تركيا تستغل ليبيا من اجل تجسيد، طموحاتها التوسعية في البحر المتوسط

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

الوطن الازرق، ليس مفهوم سياحي، أُعد كي يجذب من جديد السياح من اجل المجيء الى الشواطيء اللطيفة في تركيا. هذا هو اسم عقيدة تركية وضعت في العام 2006 وحظيت قبل سنة بحقنة حياة جديدة، عندما اشار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى خارطة التوسع الاستراتيجي لتركيا على المحيطات والبحار الثلاثة.

اردوغان تحدث في حينه عن البحر الابيض المتوسط وبحر ايجه والبحر الاسود. ولكن يبدو أن طموحات تركيا تذهب الى أبعد من ذلك، وهي تصل ايضا الى الخليج الفارسي والبحر الاحمر وبحر العرب. في هذا السياق يجب علينا أن نرى ايضا الساحة الساخنة الآن في ليبيا، التي فيها فتحت تركيا جبهة عسكرية الى جانب الحكومة المعترف بها لفايز سراج والى جانب قطر ضد الزعيم الانفصالي خليفة حفتر الذي تدعمه روسيا ومصر ودولة الامارات وفرنسا. هذه جبهة طموحة تضع تركيا على مسار التصادم المحتمل مع روسيا، ومن شأنها أن تجر ايضا حلف الناتو الذي تعتبر تركيا عضوة فيه، الى معركة لا حاجة اليها اذا لم يتم التوصل الى حل سياسي متفق عليه في الوقت القريب.

​الادارة الامريكية التي تكتفي في هذه الاثناء بالمراقبة عن كثب التطورات في ليبيا “اكتشفت” مؤخرا ما كان معروف منذ زمن طويل وهو أن طائرات قتالية روسية من نوع سوخوي 24 وميغ 29 اقلعت من قاعدة حميميم في سوريا وهبطت في ليبيا في اطار المساعدة العسكرية التي تقدمها روسيا لحفتر. امامهم تقوم تركيا بتشغيل نظام من الطائرات بدون طيار المتطورة، وقوات برية وآلاف مقاتلي المليشيات الذين انتقلوا من محافظة ادلب في سوريا الى ليبيا من اجل أن يشكلوا قوة قتالية الى جانب الجيش الليبي الضعيف وغير المدرب.

​صحيح أن تدخل تركيا نجح في صد تقدم مليشيا “الجيش الوطني الليبي” لحفتر ومنعه من احتلال العاصمة طرابلس والسيطرة على مطار وطية في جنوب الدولة، إلا أن المعركة ما زالت في أوجها. هذه الهزائم المحلية لم تضعضع بعد رغبة الجنرال الانفصالي في أن يكون الزعيم الشرعي لليبيا، وهو على قناعة بأنه بمساعدة روسيا ومصر ودولة الامارات سينجح في القضاء على الحكومة المعترف بها واجبار القوات التركية على اعادة حساباتها لمسارها في ليبيا.

يبدو أنه في ليبيا تجري حرب بواسطة مبعوثين بين كتلتين من الدول. ولكن مواجهة مسلحة بين تركيا وروسيا وضعضعة سيطرة تركيا على الدولة ليست السيناريو الوحيد المحتمل. من الاكثر دقة القول الآن بأن هذا السيناريو هو الاقل معقولية. ورغم الخلافات فيما بينهما، إلا أنه يوجد لموسكو وأنقرة مضالح مشتركة قوية تشكل قواعد ثابتة للعلاقة بينهما. روسيا تسعى الى توسيع نفوذها في كل منطقة ودولة تنسحب منها الولايات المتحدة وأن تضع يدها على حقول النفط والغاز في ليبيا وأن تبني لنفسها قواعد في البحر المتوسط الى جانب القواعد التي تخدمها الآن في سوريا. تركيا من ناحيتها بحاجة ايضا الى مصادر للطاقة، وهي مثل روسيا، تسعى الى توسيع نفوذها في الشرق الاوسط العربي، الذي تعتبر في بعض الدول فيه عدوة، أو على الاقل دولة مشبوهة. ولكن رزم المصالح هذه لا تناقض بعضها.

​مثلما في سوريا، في ليبيا ايضا الدولتان يمكنهما اقامة نظام من التعاون يمكن كل واحدة منهما من تحقيق مصالحها. هكذا مثلا، بدأت روسيا في فحص امكانية اجراء حوار بين حفتر والزعامة السياسية التي تؤيده في شرق ليبيا وبين الحكومة المعترف بها. تركيا لا ترفض هذه الامكانية حيث أن مكانتها وقوتها العسكرية في ليبيا ستبقي في أيديها ما يكفي من التأثير على أي حكومة موحدة سيتم تشكيلها. بالضبط مثلما ستبقي روسيا في أيديها زمام السيطرة عن طريق تأثيرها على حفتر ومؤيديه. نسيج المصالح في ليبيا غير مقطوع عن المعركة في سوريا حيث هناك موسكو وأنقرة تسيران على اطراف الاصابع من اجل الامتناع عن المواجهة.

