موقف القائمة المشتركة بين الاستراتيجية والتكتيك

مهند عبد الحميد.jpg
حجم الخط

مهند عبد الحميد

المقاعد الـ 13 التي حصدتها القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الاسرائيلي أفرحت أكثرية الشعب الفلسطيني، وأغضبت معسكر نتنياهو في الوقت عينه. ولم يمض طويل وقت للقول «يا فرحة ما تمت» حين اندلع خلاف داخلي على خلفية توصية عشرة من أعضاء القائمة بترشيح غانتس رئيس معسكر أزرق ابيض لرئاسة الحكومة. يبدو الخلاف الفلسطيني هنا طبيعياً في سياق صراع فلسطيني إسرائيلي على كل شيء. ولا شك ايضا ان السجال في قضايا التكتيك والاستراتيجية حول الشأن الفلسطيني في مناطق 48 وعلاقته بالمكونات الفلسطينية في الشتات والأراضي المحتلة عام 1967، يكتسب أهمية كبيرة في لحظة سياسية متخمة بالخسائر والإحباط والضغوط والتدخلات الخارجية من جهة، وفي ظل تضعضع المركز السياسي الفلسطيني في إدارة الدفة من الجهة الأخرى.
الخلاف كما ظهر ينحصر في التكتيك المتعلق برئاسة الحكومة الإسرائيلية، هل يساعد موقف القائمة المشتركة نتنياهو على التجديد ام يساعد في هزيمته؟ سيما وأن نتنياهو قاد خلال السنوات العشر الماضية المعسكر الأكثر عداءً وعنصرية وكراهية للشعب الفلسطيني عموما ولفلسطينيي الـ 48 على وجه الخصوص. يشهد على ذلك منظومة القوانين وبخاصة قانون القومية العنصري، وقانون النكبة، وقانون سحب المواطنة، وقانون المقاطعة، وقانون يمنع سكن العرب في بلدات يهودية وغير ذلك. الممارسات تقول إن نتنياهو أكثر خطراً وضرراً وتهديداً، وهذا لا يعني وجود بديل إسرائيلي داعم او مؤيد او يتبنى حلولا وقوانين غير عنصرية، يوجد معسكر آخر أقل خطرا وضررا .
كان موقف المشتركة ضد الأكثر خطراً، حين سلطت النيران بالمعنى المجازي على الخصم الاكثر خطراً، ضد التجديد لحكم نتنياهو ومعسكره المدعم بالمتطرفين الفاشيين القوميين والدينيين. وحسناً فعلت أكثرية القائمة المشتركة بتوصيتها المناهضة لنتنياهو ومعسكره. التي كانت منسجمة مع أصوات ناخبيها الذين زادوا نسبة المشاركة 10- 11% لقطع الطريق على نتنياهو الذي اعتمد التحريض ضد العرب كعنصر أساسي في حملته الانتخابية. ذهب المواطنون الى الصناديق ليتخلصوا من خطر نتنياهو كهدف أول، وللدفاع عن حقوقهم التي أطاحت بها منظومة القوانين والسياسات التي بادر اليها نتنياهو ومعسكره اليميني. ان مساواة نتنياهو مع غانتس صحيحة في الانتماء للكولونيالية الاستيطانية وأطماعها وفي التوسع وتعميق الاحتلال في اراضي 67 والسيطرة على شعب آخر، وفي العداء لكل مساعي التحرر والاستقلال الفلسطيني بما في ذلك شن الحروب وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وقوى الثورة والمقاومة. بعد ذلك يمكن القول هناك فوارق في مستوى العنصرية وفي تعريف الحقوق المدنية وفي التعصب الديني والقومي وفي مستوى تبلور الاتجاهات الفاشية وفي درجة الديمقراطية والتوحش. كل هذه الفوارق الكمية لا ترقى الى المستوى النوعي. لكنها تحيل في السياسة الى أكثر خطراً وأقل خطراً.
