أظهرت ورقة حقائق حول قضية الاعتقال السياسي أعدها مجموعة من الشباب المبادر خلال برنامج تدريبي نفذه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية - مسارات بعنوان "المشاركة المدنية والديمقراطية للشباب الفلسطيني"، النسب التي حققتها هذه الظاهرة خلال الفترة الزمنية المحددة ما بين عامي 2014-2019م، والتي أكدت أن لهذه الظاهرة أثار سلبية انعكست على واقعنا الحياتي نتيجة استمرار الانقسام السياسي والمخالفة الواضحة للقانون الأساسي الفلسطيني وللمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ناهيكم عن تغليب المصلحة الشخصية والفئوية على المصلحة العامة وعدم الانصياع إلى إرادة الشعب الحرة.
وتعددت مبررات استمرار ظاهرة الاعتقال السياسي بل ازدادت نتيجة الواقع المزري الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على الصعيد الانساني والوطني، وهذا مما خلف نتائج تنذر بوقوع كارثة في المستقبل القريب في حال استمرت هذه الظاهرة وتفاقمت، لذلك هذا يتطلب من أصحاب القرار الفلسطيني في غزة والضفة تدارك الأمر والاستجابة لمطالب المواطن المشروعة التي يكفلها القانون من خلال توفير مناخات سياسية إيجابية ومصالحة وطنية حقيقية تخدم الشعب الفلسطيني وتمكنه من تحقيق آماله وتطلعاته.
وهناك أسباب ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة مثل حالة الاحتدام في الخلافات السياسية بين طرفي الانقسام، وتراجع دور الأحزاب السياسية الأخرى في مواجهة هذه الظاهرة، والانتشار الواسع للبطالة الشباب، وغياب المساحة الكافية لممارسة الحريات العامة لا سيما منها حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى عدم وجود حاضنة حقيقية للشباب بمختلف أطيافه، واهتمام بعض الأحزاب بعناصرهم المنتمين إليهم دون الأخرين في محاولة لاستمرار الهيمنة على كل مقدرات الشباب وفرض واقع يتماشى مع سياسة النظام الحاكم.
وكشفت ورقة الحقائق بأنه بلغ مجموع من اعتقلوا على خلفية الانتماء السياسي في الضفة وغزة خلال المدة الزمنية (كانون الثاني/يناير2014- أيلول/سبتمبر2019) (3701) فلسطينياً، وتوزعت كالاتي: بلغ عدد حالات الاعتقال السياسي في العام 2014(1010)حالات موزعة إلى (350) في الضفة و(660) في غزة، ووصلت الاعتقالات السياسية خلال العام 2015 إلى (1019)حالة بواقع (352) في الضفة و(667) في القطاع، بينما في عام 2016 انخفضت نسبة الاعتقالات السياسية قياساً بالأعوام السابقة إلى (619) حالة ففي الضفة (270) حالة وفي غزة (349) حالة، أما في عام 2017 بلغت الاعتقالات السياسية (316) حالة موزعة على الضفة (210) حالة وغزة (106) حالة، وفي عام 2018 وصلت الاعتقالات السياسية إلى (300) حالة بواقع (95) حالة في الضفة و(205) حالة في غزة، أما العام الأخير في الورقة 2019 بلغت الاعتقالات السياسية فيه حتى شهر أيلول/ سبتمبر (437) حالة بواقع (213) حالة في الضفة و(224) حالة في غزة.
وأوضحت الورقة أن ظاهرة الاعتقال السياسي في الضفة وغزة بدأت مع إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م حيث كانت موجهة ضد معارضي السلطة واتفاق أوسلو، مؤكدة بأن وتيرة الاعتقالات تتراجع في حالة الاشتباك مع الاحتلال الاسرائيلي، كما أكدت الورقة أنه بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 تحولت الاعتقالات السياسية إلى آلية من آليات الصراع بين سلطتي فتح وحماس.
وهنا لا بد من إبراز أهم الأثار السلبية التي تخلفها عمليات الاعتقال المتكررة سواء على الصعيد المجتمعي أو الفئوي أو الشخصي ومنها: تراجع قيم المواطنة لدى أفراد المجتمع وغياب الانتماء لفكرة الوطن، وتراجع الرغبة في المشاركة السياسية والمجتمعية، وتراجع الهوية والمواطنة الشخصية للشباب، وزعزعة السلم الأهلي والمجتمعي، إضافة إلى حدوث فجوة بين روابط المجتمع وما يترتب عليه من فرقة وتشتت، وانتشار العدوانية والكراهية، ومن جانب أخر ظهور تأثيرات سلبية على المستوى النفسي للشباب نتيجة القهر والحرمان والشعور بالظلم.
والجدير ذكره، أنه نتج عن إعداد ورقة الحقائق تنفيذ مبادرة شبابية تحمل عنوان "حقي أنتمي .. حقي أعارض" على هيئة جلسة استماع، حيث أكد المتحدثون فيها عن سلطتي "فتح وحماس" على أهمية صون حرية المواطن في التعبير عن مواقفه التي يراها مناسبة باعتبارها أساس يحفظ قيمة الإنسان وكرامته في الحياة، والسعي نحو تقارب وجهات النظر والرؤى السياسية لما لها من انعكاسات هامة على كافة الجوانب، وتعزيز قيم الانتماء للوطن أولاً ومن ثم الحزب، وحث السلطات الحاكمة على احترام القانون الفلسطيني الذي يكفل للمواطن ممارسة الحريات العامة وإتمام كافة أشكال العلميات الديمقراطية باعتبارها استحقاقات قانونية مشروعة.
وتزداد التساؤلات شروعاً، هل ستقوم السلطات الحاكمة في غزة والضفة على ترجمة رسالة الشباب الفلسطيني، وتحقيق ما تم التأكيد عليه خلال جلسات الحوار والنقاش؟ وهل سيكتفي الشباب بهذه الرسائل أم سيكون له تأثيره بشكل أخر خلال الفترة المقبلة؟!
صحفي من غزة وأحد القائمين على إعداد الورقة hamza-h94@hotmail.com