ترامب حوَّل الضمّ خياراً واقعياً

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


كان هذا يوماً تاريخياً في الجبهتين: في البيت الأبيض، حيث عرض الرئيس الأميركي ترامب خطته للسلام، التي تقريباً حاصرت البرنامج الانتخابي لـ «الليكود» من اليمين. وفي القدس حيث قدمت النيابة العامة لائحة الاتهام ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أثناء غيابه، وضمته إلى أيهود أولمرت في النادي الصغير وغير الحصري لرؤساء الحكومة الذين تم تقديمهم لمحاكمات جنائية.
هذان الحدثان ظهر فيهما أن تداعيات العملية الإستراتيجية في واشنطن ما زالت غامضة. في الساحة القانونية، نتنياهو لا يمكنه - كما يبدو - أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ويصعب الآن رؤية كيف سينجح في أن يتملص من الإجراءات القانونية ضده على طول الطريق.
في الصباح تأثرت وسائل الإعلام في إسرائيل باللقاء النادر بين الرئيس الأميركي ورئيس «أزرق أبيض»، عضو الكنيست بني غانتس. ولكن الاحتفال في المساء أظهر مكان التعاطف الحقيقي لترامب. طرح «صفقة القرن» تأجل أكثر من سنتين. وأول من أمس، لم يكن من الواضح تماماً لماذا تبنت الإدارة الأميركية معظم مواقف نتنياهو. والرئيس الأميركي قام بتعديل مواقفه كي تتساوق معه. ورئيس الحكومة نتنياهو رد عليه بالثناء المبالغ فيه، الذي سيتم إسماعه مرة تلو الأخرى عندما سيستعين ترامب بأصوات المسيحيين الافنغلستيين في الانتخابات الرئاسية القريبة في تشرين الثاني.
في عرض الخطة ظهر الاقتراح الأميركي أيضاً كجهد أخير لترامب من أجل إنقاذ نتنياهو من الشرك السياسي الذي سقط فيه. في الحملة الانتخابية الأولى في نيسان الماضي اعترف ترامب بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان. والآن، كما يتبين من أقواله، أول من أمس، هو مستعد للاعتراف بسيادة إسرائيل في المستوطنات في الضفة الغربية. وهي الخطوة التي يمكن لنتنياهو القيام بها – ربما حتى قبل إجراء الانتخابات الثالثة في بداية آذار المقبل. وإذا حدث ذلك، فهذا سيكون ثورة حقيقية، مهمة أكثر من خطة السلام التي لن يتم تطبيقها في أي يوم، ويجب القول: إنه يكتنفها قدر كبير من الأخطار.
ترامب كان نفس ترامب: جنباً إلى جنب مع تصريحاته حول رؤيته للسلام الإقليمي، فإن الخطاب كان بسيطاً، وعكس معرفة ضئيلة بالتفاصيل. وفي المقابل، ظواهر من الإعجاب الذاتي والتفاخر بإنجازاته. الجمهور رد بالهتافات الحماسية. وفي اليمين عُرض عدد من الضفادع التي يجب عليه ابتلاعها (الاعتراف بدولة فلسطينية، عاصمة فلسطينية في أحد الأحياء العربية بشرق القدس)، ولكن هذه الضفادع هي نظرية جداً ولا يجب عليه القلق بخصوص هضمها. ومجلس «يشع» عبر عن تحفظه، لكن بالنسبة للكثيرين في اليمين فإن الخطة تعكس الأمل لتحقيق الحلم، ليس حلم الدولتين اللتين يسود بينهما سلام، بل حلم الضم وفرض السيادة الإسرائيلية من خلال المنع الفعلي لإمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. والأميركيون يعرضون على الفلسطينيين عدداً من البنتوستانات المقسمة التي لا يمكن ربطها في تواصل جغرافي حقيقي.
