حماقة ترامب ومغامرة تركيا تشعلان الشرق الأوسط

حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 منذ بدء التوغل العسكري التركي في الشمال السوري، قبل عشرة أيام، تشير التقديرات إلى نزوح نحو 300 ألف مواطن، وهذا ينفي تماماً المزاعم التركية من أن الهدف من العملية العسكرية هو إعادة توطين نحو أربعة ملايين سوري يقيمون اليوم في تركيا، في تلك المنطقة، بعد تحويلها إلى منطقة آمنة، وهذا هو الوصف المخفف الذي تطلقه تركيا العثمانية على المحمية التي تعمل على إنشائها في شمال سورية، لضمها إلى الأسكندرون السوري المحتل منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الرئيس التركي نفسه، رجب طيب أردوغان، كان قد أفشى بحقيقة ما يحلم به، حين أشار إلى ما فعلته القوات التركية في قبرص عام 1974، حين فرضت تقسيم البلاد، وسلخ ما يسمى بقبرص التركية، التي هي منذ ذلك الوقت بمثابة محمية تركية، بحجة أن سكانها من أصل تركي، في مقابل سكان قبرص اليونانيين، وهذا احد وجهي الهدف من الهجوم العسكري التركي، الذي يستبيح الأرض العربية السورية، ذلك أن الوجه الآخر هو الوصول إلى منابع النفط في شمال سورية وشمال العراق، حيث يتواجد الأكراد السوريون والعراقيون، وحيث أنه معروف بأن تركيا ومنذ عقود تحلم بالنفط، وكثيراً ما طالبت بتبادل ماء الفرات الذي ينبع في بلادها ويذهب لسورية والعراق بنفط البلدين العربيين.
يمكن القول إذاً بأن العملية العسكرية التركية، التي إن نجحت في تجاوز الجيش السوري نفسه، ستذهب بعيدا وصولا إلى الحدود العراقية، فإذا كانت تركيا منذ نحو نصف قرن، شجعت أتراك قبرص على الانفصال، فإن ذلك يعني بأنه من حق أكراد تركيا أن ينفصلوا عنها وأن ينضموا لإخوانهم أكراد العراق وسورية، لكن أردوغان الذي تبجح منذ الأيام الأولى لهجومه العسكري بالقول إن قواته قد نجحت في إقامة المنطقة الأمنية بطول 444 كم وبعرض 32 كم أي بمساحة 14 ألف كم 2، وهي نصف المسافة البرية تقريبا التي تفصلها عن الوصول للحدود العراقية، إذا ما أضيفت لمساحة 18 ألف كم الفارق بين معاهدتي سيفر ولوزان، كذلك لواء الأسكندرون، تبلغ مساحة الأرض السورية المحتلة من قبل تركيا أكثر من 30 ألف كم 2 أي أكثر من مساحة فلسطين أو ثلاثة أضعاف مساحة لبنان !
يمكن القول إذاً إن العملية العسكرية التركية قد أعادت الجرح السوري مجدداً إلى الانفتاح، بعد أن كان قد أغلق بهزيمة داعش، حيث تركز التفكير حول إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب، وإعادة فتح ملف تفتيت وتقسيم الدولة العربية بين دول الإقليم، حيث تطالب إسرائيل أيضا بإقامة منطقة آمنة في الجنوب، وهي بذلك ورغم أنها ما زالت في بدايتها، إلا أنها أعادت خلط الأوراق الإقليمية مجدداً، فأكراد سورية الذين كانوا يأملون في إقامة إقليم يتمتع بالحكم الذاتي في شمال شرقي سورية على غرار الإقليم الكردي الشقيق في شمال غربي العراق، تبخرت أحلامهم، ولا أحد يعرف إن كان أشقاؤهم في الإقليم العراقي سيتدخلون أم لا، في حين أن الجيش العربي السوري قد هب فوراً للدفاع عن حرمة الأرض السورية، في حين إيران تنتظر، وهي بسبب سياسة الولايات المتحدة تجاهها، تجعلها تترقب على مضض، ذلك أن الطائفي والعرقي قد اختلط بالجغرافيا في هذه المنطقة.
