في خطوة غير مسبوقة، أوقفت السلطة الفلسطينية التنسيق مع حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" بشأن "تحديثات السجل السكاني الفلسطيني"، وذلك بعد قرار الرئيس محمود عباس خلال اجتماع القيادة الفلسطينية في الـ19 مايو بمدينة رام الله، التحلل من كافة الاتفاقيات والتفاهمات مع الحكومتين "الإسرائيلية" والأمريكية بما فيها الأمنية، ردًا على ما تُمسى بـ"صفقة القرن" وإعلان "إسرائيل" نيتها ضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار والبحر الميت.
وبموجب هذه الخطوة، عمدت السلطة الفلسطينية إلى تسجيل المواليد الجدد وبطاقات الهوية لمن تجاوزوا 16 عاماً وإصدار جوازات السفر دون إبلاغ "إسرائيل" بهذه التحديثات، لكنّ هؤلاء المواليد أصبحوا مهددين بعدم اعتراف السلطات الإسرائيلية بوجودهم، وإمكانية منع سفرهم مستقبلاً مع ذويهم، كما أنّه لن يتم الاعتراف بجوازات السفر وبطاقات الهوية وحتى وثائق إثبات الوفاة.
مسؤولية "إسرائيل" كقوة احتلال
بدوره، أكّد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، على أنّه منذ اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب عام 2012، وانضمامها لمجمل "الاتفاقيات الدولية"، أصبح من حق دولة فلسطين إصدار "قانون الجنسية" الذي يُنظم شؤون السكان المدنية بشكلٍ كامل.
وأضاف عبد العاطي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "في حال اعترفت إسرائيل أو لم تعترف بتحديثات السجل السكاني الفلسطيني، فهي تتحمل المسؤولية بشكلٍ كامل عن هذا الأمر؛ كقوة احتلال"، مُردفاً: "نحن إزاء تطورات تتوقف على مدى الأداء الفلسطيني وردود الأفعال على الخطة الإسرائيلية".
وتابع: "في حال لم تعترف إسرائيل؛ فعليها أنّ تُوجد بديل للسكان الفلسطينيين، الأمر الذي يعني تكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وبالتالي عليها أنّ تتحمل مسؤولياتها الكاملة في هذا المجال".
وبحسب مركز المعلومات "الإسرائيلي" لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "بتسيلم"، فإنّ "فرض القيود على حركة الفلسطينيين سكان الأراضي المحتلة هو أحد الأدوات المركزية في يد "إسرائيل" للسيطرة عليهم وتسيير نظام الاحتلال.
وأشار المركز في تصريح عبر موقعه الإلكتروني إلى أنّ "إسرائيل" تُقيّد حركة تنقل الفلسطينيين، مُوضحاً أنّ السفر "مرهون" باستصدار تصريح أو إبطاله "تعسفياً" من قبل السلطات الأمنية "الإسرائيلية" ضمن إجراءات بيروقراطية مطولة وعديمة الشفافية.
سجل أمني لـ"إسرائيل"
وبشأن أهمية السجل السكاني الفلسطيني لإسرائيل، قال عبد العاطي: "إنّ دولة الاحتلال منذ اتفاق أوسلو عام 1994 الذي لم يُنهِ الاحتلال بل ساهم في تكريسه، وقسّمَ الضفة الغربية إلى منطقة "أ"، وهي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، ومنطقة "ب" تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، فيما تقع المنطقة "ج" تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة".
وعقب توقيع اتفاقية السلام المرحلي أوسلو، تولت السلطة الفلسطينية إدارة السجل السكاني المدني، لكنّ لا تُصبح أيّ وثيقة سارية المفعول إلا بعد إرسالها إلى إسرائيل. وتبعاً لذلك، فإنّ أيّ مولود يحمل شهادة ميلاد فلسطينية لم يتم إرسال بياناته للإدارة المدنية الإسرائيلية، لا يستطيع السفر مع عائلته عبر "جسر الكرامة" الذي يربط الأراضي الفلسطينية بالأردن، كونه يقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
وشدّد عبد العاطي على أنّه -بالإشارة لإتفاق أوسلو- أعطى الاحتلال الحق في السيطرة على الحدود والاقتصاد وأيضًا المنظمتين الأمنية والمدنية بشكلٍ كامل، مُشيراً إلى أنّ "إسرائيل" تستخدمه لأغراضٍ أمنية؛ وبالتالي هي تستفيد من كل هذا الأمر في قراءة تطور السكان وعددهم وأسماء العائلات.