​الدولتان تقومان بدوريات مشتركة في “المنطقة الآمنة” في محافظة ادلب. وفي نفس الوقت روسيا تضغط بشدة على تركيا من اجل أن تخلي من المنطقة المليشيات المسلحة مثلما وعدت قبل سنة ونصف. وتركيا تواصل حربها ضد الاكراد في شمال سوريا، في حين أن روسيا تسعى الى دمجهم في العملية السياسية من اجل حل الازمة في سوريا. ويمكن أن شبكة علاقات كهذه يمكن أن تتطور بينهما ايضا في ليبيا وتخدمهما في ادارة مشتركة وغير مباشرة للصراع السياسي في ليبيا.

​في الفترة التي فيها اسعار النفط والغاز تكاد تصل الى الحضيض فان التنقيب عن النفط والغاز باهظ الثمن، لا يقف على رأس سلم أولويات انقرة. الاهم من ذلك هو “الوطن الازرق”، وهو طموح لبناء تركيا وتحويلها الى دولة عظمى اقليمية، تلزم أي دولة عظمى اخرى مثل روسيا والولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي، ليس فقط بأن تأخذ في الحسبان مصالح تركيا، بل تلزمها بأن تعتبرها شريكة ضرورية. هذا المنحى يبرز في تخصيص ميزانية ضخمة لبناء قوة عسكرية جوية تستند الى انتاج محلي، في بناء سفن متقدمة، منها غواصات وسفن سريعة، وزيادة واضحة لاسطول الطائرات بدون طيار التي تعمل في ليبيا وسوريا وبناء القواعد العسكرية في قطر والصومال والسودان، والمناورات الحربية الكبيرة التي يجريها الاسطول التركي في البحر الاسود. وهي تظهر ايضا في الاتفاقات التي تم التوقيع عليها مع ليبيا في تشرين الثاني الماضي والتي ترسم الحدود المائية الاقتصادية التي تفصل بين تركيا وليبيا وتعقد تحالف عسكري بين الدولتين.

​المعضلة الاسرائيلية

​الاتفاقيات تستهدف منح تركيا الشرعية (التي ما زالت مختلف عليها) لاستخراج النفط والغاز في مناطق كبيرة، التي الى جانب اهميتها الاقتصادية ايضا تخلق فاصل جغرافي بين دول اخرى تستخرج النفط في البحر المتوسط مثل قبرص ومصر ولبنان واسرائيل وبين اوروبا. كل دولة من هذه الدول، التي تريد تسويق نفطها وغازها الى اوروبا، ستضطر الى المرور عبر المنطقة التركية والاتفاق مع انقرة، أو بناء طريق التفافي باهظ الثمن. صحيح أن هذه الخطوة تثير غضب دول الاتحاد الاوروبي. ومصر بدأت في اتصالات لتشكيل تحالف مناهض لتركيا يشمل قبرص واليونان والحلفاء العرب. ولكن اسرائيل ترد في هذه الاثناء بالصمت.

​اسرائيل حتى لم توقع على الاعلان الذي صاغته مصر وفرنسا واليونان وقبرص ودولة الامارات، والذي عبر عن معارضة الاتفاق بين تركيا وليبيا. وحسب تقارير تركية فان اسرائيل حتى تفحص امكانية تعزيز التعاون السياسي مع انقرة من اجل ضمان انتقال الغاز الذي يوجد في حقول البحر المتوسط والذي تنقب عنه وتستخرجه شركات اسرائيلية، الى اوروبا. العلاقة بين تركيا واسرائيل يمكن أن تضع اسرائيل في معضلة: هل عليها السير مع حليفتها مصر واليونان وقبرص أم اتباع سياسة مستقلة يمكن أن تمس بتعاونها مع هذه الدول.

​وسواء قامت تركيا باستخراج النفط من المياه الاقتصادية التي حصلت عليها في اعقاب الاتفاق مع ليبيا أم لا، فانها تكون بذلك قد حققت هدفها السياسي وهو أن تكون دولة مهمة في البحر المتوسط. والسؤال الماثل امام اردوغان الآن هو كيف يحول هذا الانجاز السياساتي الى مكسب سياسي في تركيا، التي تواجه الآن ازمة اقتصادية هي الاصعب من الازمات التي مرت بها.