وكما هو معروف للجميع ما كان لهذه العملية أن تنطلق لولا القرار الأحمق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسحب قواته من تلك المنطقة، بعد أن تعثرت مفاوضاته مع أنقرة التي كانت تهدف للتوافق على المنطقة الآمنة، لذا فإن قرار ترامب والذي اتخذه على الورق قبل عام قد احدث ردود فعل معارضة بدءا من استقالة وزير الدفاع السابق وصولا إلى تنديد الكونغرس بما فيه معظم النواب الجمهوريين بتنفيذ الانسحاب، والأهم هو الموقف الإسرائيلي، الذي طالما عوّل عليه ترامب في ذهابه لانتخابات الرئاسة من أجل الفوز بالولاية الثانية.
أما ردود الفعل الأوروبية فهي تتجاوز قصة فتح الأبواب لمعتقلي «داعش» الذين يبلغ عددهم 12 ألفاً لدى قوات سورية الديمقراطية مع مثل هذا العدد من عائلاتهم، ويتجاوز احتمال تجديد موجات الهجرة، إلى إدراك أن الهدف التركي هو السيطرة والتوسع، ونهب ثروة النفط في المنطقة، وفي النهاية إقامة إمبراطورية عثمانية، حين تنتهي من التوسع في الشرق ستفكر في التوغل في الغرب، لتشارك الطموح القيصري الروسي، كما كان الحال قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الدولة العثمانية تحتل دولا من شرق أوروبا، ورثتها عنها روسيا السوفياتية بعد تلك الحرب، عبر المنظومة الاشتراكية.
لا تكفي التهديدات الاقتصادية لردع تركيا، حيث أعلن ذلك بوضوح الرئيس التركي، قبل أيام، كذلك لن تنجح مهمة نائب الرئيس الأميركي في قطع الطريق على العملية التركية وتوقفها في منتصف الطريق، وإن كانت تهدف بالأساس إلى تهدئة الداخل الأميركي أولا ومن ثم حلفاء واشنطن في إسرائيل ودول أوروبا.
والعملية تعني بأن تركيا قد أغلقت الباب تماما أمام محاولة الدخول في الاتحاد الأوروبي، وإن كانت تفكر في العودة لأوروبا من بوابة فرض الشروط والتوسع بما لا يعني الاكتفاء بالشطر الشمالي من الدولة القبرصية.
في حقيقة الأمر أنه إذا كان العالم قد نظر إلى وجود الجماعات المسلحة في سورية على أنها جماعات إرهاب وتوافق على محاربتها، فإن عليه اليوم أن ينظر إلى وجود كل القوات العسكرية المسلحة الأجنبية، خاصة تلك التي لا توافق على وجودها الدولة السورية، ولم تدخل أرضها بناء على اتفاق دفاع مشترك معها، على أنها قوات احتلال خارجي، من المشروع أولاً مقاومتها بكل الأشكال وليس فقط بالعقوبات الاقتصادية، وثانياً، عدم الاعتراف بكل ما يترتب على احتلالها من تغيير لحقائق التاريخ والجغرافيا، من ضم أو تبعية أو ما إلى ذلك.
ثم بعد ذلك دعم كل أشكال المقاومة التي يجب أن تظهر وأن تجمع كل مكونات الشعبين السوري والعراقي من أكراد وعرب وغيرهم، للدفاع عن وطنهم ضد الاحتلال الأجنبي، الذي ما كانت يوما تعوزه الحجة أو المبرر لاحتلال أرض الغير، وهذا قد تظهر أبعاده عبر مجلس الأمن ومن ثم الأمم المتحدة، فهل تفعل المنظمة الدولية ما كانت قد فعلته تجاه العراق حين احتل الكويت، أم أن ترامب سيواصل حماقته السياسية بما يتيح المجال للمغامرة التركية لتكمل أهدافها وتحقق مآربها الاستعمارية، وتحقيق مشروع أردوغان بطي صفحة لوزان بمناسبة مرور 100 عام عليها، أي في العام 2013، والعودة للسيطرة على الشرق الأوسط واليونان!