استأصلوا سرطان «داعش» قبل أن يحرقكم

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

عبد الناصر النجار

التفجيران الانتحاريان الإرهابيان في حاجزين لشرطة "حماس"، وفشل تفجير ثالث - ما زال الانتحاري طليقاً بحزامه- فجر الأربعاء الماضي، نزلا كالصاعقة على رؤوس الكثيرين، قيادات وجمهور، غير المصدقين والمتسائلين: هل يوجد داعش بيننا؟؟
المشكلة تكمن في أن ذاكرتنا أصبحت قصيرة جداً كونها تتناسى كثيراً من الأحداث التي لا نرغب بتذكرها، كمن يحاول كنس قاذورات منزله تحت السجادة، ويدعي كذباً أن بيته نظيف، على الرغم من الرائحة النتنة التي تفوح منه.
شخصياً كتبت 3 مقالات سابقة عن خطورة الوحش "الداعشي"، المتلحف بعباءة الإسلام زوراً وبهتاناً، وأكدت فيها أن عناصره مجموعة من مصاصي الدماء والمهووسين جنسياً، وهم الذين كانوا يتبادلون آلاف الفتيات والنساء الأيزيديات بينهم على اعتبار أنهن سبايا، وبعد إشباع غريزتهم الحيوانية يتبادلون إهداء الضحايا فيما بينهم.
تناولت في مقالي الأول المعنون بـ"انزعوا داعش الصغير من صدوركم" المنشور في جريدة "الأيام" بتاريخ 30 آب 2014 ظواهر دخيلة على فلسطين هي أقرب إلى الفكر "الداعشي" تسري دون أن ننتبه إلى تصرفاتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية والثقافية. خاصة مظاهر المغالاة بعيداً عن الاعتدال وتقبل الآخر ومفاهيم الحرية والسلام المجتمعي.
المقال الثاني كان بعنوان "جنة داعش بدم فلسطيني" والمنشور في "الأيام" في 2 تموز 2016 وتطرقت فيه إلى استشهاد فلسطينيين خلال تفجير انتحاري لداعش في مطعم تركي بإسطنبول.
أما المقال الثالث فكان بعنوان "اجتثوا الإرهاب الداعشي قبل أن يجتثنا" والمنشور في "الأيام" بتاريخ 27 نيسان 2019 حول التفجيرات الإرهابية التي طالت الكنائس في سيريلانكا، وذهب ضحيتها المئات .. ولم تسلم المساجد منها، ولعل ما حصل في مسجد بسيناء وذهب ضحيته مئات المصلين دليل على ذلك. وتأكيد أن الإرهاب الداعشي لا يفرق بين الأديان، فالكل عندهم سواء وحلال ذبحه.
هذا الفكر الشاذ تسبب وما زال بدمار شامل في المنطقة، عزز الطائفية وأشعل نار الخلافات المذهبية ومزق الوحدة الداخلية في غالبية الدول العربية. وها هو اليوم يضرب من جديد في فلسطين .. ولأصحاب ذاكرة السمك نقول: هل نسيتم انتحاري رفح قبل ذلك!!.
لولا التحليل العبثي لنظرية المؤامرة، لقلنا إن هذه المجموعات هي نتاج مختبرات تتبع أيدي خفية لا تريد للمنطقة استقراراً وتسعى بمنهجية حثيثة لتشويه الإسلام والمسلمين ... فكل ما قدمه تنظيم داعش وإخوته المنحرفون مزيد من الكراهية والعنصرية بحق المسلمين وانتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في أنحاء العالم، واستغلال الشعبويين في الغرب لما يطلقون عليه "الإسلام فوبيا".
عودة إلى ما حدث في قطاع غزة وبالتحديد بعد سيطرة حماس في العام 2006 على القطاع، حيث بدأت رؤوس هذه الجماعات التكفيرية ترتفع ببطء ثم تختبئ بناء على تطورات الأحداث.
