يشهد المجتمع العالمي والعربي حربًا أشد خطورةً من الحروب العسكرية والتي يمكن توصيفها "بالهستيريا النفسية" أو "هوس الكورونا"، التي تعكس السلوك الاجتماعي المضطرب، وتفاقم هذا الشعور بعد إعلان منظمة الصحية العالمية للفيروس بأنه وباء عالميًا، الأمر الذي يزيد من حالة الهلع والخوف والفزع بين صفوف المواطنين الشرق والغرب على حد سواء، وهنا تختلف آليات التعامل مع حالات الهستيريا لدى القوتين الولايات المتحدة والصين، من حيث القدرة على اتخاذ التدابير الوقائية قبل العلاجية للتعامل مع المشكلة ومحاولة حصر الوباء، ودرجات تفشيه، في المقابل هناك شعوب لا تملك من الإمكانات ولا القدرات شيئا في التعامل مع الكارثة الطبيعية فلا حول لهم ولا قوة سوى الإصابة بالهستيريا والقلق والتعامل بقدر من الاستهتار واللامبالاة للخروج من الأزمة والتغلب عليها، والتزاحم في نقل الإشاعات والتهويل بالفيروس وخطر الإصابة به.
وكان لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في تناقل الأخبار والنشرات دون استسقاء المعلومات من مصادر تستند إلى حقائق أو معلومات، والذي يعكس أزمة في الوعي ومحدودية الثقافة للمواطنين في التعامل مع هذا الفيروس الذي وصفة العلماء بأنه نوع من أنواع الفيروسات التي تصيب الإنسان، ولكن قد تكون أشد خطرًا على جهاز مناعة الإنسان الذي يفتقد للمناعة الطبيعية، ولكن تعامل الفيسبوك مع الفيروس وحالات السخرية التي قامت ولم تقعد منذ ظهور الوباء وحدة انتشاره تثبت لنا أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت أرضًا خصبًا لنشر الرعب والفزع، وكل منا يعلم أن حالات الهلع والفزع التي تصيب الإنسان تؤثر سلبيًا على قوة المناعة في جسم الإنسان، وأن النفسية السلبية والسلوك السلبي يجعل الإنسان عرضة للتمارض والشك بأن الفيروس يعشش في عقله الباطني.
إن ما يحدث في العالم من مواجهة للكورونا يعكس كيف أصبح العالم قرية واحدة وأن مشاكله مترابطة، وجعلنا نعيد تعريف المواطنة العالمية، وأننا أخوة في الهم الإنساني المشترك، المرض ليست عيبًا لكن لا يجب أن نختفي خلفة باللوم المبالغ فيه لبعضنا وبنشر الإشاعات بعيدًا عن التهويل والمبالغة والتفكير بعمق وهدوء؛ لأن تحدياتنا أصبحت عالمية ابتداءً من أوبئة المناخ، والاقتصاد، مرورًا بالأزمات الصحية والكوارث الطبيعية مثل "منخفض التنين" والحرائق في أستراليا وقطاع غزة وغيرها من البلدان، ناهيك عن الأزمات السياسية التي عصفت بالعالم العربي ورسمت له معالم جديدة أنهكت قواه وباتت مغلوبة على أمرها ليس لها سوى الركض خلف لقمة العيش لتنعم فقط بالأمن الداخلي ليس أكثر.
لم تخلُ وسائل التواصل الاجتماعي من روح الفكاهة في التضخيم من خطر "كورونا" رغم كونها ظاهرة حاضرة بامتياز في موروثنا الديني والأدبي وكأن الامر لا يعنينا، والخطر بعيد عنا، ناهيك عن التفسير والتحليل لأسباب انتشار الوباء وربطة بالتفكير الديني، أو التفكير الخرافي، كل هذه المواقف الحياتية تؤدي إلى ضغوطٍ نفسية وعصبية بدرجاتٍ متفاوتة تؤثر على الأفراد بل وتصيبهم بأمراض عضوية، وراء كل هذه الأعراض أسباب نفسية وتعتبر حيلة يتخذها رواد التواصل الاجتماعي بغرض الهروب من الواقع أو نشر القلق أو الخوف الشديد من الوباء، ويصبح عدم الإدراك هو العلامة الفارقة بين المتمارض، وبين حالات الهستيريا النفسية والهلع من المرض نفسه.
ولعل النظر إلى النصف الآخر من الكأس في أن "كورونا" و"عاصفة التنين" قد أحيتا في الناس الخوف من النهاية الحتمية؛ لأن الإنسان المعاصر بات غارقًا في الثقافة المادية والاستهلاكية حتى فقد كل أسباب الطمأنينة والراحة والسلام النفسي الذي يفترض توازنًا بين الروح والجسد، فنحن اليوم نركز على الجسد ولا نلتفت مطلقًا في الغالب إلى الروح، لذلك كلما أحاط بنا الوباء إلا وعدنا باحثين عن تلك الروح التي أهملناها، وإن كان لـ"كورونا" فائدة فهي تعليم كثير من الأشخاص بأبجديات النظافة، وآداب العطس، وميكانيزمات الدفاع في التعامل مع حالات القلق والخوف والاضطراب في السلوك، فالخوف قد يكون قاتلًا وبذلك يصبح أشد خطرًا وفتكًا من الوباء نفسه على صحة الإنسان.
وفي الختام الثورة التعبيرية الجماهيرية التي نشهدها على الشبكات الاجتماعية خلال العشرية الأخيرة من خلال حملات التشكيك، والتهييج من ناحية، وما بين الهزل والجد جديرة بأن تعيد الموضوع إلى الواجهة، بوصفه حالة ثقافية لإبراز وعي المواطن العربي أو بعمق الأزمة التي يعيشها على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الصحية.
وأخيرًا وليس بآخر: نقول لكم إن أول دواء للقضاء على "كورونا" و"عاصفه التنين"، والتنبؤ بارتطام كوب فضائي بالكرة الأرضية بحسب ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، هو محاربة الذعر وحماية الأمة بمحاربة من زرع الرعب بين صفوف الناس، ومن ثم نشر الوعي بمخاطر الفيروس ومعرفة طرق الوقاية منه، وهنا يكون الدور التوعوي كأحد الأدوار المنوطة بها الهيئة العامة، وضرورة تفعيل ثقافة الحجر الصحي، الحفاظ على نمط حياه صحي بما في ذلك اتباع نظام غذائي مناسب، والنوم الجيد وممارسة الرياضة، الحصول على الحقائق من مصدر موثوق، والحد من قضاء معظم الوقت على وسائل الإعلام والفيس بوك، والتأكد على عدم إظهار التوتر أمام الأطفال لأنهم سرعان ما يستجيبوا أمام التوتر، وقد يظهرون نوبات غضب أو تبول لا إرادي من شدة الاضطرابات، والأهم من ذلك هو السيطرة على التوتر وعلى العواطف، كما قال نجيب محفوظ" الموت الذي يقتل الحياه بالخوف حتى قبل أن يجيء، لو رد إلى الحياه لصاح بكل وجل: لا تخف فالخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة".