تستهدف ما تُسمى بـ"صفقة القرن" حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني عامةً، لكنّ لها أهداف مختلفة لكل جزء من شعبنا، فحصة فلسطينيي الداخل تتمثل بمنح "إسرائيل" الضوء الأخضر لسحب جنسيات مئات آلاف من فلسطينيي الداخل في منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة عام 1948.
وبحسب مصدر سياسي إسرائيلي فإنّ منطقة المثلث ربما تشملها عملية تبادل أراضِ بين إسرائيل والفلسطينيين في إطار الخطة الأمريكية المزعومة، كما كشف موقع عبري وجود مثل هذا البند في الخطة الأمريكية، في مقابل تنازل الفلسطينيين عن نحو 30% من أراض الضفة الغربية لإسرائيل.
مواطنين درجة ثانية
قال النائب العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي جمال زحالقة، إنّ "خطورة ما تُسمى صفقة القرن على فلسطينيي الداخل، تتمثل في ثلاثة أمور مركزية أولها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ما يعني تحويلنا رسميًا ودوليًا إلى مواطنين درجة ثانية، أما الخطر الثاني يتمثل في شطب حقوق اللاجئين ما سيترتب عليه شطب حقوق ربع الفلسطينيين المهجرين في الداخل".
وأضاف زحالقة خلال حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "الخطر الثالث هو ضم المثلث إلى الكيان الفلسطيني المقترح والممزق، ما يعني تحويلنا إلى كانتون المثلث، على نسق الكانتيونات في دولة جنوب أفريقيا سابقًا؛ الأمر الذي يحمل مخاطر كبيرة علينا من ناحية الحقوق السياسية والاقتصادية ومن حيث حرية الحركة؛ لأنّ ذلك سيؤدي إلى تقطيع أوصال علاقتنا الإنسانية والاجتماعية".
واستدرك بالقول : "ما يحاك يأتي في إطار صفقة تبادل، بمعنى أنّ إسرائيل تُريد أنّ تربح مرتين، مرة في ضم القدس والمستوطنات ومناطق من الضفة، وأخرى في التخلص من كتلة بشرية تُقدر بحوالي 300 ألف فلسطيني من الداخل لتثبيت إسرائيل كدولة يهودية"، لافتاً إلى أنّ إسرائيل تسعى من الناحية السياسية العامة إلى "صفقة القدس" مقابل "أم الفحم" وهذا الأمر مرفوض كلياً.
وبمجرد إعلان قيام دولة "إسرائيل" في الـ15 من يوليو 1948، قالت القيادة الإسرائيلية آنذاك إنّها دولة " يهودية وديمقراطية" وهي بذلك تُناقض نفسها؛ لأنّه لا يمكن أنّ تكون يهودية وديمقراطية في آن واحد؛ لأنّ ديمقراطية للجميع ويهودية لليهود فقط.
وهناك خشية من أنّ يجّر اعتراف الولايات المتحدة بـ"يهودية إسرائيل" دولاً آخرى بعد تبنيها للرؤية الإسرائيلية المتعلقة بيهوديتها خلال إعلان ما يسمى بـ"صفقة القرن"؛ لأنّه حتى اللحظة جميع دول العالم تعترف بإسرائيل وفقط.
ورأى زحالقة أنّ إمكانية تطبيق هذا الأمر لن تتم في الوقت الراهن، لكنّ "إسقاطات" قريبة جدًا لها ستكون، ما يضع علامات استفهام على المواطنة؛ بمعني أنك الآن ستصبح "مواطن مؤقت"؛ وبالتالي هذا يضرب حقوق فلسطينيي الداخل في العمل وفي الخدمات المقدمة لهم.
مقايضة الشرعي بغير الشرعي
من جهته، استبعد مدير المركز الدولي للاستشارات في حيفا وديع أبو نصار، أنّ تُقدم إسرائيل في المستقبل القريب على عملية تبادل لأراضٍ في المثلث تؤدي إلى عملية ترحيل "ترانسفير" لفلسطينيي الداخل، مستدركًا: "لكنّ لا يوجد شك أنّ الأمر يهيئ لأجواءٍ معادية لضرب شرعية فلسطينيي الداخل ليس فقط محليًا داخل إسرائيل وإنما دوليًا وذلك عندما تُشرعن الولايات المتحدة الأمريكية ذلك".