ينتمي الرئيس الأميركي ترامب وسلفه الرئيس أوباما الى الدولة الإمبريالية العظمى نفسها. وعمل كلاهما كموظف في تصرف المؤسسة الأميركية المهيمنة على العالم. بيد ان كل رئيس قدم سياسات داخلية وخارجية مختلفة عن الآخر، وقد عبر كل واحد منهما عن مصالح احتكارات متباينة الجشع والأطماع، وانعكس ذلك على السياسات الداخلية والخارجية لكل منهما، وبخاصة في الشأن الفلسطيني. ترامب وقع على نقل السفارة واعترف بالقدس موحدة عاصمة لإسرائيل، شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين ومعهم منظمة الاونروا، واطلق العنان للاستيطان الإسرائيلي، ومارس كل أنواع الحصار وتجفيف الموارد وقطع المساعدات، ولم يجد طرفا فلسطينيا يؤيده. وكانت سياسات اوباما الداعمة لاسرائيل في التسليح والدعم المالي والفيتو اقل خطرا وتهديدا لحقوق الشعب الفلسطيني، بما لا يقاس من خطر سياسات ترامب. الفرق بين حزب وآخر ورئيس وآخر ليس في الأساسيات وانما في الفروع وفي التطبيقات. البعض يعتبر الأطراف المعتدلة اكثر خطراً، كالقول ان أوباما أخطر من ترامب، ورابين وغانتس ولابيد أكثر خطرا وتهديدا من نتنياهو وبينيت وشاكيد، هذا التقدير ليس من السياسة في شيء، وينتمي الى عقل غير ساري المفعول.
إذا جرى الانطلاق من التحديد السابق – اكثر وأقل خطر- في التعامل مع نتائج انتخابات الكنيست 22، ما هو الموقف الاقرب الى المصلحة الفلسطينية في مناطق 48 وفي الضفة والقطاع والشتات. لا يجانب المرء الصواب إذا قال ان المصلحة الفلسطينية على المستوى المباشر تأتي عبر هزم نتنياهو ومعسكره باعتباره الاكثر خطراً. ولا يمكن في ظل التوازن والاستقطاب القائم، الامتناع عن تزكية نتنياهو وغانتس لانهما من طبيعة واحدة، لأن الامتناع في هذه الحالة يصب لمصلحة نتنياهو الاكثر خطرا، وهذا يتعارض مع المصلحة الفلسطينية. إن تزكية غانتس باعتباره اقل خطرا، يساعد في إزالة نتنياهو الأكثر خطراً، أو في إضعافه ومنعه من الاستئثار بمركز صنع القرار. دون ان يعني ذلك الاندماج مع سياسات وبرامج وأهداف معسكر غانتس، بل يعني العمل بمجموعة من المطالب، كالتراجع عن القوانين العنصرية، ووقف هدم المنازل العربية واتباع سياسة اسكان غير عنصرية، مكافحة الجريمة في المجتمع الفلسطيني، وبناء قرى ومدن ومستشفيات وجامعات. وسياسيا دعم البرنامج الوطني الفلسطيني لانهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، وانهاء حصار قطاع غزة والتوقف عن سياسة فصله عن الضفة الغربية. هذه المطالب يحققها نضال فلسطيني متكامل، لكنها تحتاج الى تزكية معسكر «ازرق ابيض» لها كثمن لتزكية القائمة المشتركة له لتشكيل الحكومة. ان الالتزام او عدم الالتزام بهذه المطالب من قبل غانتس، يعتمد على الأداء، والاهم على ربط القوى السياسية الفلسطينية داخل وخارج «القائمة المشتركة» بالمطالب وبالنضال ضد المنظومة الاستعمارية التي مارست الإقصاء المتغول باطّراد، وهي الآن تحاول نقله الى نهايات حاسمة. الشعوب تحت السيطرة الاستعمارية كانت تحقق مطالبها بالقدر الذي تنجح في فرض التراجع على المشروع الاستعماري والظفر بالحرية. ولم تكن سياسة تقديم الفتات للشعوب مقابل بقاء علاقات السيطرة الاستعمارية لتصمد طويلاً أمام استراتيجيات التحرر. إن موقف «المشتركة» ينتمي الى التكتيك الذي من المفترض ان يخدم استراتيجية التحرر والديمقراطية والعدالة، ويصون انفتاح القرار على كل نقد وعلى التعدد الفلسطيني في كل المناطق والساحات، والذي من المفترض ان يستند لمصالح السواد الأعظم من الشعب بعيداً عن كل تدخل او وصاية. لا استراتيجية بدون تكتيك ولا تكتيك بدون استراتيجية. بقي القول إن المجتمع الفلسطيني في مناطق الـ 48 هو جزء من مشروع التحرر الوطني الفلسطيني وان اختلفت المهمات. وقد اثبت في هذه المعركة، انه بمستوى المسؤولية كما عودنا في يوم الارض والانتفاضات وفي صيانة الهوية والثقافة الوطنية.