الجامعات الفلسطينية ما بين العادات وصناعة الأمل !

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

بينما أنا منشغلة في المؤتمر السنوي لاتحاد جامعات المتوسط الذي يضم اكثر من 124 جامعة من حوض المتوسط، كنت استمع منصتةً لمداخلة رئيس جامعة إيطالية مرموقة يتحدث عن دور الأكاديميا ومؤسسات التعليم العالي في إيجاد الحلول للمشاكل التي تواجه البشرية حول العالم، كلماته علقت في ذهني حين قال: " تقديم الأمل للعالم هو مهمة الجامعات، نعم إنه دورنا ومسؤوليتنا أن نزرع الأمل من خلال التعليم والطلبة والبحث".

أدرك تماماً أن كلماته ليست اختراع ولا جديدة وعادة ما أتناولها بنفسي عندما أتغنى بشغفي لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي الذي نعيش فيه في فلسطين من خلال التعليم. وهنا نذكر أن فلسطين تحتضن ١٤ جامعة للدراسات العليا. لا خلاف إن التعليم هو رهاننا الوحيد وأن العلم هو أساس النجاح في هذه الحياة. وندرك جميعاً أن العلم بحر لا ينضب وأن علينا الاستمرار بالسعي، فمهما وصلنا من درجات أو رتب فهذا يستوجب علينا متابعة ما يستجد من علم وأدوات وخاصة مع التطور الذي نشهده المرافق للتطور التكنولوجي والتواصل الذي انعكس على كل مناحي الحياة.

لقد حققت الجامعات الفلسطينية تقدماً وانجازات لا بأس بها من ناحية توظيف التكنولوجيا في التعليم، طرح التخصصات الجديدة حسب حاجة السوق وتبني معايير الجودة العالمية العديدة من الاندماج الى المساواة الى تكافؤ الفرص الى التخطيط والتمكين. ها هي الجامعات الفلسطينية توظف التكنولوجيا ليس فقط كأدوات لتسهيل وتسريع وتبسيط العملية التعليمية، لا بل بكل ما وصلت إليه من شبكات ووسائل لمحاولة تقديم حلول للمعضلات والأزمات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية التي نتعرض لها من خلال نسج المبادرات والخروج باستراتيجيات تعتمد على أنشطة وبرامج مبتكرة قد تخرج عن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي لتبرهن أن الجامعات هي فعلاً صانعة الأمل، وقد قطعت الجامعات الفلسطينية باعاً في تشجيع الريادة والأفكار الخلاقة للخروج من الصندوق الكبير الذي نعيش فيه، الاحتلال!

ما أود طرحه اليوم هو أن التعليم، الكتابة، البحث والدراسة هي مهمات الجامعات بشكل عام ولكن علينا أن لا نغفل عن مبدأ أساسي في العملية التعليمية يتمحور حول المهارات، مهارات الحياة التحليلية والنقدية المبنية على الحجة العلمية، لقد خَرَجّ النظام التعليمي الفلسطيني ابتداءً بالمدارس الى الجامعات أجيالاً لا بأس بها إلا أننا للأسف نفتقر وبشدة لعدة مباديء لن يتغير حالنا بدونها ومنها تقبل واحترام الآخر وإن كان مختلفا وبعيداً عما هو متعارف عليه. للأسف ما زالت العادات والتقاليد والأبوية والذكورية تسيطر على المشهد في مختلف الجامعات الفلسطينية دون استثناءات، أتمنى من المقال أن يشجع رؤساء الجامعات على لعب أدوار بمبادرات مبنية على التنور وتشجيع المناظرات التي تصقل المهارات الشخصية التي تجعل من الطالب شخصاً يركز على التحليل والإقناع من خلال الحجج العلمية بعيداً عن المشاعر المرتبطة بالمجتمع وتقاليده التي تتغنى بالعقيدة والدين متناسيين أن أهم ما يجمع العقائد السماوية هي حسن المعاملة واستيعاب الآخر.

المخرج الوحيد أمامنا لزراعة الأمل وللنهوض بالاقتصاد ولتحسين الوضع السياسي والارتقاء بدور فلسطين بالعالم هو التحرر مما تربينا أنه مقبول والتركيز على الأفكار الجديدة لمواجهة أزماتنا وأزمات العالم، لنقدم حلولاً لتحديات الاحتيال المالي عبر البطاقات البنكية، حلولاً لتقليص مشاكل الاختناق المروري، تطبيقات ذكية لا تسهل الحياة فقط ولكن تواجه مشاكل حقيقية يتعرض لها العالم. لتحقيق ذلك يلزمنا بيئة تعليمية مُحفزة على التحليل والتفكير والنقد والإبداع لا على التلقين والحفظ والطرق التقليدية، ويلزمنا تضافر الجهود ما بين وزارة التربية والتعليم العالي من جهة وكل المؤسسات التعليمية ابتداءً بالمدارس والاستثمار بإيجاد مختبرات وحلقات للريادة والابتكار لتعزيز روح المبادرة والتفكير الخلّاق ومهارات التحليل والنقد والمناظرة والحجج حتى نتخلص من شبح وتابو العقائد والتقاليد وما هو متعارف عليه الذي بات مسوغاً سهلاً لكافة الممارسات الرجعية المتخلفة.

في فلسطين وفي ظل الاحتلال واضطهاد حقوق الإنسان، لم يتبقَ أمامنا سوى عقولنا وشبابنا ولم يبق لدينا متسع من الوقت لتوظيف مهارات الحياة في مهمتنا التعليمية من خلال الجامعات فهي حاضنات الفكر التي تصنع الأمل.

د. دلال عريقات، استاذة حل الصراع والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.