واستدرك: "بل هي تتابع أكثر من ذلك أرقام هواتفهم وجوالاتهم وتُراقب كل السكان الفلسطينيين عبر أقمار صناعية وأدوات متطورة وغيره، أي تُكرِس احتلالها بدون كلفة"، مُشدّداً على ضرورة أنّ يرفع شعبنا كلفة الاحتلال؛ باعتباره حق كفلته كل الأعراف والمواثيق الدولية.
وكان تحديث السجل السكاني الفلسطيني، الذي يتم إرساله إلى "إسرائيل" بصفة يومية، يشمل كل ما يتعلق بالمواليد والوفيات، وإصدار أو تجديد بطاقات الهوية الشخصية، وجوازات السفر، ورخص القيادة. ويتم إرسال كل هذه المعلومات عبر قنوات التنسيق المدني الفلسطينية إلى المقر العام للإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع "الإسرائيلية"، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الضفة الغربية.
دولة حامية
وبالحديث عن إمكانية وجود طرف دولي للتنسيق في ملف السجل السكاني، رأى عبد العاطي أنّ الأصل هو وجود دولة تحمي المدنيين وتكفل حقوقهم إلى جانب الصليب الأحمر الدولي، من أجل ضمان تطبيق اتفاقيات القانون الدولي والإنساني، مُنوّهاً في ذات الوقت إلى أنّ ذلك يتطلب موافقة دولة الاحتلال ودولة فلسطين والدولة الحامية.
وأردف: "حتى الآن هذا الأمر لم يُبحث ولم يتم جديًا، كما أنّ السلطة لم تدعو الأطراف السامية المتعاقبة على اتفاقيات "جنيف" لتحمل مسؤولياتها".
وقال عبد العاطي: "نحن إزاء إجراءات متركزة نفذتها السلطة بدون خطة وطنية شاملة، ولا نعرف ماذا سيحدث لأننا بيد فرد فلسطيني وليس مؤسسة"، مُردفًا: "علينا أن ننتظر لنرى" .
ولفت إلى أنّ وجود أيّ طرف آخر بديل عن السلطة أمر غير مقبول، ويجب وقف أيّ إجراءات تُسهل على دولة الاحتلال إيجاد بدائل، ولكنّ "إسرائيل" تدفع نحو إيجاد بدائل مثل التصاريح الإلكترونية وعودة الإدارة المدنية في مناطق الضفة الغربية.
وسبق أنّ قال رئيس الوزراء د. محمد إشتية: "إنّ المنظمات الدولية ستكون قناة الاتصال مع إسرائيل لشؤون الحياة اليومية في ظل قرار القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الكامل معها".
المهام السياسية للمنظمة
وفيما يتعلق بخيارات السلطة الفلسطينية، حال لم تعترف "إسرائيل" بتحديثات السجل السكاني، شدّد عبد العاطي على ضرورة تكريس وتجسيد دولة فلسطين والبدء بإجراءات جدية بغض النظر عن رضى الاحتلال أو عدم رضاه؛ وبالتالي هذا يعني مجابهة مفتوحة مع الاحتلال في حال تم التحلل من كل التزامات اتفاق "أوسلو" وإلغائها.
وأشار إلى أنّه بات من الضروري أنّ تتحول السلطة إلى "سلطة خدمية"؛ لمصلحة السكان الفلسطينيين المدنيين، ونقل مهامها السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وختم عبد العاطي حديثه بالقول: "على السلطة أنّ تُعيد ترتيب البيت الداخلي على أساس الشراكة السياسية والاتفاقيات الموقعة حتى نكون موحدين في وجه كل إجراءات الاحتلال".