بذل نتنياهو جهداً كبيراً لتسويق الإعلان الأميركي كحدث له أبعاد تاريخية وحتى أسطورية. فقد قارن خطة ترامب بالاعتراف الأميركي بدولة إسرائيل في العام 1948، ليس أقل من ذلك. رئيس الحكومة ومضيفه يمكن أن يسجلا لأنفسهما إعلان بريطانيا الذي بارك مبادرة الإدارة الأميركية ووجود ثلاثة سفراء لدول من الخليج في واشنطن بالمؤتمر الصحافي. والسؤال الرئيسي بالنسبة لنتنياهو على المستوى الشخصي هو: هل عرض التأييد الذي نظمه من أجله ترامب سيساعده بعد شهر في أوساط الناخبين الإسرائيليين؟ في البيت الأبيض، كتفاً إلى كتف مع الرئيس، ظهر رئيس الحكومة كسياسي منتصر. لم تقل أي كلمة هناك عن لائحة الاتهام. ولكن هذين الشخصين المتنافسين في الوقت الذي تبقى حتى المعركة الانتخابية، على المنصة في واشنطن من جهة وعلى كرسي المتهمين في المحكمة من الجهة الأخرى، بعد أكثر من شهر بقليل سيتبين أي واحد منهما سيعبر أكثر عن وضع نتنياهو.
حتى قبل الانتخابات، ربما في هذا الأسبوع، سيتم اتخاذ قرار: هل يجب استغلال الدعم الأميركي البارز من أجل عمليات ضم في «المناطق»؟ هل ترامب أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو من أجل ذلك؟ في «أزرق أبيض» خرجوا من لقاء ترامب – غانتس ولديهم انطباع واضح بأن هذا الأمر لن يحدث. وقد أعلن مكتب نتنياهو، أول من أمس، عكس ذلك تماماً: الحكومة ستصادق، الأحد المقبل، ليس فقط على اقتراح ضم غور الأردن، بل ضم جميع المستوطنات التي توجد في الضفة الغربية.
السفير الأميركي في القدس، دافيد فريدمان، قدم في توجيه للمراسلين الإسرائيليين نسخة مؤقتة: إسرائيل يمكنها فرض السيادة على مناطق مقلصة في الضفة. وهذه العملية إذا تم تقديمها من أجل الحصول على مصادقة الكنيست قبل الانتخابات، فهي ستضع المعارضة في وضع معقد. «إسرائيل بيتنا» سيجد صعوبة في عدم تأييدها. وفي «أزرق أبيض» يمكن أن يحدث انقسام في التصويت.
كل هذا النقاش - يجب أن نعود ونذكر - يجري بوجود جانب واحد فقط. ليس فقط أن الفلسطينيين لم يشاركوا في الاحتفال، بل إن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يرفض منذ سنتين الالتقاء مع طاقم السلام الأميركي. في المقابل، تحدث محمود عباس، أول من أمس، هاتفياً مع رئيس «حماس»، إسماعيل هنية، بعد فترة انقطاع طويلة. ورغم الدعم الظاهر لدول الخليج لمبادرة ترامب، إلا أن الأردن ببساطة خائف منها. ضم غور الأردن سيؤدي إلى أزمة في العلاقات بين عمّان والقدس، وسيعرض للخطر اتفاق السلام بين الدولتين، هذا إذا لم يتم إلغاؤه كخطوة أولى.
هذا اليوم (أمس) أُعلن عنه كيوم غضب في «المناطق». تصريحات في البيت الأبيض لا تترجم على الفور إلى موجة عنف على الأرض. معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثلما تبين أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، ينشغلون في احتياجاتهم الاقتصادية ولا يسارعون إلى تعريض أنفسهم للخطر باسم النضال الوطني. اتخاذ خطوة على الأرض مثل ضم أجزاء من الضفة، يمكن أن يكون قصة مختلفة تماماً. وهذه وصفة مريحة لاندلاع اضطرابات عنيفة يمكن أن تتوسع وتستمر لفترة طويلة. في واشنطن شوهدت، أول من أمس، وجوه سعيدة، لكن في جهاز الأمن الإسرائيلي يوجد الآن عدد من الأشخاص القلقين جداً، حتى أكثر من العادة.

عن «هآرتس»