الميول السائدة في أوساط العرب داخل إسرائيل

حجم الخط

بقلم: د. دان شيفتن*


التعميمات في موضوع «العرب» في إسرائيل جديرة بفحص بحذر. في القطبين السياسيين توجد محاولة منهاجية للتضليل، وفي أحدهما أيضا قدر سخي من التضليل الذاتي.
في اليمين العميق يولون لكل مواطن عربي المواقف «المتطرفة» السائدة في أوساط النخب والقيادة السياسية، ويفترضون أنه معادٍ لإسرائيل ومؤيد لـ «الإرهاب».
في اليسار، ومؤخرا أيضا في أجزاء مهمة من الوسط، يميلون إلى نفي الميول السائدة لدى النخب ولدى القيادة العربية، وإلى تجاهل وزنها السياسي الحاسم.
هناك يميلون إلى نفي نزع الشرعية عن الدولة اليهودية، والتأييد الجارف لأعدائها، والتفهم لـ «الإرهاب» والتعاطف والتضامن مع منفذيه، مثلما أيضا إسناد الأنظمة العربية الكريهة والبربرية. هذا النفي السائد في هذا الجناح يترافق والادعاء بأن من يشيرون إلى سيطرة المواقف المعادية في أوساط الزعماء العرب ليسوا إلا عنصريين، يسعون إلى حرمان الجمهور العربي من الحقوق الديمقراطية الأساسية.
في العقد الأخير طرأت على فكر الجمهور العربي في إسرائيل انعطافة عميقة، بالتوازي مع خيبة الأمل التي استشرت في المنطقة في أعقاب صدمة «الربيع العربي»، وتأطر الاعتراف بعمق الفشل التاريخي للعرب في العصر الجديد لمواجهة تحديات العالم الحديث.
العرب في إسرائيل على وعي ليس فقط بتفكك الدول العربية، وبحرب الكل ضد الكل المعربدة في بعضها، وبمعاناة السكان وبضياع أملهم في الخروج من أزمتهم العميقة، بل هم واعون أكثر مما في الماضي لمسؤولية الثقافة السياسية السائدة في المنطقة عن هذا الفشل.
وبالتوازي فإنهم واعون للنجاح المدوي لإسرائيل، وللتقدير الشديد الذي تحظى به في العالم، وبالأساس للمساهمة الحاسمة لهذا النجاح للمواطنين العرب في الدولة اليهودية – في الحياة والممتلكات، في الحرية الشخصية والسياسية، في الرفاه الاقتصادي، وفي الفرصة للارتباط بجودة الحياة السائدة في العالم المتطور.
هم يشكون، بالطبع، من التمييز والجور، ولا يميلون لأخذ المسؤولية عن قصوراتهم، ولكنهم يعرفون أيضاً مصدر رفاههم، ويريدون أن يبنوا أنفسهم من الدولة اليهودية.
طالما لا يكونون بحاجة ليتحدثوا بأسمائهم، ليس لمواطني إسرائيل العرب مشكلة في الاعتراف بذلك.
ففي استفتاء أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في 2019 تبين أن 83 في المئة من العرب اعتقدوا أن أغلبية العرب من مواطني إسرائيل يريدون الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وأن يكونوا جزءا منه.
85 في المئة من العرب (ومعدل مشابه في أوساط اليهود) أشاروا إلى أن إسرائيل هي مكان جيد للعيش فيه.
65 في المئة من العرب شعروا بالفخر بكونهم إسرائيليين، و98 في المئة وصفوا علاقات العمل في أماكن العمل المشتركة بأنها جيدة أو جيدة جدا.
35 في المئة أيدوا فرض الخدمة العسكرية على العرب. 58 في المئة اعتقدوا بأن النواب العرب لا يمثلون جيداً الجمهور العربي.
أولاً، يجدر استيضاح الفجوة العميقة بين المواقف المعتدلة نسبيا، التي يعبر عنها الجمهور العربي الغفير (بشكل مغفل) وتطلعه للاندماج في النسيج الإسرائيلي، وبين المواقف الاستفزازية والراديكالية للقيادة العربية.
ثانيا، من المشوق الاستيضاح لماذا يصوت هذا الجمهور في أغلبيته الكبرى في انتخابات ديمقراطية وسرية، المرة تلو الأخرى، لزعامة أغلبيتها تعبر عن العداء لإسرائيل والتضامن مع أعدائها، ولماذا لا توجد أقلية ذات مغزى في أوساط السكان العرب تعبر بجلاء وعلنا عن موقفهم الإيجابي من إسرائيل.
من أجل حل لغز هذه المسألة بكامل نطاقها، والفرق بين أماني هذا الجمهور وبين مندوبيه المنتخبين، من المهم إيضاح الرسالة الايديولوجية؛ ولاحقا – الإبراز بتوسع للمواقف المعتادة التي يتخذها زعماؤهم؛ وأخيرا أن نري كيف أن عنصرا مهما في تلك الثقافة السياسية، التي هشمت المجتمعات العربية في المنطقة في التصدي لتحديات القرن العشرين والقرن الحالي، يشرح أيضا الفجوة بين رغبة الاندماج لدى الجمهور وبين التمثيل السياسي الذي اتخذه، والذي يثقل جدا على هذا الهدف بل ويفشل أساسه.
وفي هذه الأثناء – تذويقة فقط من الرسالة الايديولوجية: يكاد يكون كل أبناء النخبة العربية أيدوا واحدة أو اكثر من «وثائق الرؤيا» التي حددت فكرهم والاستراتيجية الوطنية الموصى بها.
أهمها قالت، بتأييد أيمن عودة، إن دولة «إسرائيل هي نتاج عمل استعماري، بادرت إليه النخب اليهودية – الصهيونية في أوروبا وفي الغرب، وهي مذنبة في طرد أغلبية الشعب الفلسطيني» وبـ «انتهاج سياسة استعمارية داخلية ضد مواطنيها العرب الفلسطينيين»، وهؤلاء، والعياذ بالله، «اضطروا لحمل المواطنة الإسرائيلية».

عن «إسرائيل اليوم»
*رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا ومحاضر في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب.