فشل معروف مسبقا : يجب علينا التعلم من ضم شرقي القدس

حجم الخط

هآرتس – بقلم شاؤول اريئيلي

أحد ادعاءات رافضي التسوية الدائمة ومؤيدي الضم هو “لقد قمنا بضم شرقي القدس والعالم صمت”. عدد منهم يواصلون تمجيد انجازات الضم بتبني الاقوال التي قالها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطابه في يوم القدس في العام 2015: “لقد تم رأب الصدع في عاصمتنا القدس. وقد عادت لتكون مدينة تم توحيدها. تقسيمها أدى الى خرابها، وتوحيدها أدى الى ازدهارها”.

​في نهاية الاحتفالات القسرية لتوحيد القدس وازدهارها، علينا أن نسأل هل ضم شرقي القدس هو نجاح كبير جدا، الذي على ضوئه يجدر أن نأخذ المخاطرة التي يكتنفها ضم مناطق في الضفة الغربية؟ أو أنه كما يتضح من البيانات التي نشرت مؤخرا من قبل معهد القدس، اعلان نتنياهو يعود الى عالم الواقع الكاذب؟ ربما، الاهم، تطور القدس والتوجهات الديمغرافية والاقتصادية فيها يمكن أن تعلمنا عما هو متوقع لاسرائيل اذا تمتطبيق وعد نتنياهو “فرض السيادة الاسرائيلية بالتدريج على اجزاء في يهودا والسامرة”، التي ستقود الى ضم كل الضفة والى دولة واحدة.

​حكومة ليفي اشكول اختارت بعد حرب الايام الستة أن لا تكتفي بتوحيد المدينة التي قسمت في العام 1949، بل أن تضيف على الكيلومترات الستة لشرقي المدينة، 64 كم مربع اخرى شملت اكثر من 20 قرية فلسطينية لم تكن في أي يوم جزءا من القدس. هذا بروح التفسير الذي قدمه رحبعام زئيفي، الذي كان في حينه رئيس لجنة توسيع حدود المدينة، لوزير العدل يعقوب شمشون شبيرا، عن حجم الضم في 1967: “اضافة اكبر منطقة يمكن ضمها للقدس والتي ستمكن من توسيعها لتصبح مدينة كبيرة جدا”.

​هذه كانت رصاصة البدء لعملية تحويل المدينة العبرية، التي تضاعف خلال 19 سنة عدد سكانها وكانت تحظى بأكثرية يهودية بنسبة 99 في المئة، الى مدينة فيها أقلية عربية بنسبة 26 في المئة (70 ألف نسمة) والتي زادت منذ ذلك الحين الى 40 في المئة تقريبا من عدد سكان المدينة (350 ألف نسمة). وبعد عقد ونصف يتوقع أن تتحول هذه الاقلية الى أكثرية. هناك من يلوحون بانخفاض معدل الولادة للنساء المسلمات في العشرين سنة الاخيرة، من 4.5 ولادة الى 3.2 ولادة، مقابل الزيادة في نسبة الولادة عند النساء اليهوديات، من 3.8 ولادة الى 4.4 ولادة، كرد على ذلك. هؤلاء يتجاهلون أن القدس “الموحدة” تعاني من هجرة سلبية تبلغ 6 – 8 يهودي في السنة منذ العام 1992. في اوساط المغادرين مؤخرا تبرز النسبة العالية (44 في المئة) من الشباب في اعمار 20 – 34 سنة.

​معظم السكان الفلسطينيين في القدس لا يمارسون حقهم في التصويت في الانتخابات البلدية. يقاطعونها (نسبة التصويت اقل من 2 في المئة). اسرائيل تعمل من اجل منع وجود وضع فيه المعنيين بالجنسية الاسرائيلية، أن يستطيعوا المشاركة في الانتخابات العامة، عن طريق رفض طلبات الحصول على الجنسية. في العام 2019 شهدنا قفزة في عدد الموافقات على طلبات الحصول على الجنسية من متوسط يبلغ 300 في  السنة الى 1200. ولكن قفزة مشابهة كانت ايضا في عدد الطلبات التي تم رفضها، من متوسط سنوي، 300، الى 1400 طلب. فقط نحو 20 ألف فلسطيني في القدس لديهم الجنسية الاسرائيلية.

​اسرائيل تتمتع في حدود الخط الاخضر (مع شرقي القدس) من اغلبية يهودية ثابتة تبلغ 79 في المئة. كل هجرة يهودية الى الضفة، في ظل تنبؤ المكتب المركزي للاحصاء الذي يقول إنه يتوقع عدم حدوث هجرة، لن يغير حقيقة أنه في ارض اسرائيل الانتدابية هناك اغلبية غير يهودية. اذا ضمت اسرائيل مناطق الضفة (وبعد ذلك قطاع غزة) فانها ستضطر الى الاختيار بين امرين: أن تكون “ديكتاتورية اقلية” مثلما وصف بن غوريون في 1949 نظام الابرتهايد، وإما أن تتحول الى دولة عربية ديمقراطية مع اقلية يهودية.

​المجموعات السكانية الضعيفة من الناحية الاقتصادية في اسرائيل، العرب والاصوليين، حولت القدس بالتدريج الى المدينة الكبيرة الاكثر فقرا في اسرائيل. نسبة المشاركة في قوة العمل في المدينة (68 في المئة) أقل بكثير من المتوسط القطري (81 في المئة). الاجر الشهري المتوسط للأجير في المدينة هو 8700 شيكل. والمتوسط القطري هو 10600 شيكل. وحسب المكتب المركزي للاحصاء فان المدينة مصنفة في اسفل السلم الاقتصادي – الاجتماعي (العنقود الثاني)، وهي من بين الخمسين مدينة التي يصعب جدا العيش فيها، الى جانب بني براك وجسر الزرقاء.

​هذا ايضا بخصوص الدولة الواحدة. اسرائيل، دولة متطورة، ستضطر الى استيعاب سكان يعيشون في مستوى العالم الثالث. الفجوة في الناتج الخام الاجمالي للفرد – 40 ألف دولار مقابل 3500 دولار، تشرح تقريبا كل شيء. اسرائيل في الحقيقة ستفرض على المناطق التي سيتم ضمها سياسة الاضطهاد التي فرضتها في شرقي القدس، كما تعترف تيدي كوليك في مقابلة مع صحيفة “معاريف” في 1990: “قلنا مرة تلو الاخرى بأننا سنساوي في الحقوق بين العرب واليهود في المدينة. حديث فارغ من المضمون. لقد كانوا وما زالوا مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة… من اجل قدس يهودية فعلت شيء ما في الـ 25 سنة الاخيرة. ومن اجل شرقي القدس؟ لا شيء. ما الذي فعلته؟ مدارس؟ لا شيء. ارصفة؟ لا شيء. مراكز ثقافية؟ أبدا”.

اهود اولمرت اضاف الى هذه الأقوال في يوم القدس في العام 2012: “فيما يتعلق بالاجزاء الاخرى من القدس التي لا يعيش فيها يهود، ليس هناك تغيير كبير… ليس هناك حكومة اسرائيلية منذ 1967 لم تعمل حتى الحد الادنى مما هو مطلوب من اجل توحيد المدينة بشكل فعلي. ايضا الحكومة التي ترأستها لم تفعل كل ما يجب فعله من اجل تحويل القدس الى مدينة موحدة. صحيح أننا استثمرنا في القدس، لكن بشكل متعمد استثمرنا في الاساس في غربي المدينة وفي الاحياء الجديدة مثل جبل أبو غنيم… وامتنعنا عن الاستثمار في مناطق أعتقد أنها في المستقبل لن تكون جزء من القدس”. ايضا رئيس البلدية الحالي، موشيه ليون، الذي وصف في الشهر الماضي التطوير المتوقع للقدس، اشار تقريبا فقط الى التطوير في الاحياء اليهودية.

​المناطق التي سيتم ضمها في الضفة يعيش فيها فلسطينيون يتوقع أن يحصلوا من الحكومة ومن البلدية على نفس المعاملة التي حصلت عليها الاحياء المقدسية التي تم اخراجها خارج الجدار الامني. كفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين تحولت الى منطقة حرام، يعيش فيها ثلث السكان العرب في القدس بشروط متدنية جدا، لا توجد فيها خدمات بلدية وغياب لتطبيق القانون.

​رغم سياسة التمييز هذه، إلا أن اسرائيل لا يمكنها الامتناع عن دفع مخصصات التأمين الوطني والنفقات الباهظة في مجال التعليم والصحة والرفاه للسكان الذين يوجدون في العنقود 1 في المقياس الاقتصادي – الاجتماعي. وحسب بحث تم اجراءه في 2018 لصالح حركة “قادة من اجل أمن اسرائيل”، هذه النفقات تقتضي زيادة تبلغ 52 مليار شيكل لميزانية الدولة. من الجدير الاشارة الى الايجابية في أن ضم شرقي القدس مكن اليهود من العودة وممارسة حقهم في حرية العبادة في الاماكن المقدسة، على رأسها حائط المبكى. سيكون بالامكان الحفاظ على هذا التغيير عن طريق تبني الاقتراحات التي تم طرحها في المفاوضات حول مستقبل القدس. ياسر عرفات ومحمود عباس اقترحا أن يكون حائط المبكى والحي اليهودي ونصف الحي الارمني وباقي جبل صهيون تحت السيادة الاسرائيلية. ومقابل ذلك اقترحت اسرائيل في مفاوضات طابا في 2001 وفي محادثات انابوليس في 2008، أن تطبق نظام خاص في الحوض التاريخي يحافظ على حرية الوصول وحرية العبادة لجميع الديانات.

​المجال هنا ضيق لتفصيل جميع التداعيات السلبية لضم المنطقة التي تحولت مع مرور الزمن لتصبح شرقي القدس. يجب علينا تعلم الدرس والتوقف عن احتفالات “التوحيد” و”الازدهار” الوهمية، التي احسن ميرون بنفنستي وصفها في العام 2012: “كلما ازداد الشعور بأن المدينة الموحدة مقسمة فعليا بحواجز الكراهية، كلما تسارعت جهود المؤسسات المتطرفة والمتزمتة من اجل تعزيز تاريخ احتلالها كحدث للاستفزاز وكراهية الاجانب واستنكار الخونة” (“هآرتس”، 4/10/2012).

​يجب علينا الامتناع عن تحويل اسرائيل، مثل القدس، الى دولة فقيرة مليئة بالتوتر والعنف، مع اغلبية عربية، حيث تتحول الى دولة مجذومة في العالم في اعقاب نظام ابرتهايد تفرضه على وطن فيه شعبين مثلما فرضته على عاصمتها.