أفرجت السلطات المصرية مساء الخميس الماضي، عن ثمانية محتجزين في سجونها بينهم أربعة عناصر يتبعون كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وذلك بعد زيارة أجراها رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية للعاصمة المصرية القاهرة استمرت 25 يوماً.
وتكهن مراقبون أنّ يكون الإفراج عن الشبان الأربعة دفعت لقاءه حركة حماس ثمناً سياسياً، خاصة أنّ الملف رافقه غموض كبير، بالإضافة إلى تصريحات مصرية ألمحت إلى أنّ حماس دفعت أثمان سياسية كبيرة مقابل الإفراج عنهم.
ورجح الكاتب والمحلل السياسي، هاني حبيب، أنّ يكون ملف الإفراج عن المحتجزين الأربعة مرتبط بملف التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع قرب إتمام مسيرات العودة وكسر الحصار عامها الأول، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام احتمالين، الأول هو مراجعة المسيرات بشأن تحقيق أهدافها، أو تصعيدها لإحراز تقدم ملموس على مسار التهدئة.
من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، أنّ يكون الثمن الذي دفعته حماس للإفراج عن المحتجزين الأربعة، مرتبط بملف المصالحة أو إجراء الانتخابات في غزّة، لافتاً إلى أنّ هذا الملف مرتبط بالملف الأمني القومي المصري، وليس بالشأن الفلسطيني الداخلي.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني، إنّ العلاقة بين حركة حماس ومصر قائمة على التبادلية، في إطار التفهم لمصالح بعضهم البعض، وبناءً على هذا المنطلق جاء الإفراج عن المحتجزين الأربعة.
ثمن سياسي
بيّن عبدو، لوكالة "خبر"، أنّ إعلاميين مصريين ألمحوا إلى أنّ حماس دفعت ثمناً كبيراً للإفراج عن الأربعة، وأنّ مصر لا تجامل بالأمن المصري القومي أو السياسي، وهذا الأمر يجعل فحوى الثمن صعب التكهن أو التخمين.
كما رأى حبيب، أنّه لا يوجد أي ارتباط بين ملفي المحتجزين الأربعة والمصالحة، خاصة في ظل حالة الاستقطاب الحادة بملف المصالحة بين حماس وفتح، وإصرار كل طرف على تلبية اشتراطاته، ما يؤدي إلى صعوبة تطبيق اتفاق عام 2017 الذي وقعته الحركتين في مصر.
وقال الدجني: إنّ "حماس تُقدم دورها وواجبها في تعزيز مكانة مصر سواء على صعيد ضبط الأمن الحدودي، أو رغبتها في تثبيت الهدوء بغزّة، لتفويت الفرصة على بنيامين نتنياهو في جر الأمور نحو التصعيد واستخدام الورقة الفلسطينية ثمنًا في الانتخابات الإسرائيلية"، لافتاً إلى أنّ مصر أرادت تعزيز حضور ومكانة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
فرص التصعيد
بالحديث عن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، التي تُطالب بشنّ حرب واسعة ضد غزّة، أكد حبيب، لـ"خبر"، على أنّ هذه التصريحات عبارة عن فقاعات في الهواء ولا يوجد أي تأثير لها.
وقال عبدو: "ليبرمان يتحدث عن شنّ حرب على غزة، نظراً لعدم امتلاكه ورقة في حملته الانتخابية سوى غزّة، وبالتالي دائماً يُحرض ضدها في إطار الحرب النفسية ليس أكثر".
وأضاف حبيب: "قبل 3 شهور كان ليبرمان وزيراً للحرب ولم يتمكن من شنّ عدوان على غزّة، والتصريحات الأخيرة والمتكررة من قبله تأتي في إطار السعي لترويج نفسه في الانتخابات القادمة، بدون وجود نية حقيقية لدى المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل للتصعيد العسكري، خاصة أنّ نتنياهو يعلم تماماً أنّ أي حرب ضد غزّة لن تُحقق أي انتصار لإسرائيل وقد تُطيح بمستقبله السياسي".
