شعب لا يعاني صدفة... «ازرع تفاح وازرع كفاح»

ريما كتانة نزال
حجم الخط

 

  لكل مظهر جوهر، ليس من قبيل الصدفة أن تثير أغنية: «ازرع تفاح دون سلاح» حواراً ارتفعت حرارته، فالإناء الفلسطيني بما فيه ينضح، حيث يتم رصد الوقائع والاستطلاعات على صفحات الإعلام الاجتماعي، فالشارع لا يُسجِّلُ أية وقائع أو دبيب يُذكَر، وفي تفاصيل جوف الإناء، فيض من ثقافة الاتجاه المعاكس، السخرية والشماتة، حمولة فائضة من الضغائن.  الشيء بالشيء يُذكر، في الفترة التي تلت انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، تمردت بعض الفتيات المناضلات على تقاليد الزواج ودفع المهور، واقترحن على المتقدمين للزواج في مجتمع الثورة الفاضلة؛ القيام بعملية عسكرية ضد الاحتلال: التزاماً بمُقدم ومؤخر الصداق بقيمته النضالية. كانت الفكرة مطابقة للخصوصية الفلسطينية وتدل بوضوح على عنوان المرحلة الجديدة، فلكل مظهر جوهر يُعبِّر عن الحدث الرئيس.  وفي تلك المرحلة عبَّر الشباب الفلسطيني عن ثورة التغيير على الواقع العربي، وعن تقديس الكفاح المسلح، أرقى أشكال النضال، ارتداء الملابس العسكرية، وترديد أغاني الثورة وأجملها «طلّ سلاحي من جراحي». بعد استعراض ما كتب عن الأغنية وتمكنت عيناي من التقاطه، من الهادئ إلى العصبي، ليصبح نصفي الأول يتفهم الأغنية، بينما وقف نصفي الآخر ضدها.  نصفي الأول يقول: أنه لا يمكن التعامل مع الأغنية والفنون عامة كما البيان والمنشور والموقف السياسي، بل لا يمكنها التحول إلى خطاب سياسي متوازن، والأهم؛ لا تستطيع الأغنية أن  تحظى برضى المجتمع المنقسم على نفسه عمودياً، بينما لا وجود عضوياً لمن يكبح جماح التوسع المطّرد، ليصبح الخلاف؛ على كل شيء وفي أي شيء.  نصفي الآخر يقول ببساطة، لا بد لكل شيء في حياتنا أن يكون مرآة عاكسة لشخصيتنا وخصوصيتنا المميزة عن الشعوب الأخرى، شعب تحت الاحتلال. وأن نظهر هذه الخصوصية، في الأغنية والأهزوجة واللوحة، في نثرنا وشعرنا، وما يخرج عن الخصوصية الفلسطينية؛ سيُطرد منها دون رحمة.  لكن نصفيّ يتوحدان في إطار حقيقة سافرة لا تحتاج إلى جهود كبيرة للبرهنة عليها، حيث لا تشهد الساحات الفلسطينية مقاومة فعالة وجماهيرية، شعبية أو مسلحة، تعبِّر عن حالة الصراع الفكري والسياسي بين الاتجاهين المختلفين على شكل الكفاح النظري السجالي: المسلح أو السلمي..!  ونصفاي يتساءلان: إن كان لا زال بمقدورنا الذهاب إلى مفهوم أبعد من ثنائية المقاومة: المسلحة أو الشعبية، وإن كنا قادرين على الفصل بين الحاجة إلى الشكلين النضاليين، كحق ممارسة كل ما يمكنه أن يوصلنا إلى الحرية، طبيعة الشكل ومرحلته وثماره.. وألا نجعل الشكلين في حالة صراع وتخندق، ضد بعضهما البعض! حالة الحوار وخروجها عن نظام الحوار لا يتحمل مسؤوليتها المجتمع، بل تتحمله الاتفاقات التي تجنبت الخوض في القضايا الإشكالية الرئيسية، وعدم قدرتها على تجسير الفجوات المتسعة.  ترك الاتفاقات الموقعة، النقاشَ حول أشكال النضال، ساهم في زيادة منسوب الكراهية وسعَّر الأحقاد والاصطفافات؛ والأسوأ ساهم في تبرير الأفعال وزرع الشكوك واغتيال وإقصاء شخصية الآخر أو سحقها. الإشكالية الكبرى تتركز في ضعف المجتمع المدني الفلسطيني، وفي حالة الاصطفاف، مع أو ضد، وفي فقد دوره المميز بعيداً عن حالة الاستقطاب بين الطرفين الرئيسيين في معادلة الانقسام. المجتمع المدني الفلسطيني، لم ير أن من واجبه سوى ترجيح كفة أحد الطرفين على كفة الطرف الآخر..بينما كان عليه أن يكون ضمير المجتمع الجمعي الذي يوحده على رؤية تنطلق من المصالح الوطنية ويعمل على صياغة موقف المجتمع وينطلق للتأثير بها.