وقد أقر الكنيست الإسرائيلي ما يسمى بقانون القومية الذي سنه الكنيست في الـ19 من يوليو 2018؛ وقد جاءت ما تسمى بـ"صفقة القرن" لتدعم الموقف اليمني داخل إسرائيل، المُصر على أنّ إسرائيل دولة يهودية.
وأوضح أبو نصار في حديث خاص بوكالة "خبر" أنّ الخطر الأكبر يكمن في الشق المتعلق بفلسطينيي الداخل من "صفقة القرن"، أي مقايضة ما هو شرعي بما هو ليس شرعي؛ بمعني تبادل سكان فلسطينيين شرعيين بمستوطنين غير شرعيين.
بقاء المثلث مع إعادة ترسيم الحدود
وحذّر أبو نصار من خطورة عملية تبادل الأراضي في المثلث؛ لأنّ إسرائيل قد تقول للفلسطينيين في المثلث الذين سيرفضون الترحيل، عليكم البقاء ولكن سنعدل الحدود ما يعني تغيير تلك الحدود، مستدركاً: "وهو الوضع الأصعب لمقاومته قانونيًا".
وكشف موقع "والا" العبري أنّ "صفقة القرن" المزعومة تقضي ببحث إمكانية إعادة ترسيم حدود إسرائيل من خلال اعتبار قرى المثلث جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وزعم الموقع أنّ قرى المثلث: "كفر قرع، وعرعرة، وباقة الغربية، وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة، وكفر قاسم، والطيرة، وكفر برا، وجلجولية" التي تُصنف نفسها كمناطق فلسطينية، كان يفترض ضمها للسيادة الأردنية خلال المفاوضات على خطوط الهدنة عام 1949، لكن جرى ضمها في نهاية الأمر لإسرائيلية لأسباب عسكرية.
وبلغ عدد سكان منطقة المثلث حتى عام 2016 نحو 300 ألف نسمة، غالبيتهم فلسطينيون مسلمون، الأمر الذي يجعل المنطقة تحظى بخصوصية كبيرة مقارنة بكل منطقة الشريط الساحلي على البحر المتوسط "شمال" ذات الأغلبية اليهودية.
وتمتد منطقة المثلث من أم الفحم شمالاً وحتى كفر قاسم جنوباً وهي ذات أغلبية فلسطينية كبيرة.
كسر قواعد اللعبة
وعن الخيارات المتاحة أمام فلسطينيي الداخل لمواجهة "الصفقة"، أكّد زحالقة على أنّ الخطة تستهدف كامل الشعب الفلسطيني؛ ولذلك لا بديل عن توحيد الرد الفلسطيني وشموليته لكل أجزاء الشعب الفلسطيني سواء فلسطينيي الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
فيما رأى أبو نصار أنّ محدودية الخيارات أمام الفلسطينيين نتاج لأدائهم السياسي الضعيف؛ وحالة الانقسام والتشرذم الحالية؛ ما أدى لتجرأ الولايات المتحدة وإسرائيل على طرح صفقة القرن التي تُنهي قضيتهم الوطنية العادلة.
ودعا زحالقة إلى تغيير قواعد اللعبة مع الاحتلال؛ لأنّه لا يمكن مواجهتها بنفس الطريقة، التي كسرتها إسرائيل، مُتسائلاً: "ما جدوى أن يكون هناك سلطة متمسكة باتفاق أوسلو وقد أعلنت إسرائيل رسميًا عدم التزامها بها وتفكيك منظمة التحرير الفلسطينية وشطبها؟".
وشدّد أبو نصار على ضرورة وحدة الصف الفلسطيني العام، مُردفاً: "أما فلسطيني الداخل، الأفضل لهم هو التحالف مع اليهود والأجانب المعارضين للصفقة وبدء خطوات مشتركة لأنّ ذلك سيكون له مردود أفضل".
ويبقى التساؤل، هل تنجح إسرائل هذه المرة بطرد فلسطيني الداخل من قراهم بعد صمود دام أكثر من سبعين عامًا، أم سيتحرك المارد البشري العربي الذي يُهدد هوية "إسرائيل" بإشعال انتفاضة ثالثة على غرار انتفاضة الأقصى؟!.