وفي وقت سابق قال ليبرمان في تصريحات نقلتها القناة 13 العبرية: إنّ "هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق هدوء قابل للاستمرار في قطاع غزّة، وهو قابل للحدوث بشرط أنّ نكسر إرادتهم وإيمانهم وأملهم في أنهم سيُلقوا بنا في البحر في يوم من الأيام، وقلت إنها أمر لا مفر منه فيجب أنّ نجعلها حرب رابعة وأخيرة".
هدوء الحدود
أرجع عبدو، حالة الهدوء خلال الجمعة الأخيرة من فعاليات مسيرة العودة، إلى وجود قرار داخلي يُطالب بذلك، بعد نداءات فصائلية تؤكد ضرورة الحفاظ على أرواح المتظاهرين وعدم تعريضهم لمرمى نيران قناصة الاحتلال.
وأوضح الدجني، أنّ هدوء مسيرات العودة مرتبط بتطبيق التفاهمات الأخيرة التي ترعتها مصر، خاصة أنّ الهدف الرئيسي للمسيرات هو تثبيت التهدئة وتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية، بعيدًا عن أي خسائر بشرية، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنّ هدوء المسيرات يُعزز مكاسبها.
الانتخابات والمصالحة
أشار حبيب، إلى صعوبة عقد الانتخابات في الوقت الراهن لسببين، الأول اشتراط حماس أنّ تشمل الرئاسة والمجلس التشريعي، والثاني هو المعايير المتباينة حول قانون الانتخابات وطريقة تطبيقها.
ورأى عبدو، أنّ ملف الانتخابات غير مرتبط بإفراج مصر عن المحتجزين الأربعة، موضحاً أنّ إتمامها يتطلب توافق فلسطيني، ووقف حملات الهجوم المتبادل.
واتفق الدجني مع عبدو، في استبعاد أي علاقة بين الإفراج عن المحتجزين الأربعة بملف الانتخابات، مُشيراً في ذات الوقت إلى أنّ ملف المصالحة حاضر في كل اللقاءات مع مصر، مع مراعاة أنّ حماس ليست الطرف الوحيد الفاعل في هذا الملف.
انفجار غزّة
توقع الدجني، أن تشهد الأيام القادمة عودة التفاهمات السابقة فيما يخص التهدئة، لمنع أي فرصة قد تؤدي إلى التصعيد، أو انفجار قطاع غزّة، مُبيّناً أنّ القاهرة تُدرك صعوبة الأوضاع في القطاع، وما قد ينتج عنه من انفجار ينعكس ليس على إسرائيل بمفردها، بل على الأمن القومي المصري.
ونوه، في حديث خاص بـ"خبر"، إلى أنّ مصر تخشى من سيناريو الانفجار السكاني باتجاه منطقة سيناء، موضحاً أنّ مصر حريصة على عدم تدهور الأوضاع في غزّة، انطلاقاً من موقفها الأخلاقي والعروبي.
ارحل واخترناك
قال حبيب: إنّ "هاتين الحملتين زادتا من صعوبة الأوضاع الراهنة"، مُشيراً إلى أنّ كلا الطرفين يسعيان إلى جرّ الآخر لمربعة، ما يؤدي إلى تعميق الانقسام.
واعتبر عبدو، أنّ مثل هذه الحملات تزيد من الصراعات الداخلية الفلسطينية على حساب التناقض مع الاحتلال الإسرائيلي، داعياً الكل الوطني إلى عدم الاحتكام للأجندات الحزبية والتفرغ لمواجهة الاحتلال.
وأشار الدجني، إلى أنّ فكرة حراك "ارحل" المطالب بإسقاط الرئيس عباس أخطأ منذ البداية، فكان من الأفضل أنّ يطالب الحراك بإجراء الانتخابات الشاملة، للحصول على حاضنة شعبية وفصائلية أوسع في غزّة والضفة والقدس، موضحاً في ذات الوقت أنّ حراك "اخترناك" المضاد سيدفع السلطة نحو فرض مزيد من العقوبات على غزّة.