«فتح» .. بستان الثورة الفلسطينية

عبير بشير.jpg
حجم الخط

عبير بشير

• أثبتت غزة، أنها ما زالت خزان الوطنية الفلسطينية، وأنها المؤتمنة على المشروع الوطني بقيادة حركة فتح.
وأظهرت الحشود الهائلة في مهرجان الذكرى الـ55 لانطلاقة حركة فتح، مدى تمسك الشعب الفلسطيني في غزة، بالمشروع الوطني، ووفائه لثورته ومبادئها، وقادتها المؤسسين، وعلى رأسهم الزعيم التاريخي أبو عمار والرئيس أبو مازن.
وأثبتت جماهير غزة، أن حركة فتح بالنسبة لهم، ليست وعاء ارتزاقياً، أو سلسلة رتب ورواتب، بل هي فكرة أعمق وأسمى، فحركة فتح، بإرثها النضالي، هي أم الشعب الفلسطيني، وروحه المتشوقة للحرية، وخشبة خلاصه الوطني.
• حركة فتح هذه الحركة الجماهيرية: البسيطة والعبقرية، والتي أرادها قادة حركة فتح المؤسسون، أن تكون حركة تحرر وطني تجمع الفلسطينيين من كل الأطياف: العلماني، الإسلامي، اليساري، العامل، البرجوازي، المثقف..، وليس حزباً ايديولوجياً، وكانت دائماً بوصلتها نحو فلسطين والقدس. فلم يكن لحركة فتح أجندات خارجية، ولا مشاريع عابرة للقارات، لها هدف واحد ووحيد هو تحرير فلسطين، وعدو مركزي لا تُغلّب عليه أي تناقض آخر وهو الاحتلال الإسرائيلي.
• لقد طرحت حركة فتح الهوية الوطنية الجامعة التي يشكل الدين أحد مكوناتها، وضمنت بذلك الالتقاء مع جميع التيارات السياسية وطبقات المجتمع الفلسطيني، ونجحت في إحياء الشخصية الوطنية الفلسطينية التي تعرضت للطمس على أيدي الأنظمة العربية.
• أدركت "فتح" منذ البداية أن الهوية السياسية للشعب الفلسطيني هي حجر الزاوية في معادلة الصراع، وأن إثبات حضورها هو ضمان بقاء القضية حاضرة في الضمير العالمي وفي النظام السياسي الدولي .. وكان إبراز هذه الهوية إنجاز "فتح" الأهم، لكن "فتح" لم تكتف بذلك، إذ جعلت من الثورة المسلحة الوجه الثاني للهوية الوطنية.
• لعقود طويلة انشغلت حركة فتح بنهج وفكر التحرير، وكانت فكرة الثورة والتحرير بما تحمله من طهرانية ورومانسية أكثر حضوراً من فكرة الدولة أو السعي لممارسة سلطة، فاستراتيجية وفكر الثورة لا تتطابق مع استراتيجية وفكر الدولة. وخاضت حركة فتح، ومعها بقية الفصائل الفلسطينية غمار أشرس المعارك السياسية والعسكرية، وثبتت الوجود الفلسطيني على الخارطة السياسية.
• كانت حركة فتح أول جهة فلسطينية تحدد هدف النضال الفلسطيني بإقامة دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل الطوائف بتساوٍ، وأعلنت في بداية عام 1969: نحن نقاتل في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم… مسلمين ومسيحيين ويهودا في مجتمع ديمقراطي تقدمي، ويمارسون عباداتهم وأعمالهم مثلما يتمتعون بحقوق متساوية.
• ومنذ بداية التأسيس، امتلكت "فتح" بذور الازدهار والتراجع، عناصر القوة وعناصر الضعف، وحملت بصمات واضحة للشراكة والعمل الديمقراطي، وفي نفس الوقت التفرد.
• لقد مر المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة حركة فتح، بكثير من المحطات المفصلية: من معركة الكرامة 1968 وحتى خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982 ثم عودة الثقل النضالي الفلسطيني للداخل المحتل، واشتعال الانتفاضة الأولى من مخيم جباليا في1987، وما صاحب ذلك من "هجوم السلام" الفلسطيني والذي تجسد بدورة الاستقلال في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 1988، وصولاً  لحرب الخليج الثانية، وما نتج عنها من مؤتمر مدريد للسلام، والذي قاد إلى اتفاق أوسلو العام 1993، وإنشاء السلطة الفلسطينية، وما رافق ذلك من تحولات داخلية مهولة وواعدة وصاخبة ومقلقة. والانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، هذه المرحلة الرمادية، التي لها ما لها وعليها ما عليها. كانت محاولة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ومن حركة تحرر وطني إلى بناء مؤسسات دولة في غاية الصعوبة والغرابة،   في ظل تجربة فريدة من نوعها في تاريخ الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، تتمثل في إنجاز مهمتين في آن: البناء واستكمال مهام التحرير.
• ولكن فشل عملية السلام، جعل هذه المرحلة الرمادية شديدة القتامة والإرباك. ووسط كل ذلك، كان الانقسام الفلسطيني، الذي وجه طعنة نجلاء للقضية الفلسطينية، ولدماء الشهداء، وتضحيات الأسرى، وضرب في الصميم التجربة الديمقراطية الفلسطينية، والتي كان الرئيس أبو مازن من أشد المؤمنين بها، وسمم مناخات الحرية في فلسطين، وجعل حركة فتح أقرب ما تكون إلى الحزب الحاكم.
في الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقة "فتح"، انطلاقة الثورة الفلسطينية، يبدو المشهد مختلفاً، وإن بدت التحديات كبيرة، والمهام جسيمة، فإن الآمال لاتزال قائمة في حيوية أجيال جديدة من الفلسطينيين لا تكف عن الحلم، ولا تتردد في مواجهة التحديات، ولا تتراجع عن الأهداف، وتؤكد إصرارها على مواصلة السير على درب "فتح".