"حماس" لم تستمع إلى النصائح للتخلص من هذا الوحش في مهده، بل كانت تنكر وجوده، وتعتبر الحديث عن هذه المجموعات أو نشر تقارير عنها جزءاً من مؤامرة لضرب حكمها.. وحتى عندما تفجرت بعض الأزمات كتدمير مسجد للسلفيين في رفح، كان الحديث يدور عن عدد محدود من أصحاب الفكر المنحرف، وعندما كان يتم الحديث في جلسات مع كوادر من حماس حول خطورة هذه المجموعات وتركها دون اجتثاث، كان الرد هو أمامكم خياران، إما حكم حماس المعتدل والمتوازن وإما هذه الجماعات!!!
السؤال كيف انتشر الفكر المنحرف في غزة؟ ولماذا الصمت المتواصل عليه حتى أصبح بهذه القوة.. رغم الصرخات والتحذير بأن هذا الوحش الذي تتم تربيته في المختبرات المغلقة شبيه بفيروس قاتل يتم تخليقه في المختبرات العسكرية كسلاح بيولوجي، وأي خطأ سينقلب إلى كارثة على أصحاب المختبرات قبل غيرهم، وعلى طريقة أفلام الخيال العلمي فإن هذه الوحوش ستعمل من أجل السيطرة على العالم وتدمير كل من يعترضها.. وبالنسبة للتكفيريين فإن هناك امتيازاً آخر لهم وهو غطاء الدين والشريعة؟ 
في سورية أحرق داعش الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة حياً وقطع الرؤوس بالسيوف ولم يترك طريقة قتل بشعة إلا واستخدمها بتلذذ وترهيب، واليوم ينتقل الداء إلينا.. فما ذنب رجال الشرطة الذين كانوا قبل ساعات من الإرهاب الداعشي يؤدون صلاة العشاء جماعة؟ وكيف غرر أمراء داعش في القطاع بشابين حتى يقتلا الأبرياء كي يدخلوا الجنة ويفوزوا بالحور العين بدماء الشهداء؟ أي جنة تستقبل قتلة ومجرمين؟ وأي حور عين تقترب من هؤلاء الذين تفوح من أبدانهم رائحة الموت والقذارة الإنسانية؟!.
أمام هذه الفاجعة يجب علينا تنظيمات وقوى ومؤسسات وقيادات الاعتراف بوجود هذه المجموعات على الأرض، وألا ندفن رؤوسنا بالرمال، وكأن شيئاً لم يحدث، علماً أن كثيرين من التكفيريين انسلخوا عن أحزاب وحركات قائمة، معتقدين أنهم على طريق الحق وغيرهم على طريق الباطل!! ولكن أي حق هذا الذي يتآمر على الوطن والقضية. 
وبناء عليه، أصبح من الضروري تدمير المختبرات و"الفقاسات" ومصادر تمويل الداعشيين في القطاع قبل أن تتحور هذه الفيروسات ويصبح من الصعب محاربتها، ولنا عبرة في الدول العربية المجاورة.
حركة حماس جزء من هذا الشعب لها ما له، وعليها ما عليه، وإذا ما رغبت بالحفاظ على جوهر وجودها فعليها اليوم وقبل الغد أن تعترف بأخطائها ولو داخلياً، ومن بينها أنها سمحت لهذه الجماعات خلال السنوات الماضية بالتكاثر من خلال الصمت ورفض اقتلاعهم، وتركهم كاحتياط ولكن هؤلاء الداعشيين انقلبوا عليها.. وبدؤوا يعيثون فساداً في القطاع.
نحن الآن كمن يطلق النار على قدميه، إذا لم نتحرك فوراً ونقضي على هذه الظاهرة السامة في المساجد والمدارس والجامعات والشوارع.. حتى المظاهر المجتمعية الدخيلة التي لها رائحة داعش يجب أن نتخلص منها.. السرطان في بدايته يمكن استئصاله والشفاء منه.. ولكن إن صمتنا وانتشر فإننا نسمح له بالقضاء على الوطن!!!.