سورية تقطف ثمار روسيا

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

هل حان موعد الحصاد في سورية؟ يبدو أن هذا يتحقق في ضوء العدوان التركي الحالي وقبله حجم الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش السوري ضد تنظيمات المعارضة المختلفة، لكن النجم في معادلة هذا النزاع هي روسيا.
العدوان التركي على شمال سورية مفيد جداً لسورية الأسد، ربما لأنه يستعجل نهاية الأزمة السورية التي طال انتظارها، وكونه فتح أبواب جهنم على الأكراد الذين شكلوا عقدة صعبة بالنسبة للحكومة السورية التي تمهلت في طريقة التعامل معهم، خصوصاً خلال فترات الحماية والدعم الأميركي لهم.
الآن ليس هناك من دعم أميركي للأكراد، والرئيس دونالد ترامب عاد وكرر «ليسوا ملائكة»، وكأنه يقول إنهم أدوات استخدمت لحماية المصالح الأميركية والآن انتهينا منهم ولا يمكن بأي حال من الأحوال وضعهم مع الأتراك في نفس الميزان.
اللاعبون الكبار المؤثرون في النزاع السوري كلهم استثمروا هذا الملف لحماية ظهورهم، فهذا ترامب قرر انسحاب قواته من شمال سورية، حتى يبدو للناخب الأميركي أنه جاد في شعاراته التي رفعها، وحتى «يلهي» الرأي العام بهذا الانسحاب ويشغل السياسيين والخصوم عن قضية عزله ويتركهم يتجادلون بشأن قراره ترك سورية.
الرئيس أردوغان له مصلحة في إضعاف الوجود الكردي من شمال سورية، وإذا تحقق له ذلك فإنه سيغدو «طاووساً» بين الرأي العام التركي، ولا عجب إذا كان قد مضى في صفقة مع روسيا تحقق له الاستقرار المنشود على حدوده الجنوبية، وتؤمن موقعاً جيداً لحلفائه من المعارضة المعتدلة في مستقبل النظام السياسي السوري.
هناك أهداف محددة لتركيا في سورية، فهي لا تنظر كثيراً إلى مسألة وجودها هناك لأنها ستساوم على هذا الخروج إن عاجلاً أم آجلاً حينما تطالبها موسكو بالرحيل. الأهم بالنسبة لها أن يتجرد الأكراد من كل عناصر قوتهم أو يتصالحوا مع الحكومة السورية ويندمجوا في المجتمع السوري ويخرجوا من سياسة الكانتونات الديمغرافية والجغرافية الملاصقة للحدود التركية.
في هذا الإطار لم تنزعج الحكومة التركية من اتفاق الأكراد مع الجيش السوري على سيطرة الأخير على مناطق كانت منذ سنوات «مطوبة» باسم الأكراد، مثل منبج وعين العرب «كوباني»، وكل هذا لم يكن ليحصل لولا دعم روسيا للحكومة السورية وقرار واشنطن سحب قواتها من شمال سورية.
ما يحدث الآن يتعلق بخريطة جديدة للنزاع ترتكز على اختلال واضح في ميزان القوة، إذ يلحظ على الصعيد الداخلي انحسار موجة الأكراد وارتياح كبير في صفوف الجيش السوري لتحييد هذه القوة، وخارجياً انحسار الدور الأميركي الذي قد يترجم لاحقاً بالسحب الفعلي للقوات من سورية.
هذا يعني خلو الساحة السورية من لاعبين مهمين، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى الحديث عن بداية نهاية هذا النزاع، لأنه إذا غاب الأكراد تماماً عن معادلة النزاع، وخرجت تركيا من سورية وهذا ما سيحدث لاحقاً، فمن غير المستبعد أن تودع دمشق هذه الفصل الصعب من حياتها.
على كل حال من الصعب المراهنة على الموقف الأميركي الذي يمتلك أدوات التأثير بينما سياسته غير واضحة في مسألة التعامل مع الملف السوري، لكن في المحصلة يمكن القول إن الحكومة السورية تحصد ثمار ما زرعته روسيا طوال سنوات هذا الدعم.
ولم تعد صيغة «لا غالب ولا مغلوب» تنطبق على النزاع الجاري، إذ يبدو أن الجيش السوري هو الطرف الأقوى في هذه المعادلة، في وقت تنحسر فيه القوى الداخلية ولن يتبقى في الساحة سوى فصائل المعارضة المعتدلة.
من المستبعد جداً أن يتوسع النزاع ويطال تركيا والجيش السوري على خلفية عدوان الأولى، إذ من مصلحتها أن ينتشر الجيش السوري على الحدود مع أنقرة، وأردوغان بعظمة لسانه قال إن ذلك ليس بالأمر السلبي طالما أن الأكراد ليسوا هناك.
أيضاً لن تسمح روسيا بحدوث مواجهات بين الطرفين التركي والسوري، وخطتها تقضي بفهم الاحتياجات الأمنية التركية واستيعاب العدوان حتى تحقق أنقرة أهدافها ومن ثم تخرج من سورية، في حين تتمكن الحكومة السورية من فرض سيادتها على المناطق الحدودية.
إذا حدث ذلك ومن المرجح أن يحدث، فقد نكون أمام مرحلة جديدة من فصول نهاية النزاع السوري، وهذا قد يؤدي إلى إعادة إنتاج المنتصر على الساحة السياسية من جديد، بمعنى أنه قد تحدث تعديلات على النظام السياسي الحالي، لكن الرئيس الأسد ومَن حوله سيبقون في السلطة.
سيسجل التاريخ أن روسيا أنقدت سورية من مخططات التقسيم ودعمت النظام إلى أبعد الحدود، وكذلك سيسجل نفس التاريخ تبادل هذه المنفعة، وفصلاً جديداً في النظام الدولي يعكس عودة روسية قوية.
روسيا بدعمها لسورية أنفذت نفسها وسمعتها أيضاً، وحيث تمكنت من إدارة هذا النزاع بذكاء واستثمرت فيه لأنها تدرك حجم العوائد المتحققة من ورائه. واليوم تُوسّع شبكة علاقاتها الدولية وتقيم تحالفات استراتيجية، وبعد أن تنتهي الحرب في سورية سيزيد حضورها وتنمو علاقاتها مع الكثير من الدول أكثر فأكثر.
الحكومة السورية يبدو أنها خرجت الآن من عنق الزجاجة، ولن يتبقى أمامها سوى كيفية التعامل مع المعارضة المعتدلة والموقف من تركيا، وأغلب الظن أنها ستحسن التصرف في هذين الموضوعين بواسطة الدعم الروسي.
من الجائز أن نسمع عن دعوات حقيقية لتسوية الأزمة السورية بعد العدوان التركي، وحينذاك ثمة أطراف مثل الحكومة السورية مستعدة للتفاوض لإنهاء النزاع لكن بسقف عالٍ من الشروط.