الجميع يعلم أن الاجتماع الأخير الذي عقد بحضور الوفد المصري لم يثمر أو يحقق هدفاً أو حتى أن يجد مخرجاً للأزمات التي يعاني منها القطاع ولو بشكل جزئي، خاصة وأن الظروف السياسية التي يعيشها الانسان الفلسطيني بغزة سريعة الانتقال وشديدة التعقيد نتيجة ارتباطها بالظروف الإقليمية والدولية.
اعتدنا أن نرى مصر راعية لاتفاقات عديدة أهمها المصالحة والتهدئة، حيث تجتهد في تحقيق أهدافاً ولو ملموسة بعض الشيء، في محاولة لتحريك المياه الراكدة سواء على صعيد ملف المصالحة أو التهدئة أو دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، وهذا يستند إلى ضرورة توفير الإرادة السياسية لطرفي الانقسام، والمناورة السياسية التي تعتمد على عناصر القوة التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية.
اللافت أن المرحلة المعقدة التي تعيشها غزة بحاجة إلى عملية "كي" في جسدها المنهك حتى تعالج وتعود لها طاقتها ومسارها السليم، وذلك يمكن أن نستنتجه من تصريحات المندوب القطري الأخيرة حين حاول أن يصنع توتراً تجاه حركة حماس كونها الطرف الذي كان يسير وفق تفاهماته مع إسرائيل.
عودة على نقطة الاجتماع مع الوفد المصري، باعتقادي أن حالة التباين التي ظهرت بين الفصائل الفلسطينية والوفد المصري زادت من حالة الضغط السياسي على قطاع غزة لحسم الموقف من الحل الراهن الذي لن يكون بمعزل عن ملف المصالحة المراد إنجازه، ومحاولة الهروب من صفقة القرن باعتبارها المشروع الأكثر أهمية بالنسبة للإدارة الأمريكية والتي أعلنت أنه بعد الانتخابات الإسرائيلية سيتم الإعلان عنها مباشرة.
حركة حماس تحاول أن تلعب دوراً رئيسيا في السياسة، وهذا كان واضحاً في الآونة الأخيرة في كثير من المواقف ولا سيما موقفها من المشروع الإيراني والقطري التركي، لكن في الحقيقة أنها لم تنجح في رسم سياسة تتناسب طردياً مع الأحداث والوقائع الجارية على الصعيد الدولي والإقليمي، خاصة وأن الراعي الرئيسي "مصر" تلعب دوراً مختلفاً لا يتناسب مع رؤية وأهداف الأطراف المذكورة، كيف سيكون مصير حماس وما هو خيارها، فالخيارات صعبة ولها نتائجها؟ منذ سنوات ومصر تحاول أن تفرض محددات لعلاقتها مع حماس ارتباطاً بالمباحثات الجارية في ملفي المصالحة والتهدئة، وتأثيرها على الحل السياسي الذي تتهرب منه إسرائيل تحت حجج وذرائع واهية، وهذا يكون واضحاً حين يعتلي الرئيس عباس منصة الأمم المتحدة تبدأ الحجج الإسرائيلية بضرب الرسالة الفلسطينية وأولها أن غزة لم تخضع تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية وحياة الانقسام هي سيد الموقف، أما الحجة الثانية أن الجماعات المسلحة غير واضحة الهدف ولم تحسم أمرها أي بمعنى أن هناك من يطالب بدولة على حدود 67 وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهناك من يريد دولة على حدود فلسطين التاريخية عام 48، وهنا يكمن الخلاف في الرؤى السياسية الفلسطينية.
حركة حماس غُررت كثيراً في الوعودات الإقليمية والدولية التي ترغب في إبقاء الحالة الفلسطينية مشرذمة ومفككة، لكن الذي ربما تجهله حماس هو أن الحل السياسي لا يمكن تحقيقه عبر أسطوانات مشروخة من هنا أو هناك، وهذا يؤكد لها من قبل مصر بصفتها راعية ملف المصالحة، بل ساهمت في توجيه حماس سياسياً كي تحدد خيارها بنفسها لأن العالم لم يقبل بأن تستمر هذه الصراعات على هذه الشاكلة. وبخصوص مسألة الحل السياسي، تشعر وكأن حركة حماس وُضعت تحت مقصلة لا يمكن الهروب منها، فكان تصريح السيد إسماعيل هنية غير مفاجئ كثيراً بقبول حماس إقامة دولة على حدود 67 خاصة بعد تغيير الوثيقة السياسية الخاصة بها عام 2017.
أما الشاكلة الأخيرة التي ربما لم يتم حسمها من قبل حماس لمصر هي تحالفها مع المشروع الإيراني في ظل اتباع منظمات فلسطينية أخرى له، لكن الواضح أن هناك اختلاف في وجهات النظر بين بعض القوى السياسية الفلسطينية ومصر حول العلاقة مع إيران وقوى المحور في المنطقة وهذا يشكل تأثير سلبي على الجهود المبذولة من قبل مصر والتي تحاول أن تعمل على قاعدة أن الوحدة الفلسطينية تخدم الحل السياسي.
وحول تمكين الرئيس عباس من طرح "حل الدولتين" أمام المجتمع الدولي ومواجهة قرارات الإدارة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، لا بد من الاستجابة إلى الاتفاقات الموقعة بين الأطراف الفلسطينية لعام 2011 و2017 والتي تشكل حجر الأساس للنهوض بالواقع الفلسطيني، وهذا لن يكون بعيداً عن العودة إلى صناديق الاقتراع واحترام شرعية الشعب من جديد، والتي نصت عليها الاتفاقات المبرمة بين طرفي الانقسام برعاية مصرية، مما يمكننا فلسطينيا من بناء استراتيجية وطنية فلسطينية موحدة تعزز من صمود الشعب الفلسطيني وجعل القضية الوطنية حاضرة على طاولة المجتمع الدولي باستمرار.