء وبعد اجتياح للضفة ومحاصرة المقاطعة استشهد عرفات .. رافضاً.
ومروراً بالأحداث التي تلت اغتيال الشهيد عرفات جاء محمود عباس رئيساً لحركة فتح والسلطة والمنظمة، وهنا بدأت الحكاية عبر سلسلة إجراءات قام بها استهدفت الخط النضالي للحركة، وبرنامجها المقاوم، وحولته إلى ما يهواه شخصه ويحقق رؤيته التي أساسها عدم المواجهة، والمفاوضات كسبيل حياة سياسي، قافزا بذلك عن تاريخ عريق لحركة عملاقة قدمت مقدراتها لأجل فلسطين.
عباس جاء بمؤتمرات ومؤامرات داخلية أقصى بها معارضي خطه الجديد على حركة فتح وعلى الشعب الفلسطيني أيضاً عبر خطاب سياسي لا يرى فيه مكونات شعبه، ولا حتى نضالاته وعذاباته؛ ليطلق بذلك رصاصة اغتيال المشوار الكفاحي لحركة فتح التي ذابت في أروقة السلطة، وباتت إحدى أدواتها، خاصة في الضفة الغربية التي بالمناسبة ألغيت فيها كتائب الأقصى كحالة عسكرية رسمية للحركة.
هذا التجرؤ على حركة فتح دفعها لحالة من الانقسام الشديد، وتباين الآراء الشاسع في مسألة المواجهة مع الاحتلال وكيفيتها، وهنا أكتب وأشعر بقمة الأسى على فتح الرائدة التي دفنها عباس؛ تلبية لرغبات مشروعه الشخصي المبني على المفاوضات الصفرية -بكل أسف-.
وهنا تتعالى الاستفسارات والمطلب واحد .. لماذا قتلت فتح؟ ولماذا تمت القرصنة على فكرها وهويتها ورؤيتها؟ ولحساب من؟ وماذا عن أول طلقة؟ وماذا عن مشروع أبو جهاد وأبو إياد ورائد الكرمي وجهاد العمارين وكمال عدوان؟
المطلب الذي يجمع عليه الكل الفلسطيني .. أن تعود حركة فتح أحد أعمدة المشروع الوطني إلى فكرتها كحركة تحرير، فقد كان لها من اسمها نصيب، وفي سبيل التحرير قدمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وتصدرت المشهد بسلاحها وثوريتها وكوفيتها لسنوات .. "فتح" يجب أن تعود إلى "فتح" التي نعرف، وأن تتشافى من محاولات سلخها عن كينونتها، وأن تقود وحدة الوطن لا أن ترسخ بقرارات هوجاء إلى انفصال أجزاء الوطن شاء الفلسطينيون أم أبوا .. قوة فتح قوة لفلسطين .. لهذا "فتح" يجب أن تعود إلى "فتح".