مع اقتراب تنفيذ مخطط الضم، تُهدد القيادة الفلسطينية بإنهاء السلطة والعودة إلى ما قبل توقيع اتفاقية "أوسلو"، وتحميل "إسرائيل" مسؤوليتها كدولة احتلال عن الشعب الفلسطيني، مع إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يطرح تساؤلات إنّ كانت القيادة الفلسطينية ستتجه لحلّ السلطة؟، وقدرة منظمة التحرير على القيام بالمهمة السياسية؟.
عوامل الانهيار لم تنضج
بدوره، رأى الكاتب السياسي محمد حجازي، أنّ عوامل انهيار السلطة لم تنضج بعد، وأنّ قيادة السلطة ومنظمة التحرير لا تريد انهيارها، مُضيفاً: "من المبكر الحديث عن انهيارها لأنّ عوامل صمودها كثيرة".
وأوضح حجازي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" أنّ هناك إرادة فلسطينية للحفاظ عليها لعدة اعتبارات؛ وهي "أولاً كونها بنية رسمية فلسطينية يعترف بها العالم موجودة على أرض فلسطين، وثانياً أنّ السلطة تعمل بموازنة قدرها حوالي "4.6" مليار دولار تُصرف سنوياً على الشعب الفلسطيني.
وأضاف: "السلطة تُقدم خدمات مهمة للشعب الفلسطيني، حيث إنّ أكثر من 170 ألف موظف يعملون بها، إضافةً إلى أنّ عشرات الآلاف من المتقاعدين سواء الماليين أو المتقاعدين يتقاضون رواتب شهرية منها، وبالتالي تُشكل حالة ضمان اجتماعي، كما أنّها تُقدم خدمات صحية وتعليمية".
وأردف: "تُقدم السلطة أيضاً خدمات في مناطق سي ومدينة القدس"، مُشيرًا إلى أنّ أضرار انهيار السلطة أكبر على الشعب الفلسطيني من بقائها؛ لذلك فإنّ وجود السلطة مصلحة للكل الوطني.
ولفت إلى أنّ المجتمع الدولي يسعى للحفاظ على السلطة، مُبيّناً أنّ حديث عضو مركزية حركة فتح حسين الشيخ، الهدف منه تهديد الاحتلال، بأنّه "إذا استمرت عملية الضم فإنّ ذلك سيؤدي لإنهيار السلطة وتسلم إسرائيل المفاتيح".
وأكّد حجازي على أنّه رغم تهديد السلطة لـ"إسرائيل" فإنّ الأخيرة لن تُقدم خدمات للشعب الفلسطيني، لأنّها لا تُريد تحمل أعباء ما يقرب من 2 مليون فلسطيني في قطاع غزّة، و3.7 مليون في الضفة، ومليون نصف في المناطق المحتلة عام 1948.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: "إنّ قرار إنهاء السلطة الفلسطينية من قبل القيادة الفلسطينية أمر مشكوك به؛ لأنّه مرهون بالاحتلال والإدارة الأمريكية".
وتابع: "السلطة تُريد الحفاظ على ما يمكن أنّ يحفظ ماء الوجه"، مُستدركاً: "حلّ السلطة إذا تم يجب أنّ لا يتم فقط من قبل حركة فتح والرئيس محمود عباس".
واستطرد الصواف خلال حديثه لوكالة "خبر": "قرار حلّ السلطة يجب أنّ يتم في ظل توافق فلسطيني؛ لأنّ النتائج المترتبة عليه ستكون كبيرة لا يتحملها فريق بمفرده".
وشدّد الصواف على أنّ المطلب الأول الآن هو إتمام الوحدة الفلسطينية، خاصة أنّ مثل هذه القرارات تحتاج إلى موقف وطني موحد، مُضيفاً: "لا أعتقد في ظل حالة الفرقة أنّ يتم الإقدام على مثل هذه القرارات".
أما الكاتب في جريدة الحياة الجديدة، حافظ البرغوثي، فرأى أنّه "منذ انتهاء المرحلة الانتقالية حسب اتفاقات "أوسلو"، فقدت السلطة عمليًا حوالي 99% مما سُمح لها أنّ تُسيطر عليه من سيادة واعتبار"، مُردفًا: "بعد ذلك تحولت إلى سلطة خدمية، تعفى الاحتلال من أي مسؤولية عن احتلاله للأراضي الفلسطينية".
وأضاف البرغوثي خلال حديثه لوكالة "خبر": "إنّ إسرائيل في السنوات الأخيرة كانت تعمل على تشويه السلطة بسرقة الأرض والمياه والهواء وغيره"، مُوضحاً أنّ سرقة "إسرائيل" الضرائب التي يدفعها المواطن، تُعد أكبر عملية نصب في التاريخ.
وأكمل: "بمعنى آخر الإسرائيليون يُريدون أنّ تتحول السلطة إلى سلطة حكم ذاتي محدود ومحاصر"؛ مُستدركاً: "حتى لو وافقت القيادة على ما تُسمى بـ"صفقة القرن" فلن تقبل بها دولة الاحتلال؛ لأنّ هدفها النهائي إنهاء الفلسطيني جغرافيًا وسياسيًا وتاريخيًا".
كما أشار البرغوثي إلى تلويح الشيخ بإنهاء السلطة ليس مجرد تهديد؛ لأنّ حكومة اليمين الإسرائيلي تؤيد إنهائها وتريد أنّ تُعيد الأمور إلى نقطة الصفر؛ "بمعنى احمل سلاحك مجدد"، مُبيّناً أنّ السلطة غير مخططة لمرحلة ما بعد إنهائها وشأنها شأن بقية الفصائل الفلسطينية.
وكان وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، قد قال: "إنّه في حال قررت "إسرائيل" الذهاب نحو عملية ضم مستوطنات الضفة الغربية فستنهار السلطة الفلسطينية".
ونقلت قناة "كان11" عن الشيخ قوله اليوم الإثنين: "إنّه في اللحظة التي تُقرر فيها "إسرائيل" الذهاب نحو ضم جزئي أو كامل فستنهار السلطة، وسيتوجب على "إسرائيل" تحمُل مسؤولياتها الأمنية والصحية والتعليمية كقوة احتلال".
وتابع الشيخ: "إنّ السلطة ليست مجموعة من المتعاونين أو جمعية خيرية، وتم إبلاغ الولايات المتحدة و"إسرائيل" بهذا القرار قبل عدة أشهر"، مُنوّهاً أيضاً بحسب القناة إلى أنّ السلطة لن تسمح حالياً بذهاب الأمور نحو مواجهات عنيفة مع الاحتلال.
إعادة الاعتبار للمنظمة
وبشأن إمكانية أنّ تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بالمهمة السياسية بديلاً عن السلطة، رأى البرغوثي أنّ إعادة الاعتبار للمنظمة؛ لا تتم إلا بالقوة والعودة للمقاومة الحقيقية وليس الفصائلية.
فيما نبّه الصواف إلى أنّ المنظمة لا يُمكنها القيام بهذا الدور في ظل وضعها الحالي، مُذكراً بنداء الفصائل بضرورة إعادة تشكيل المنظمة من أجل إعادة الحياة لها؛ حتى تستطيع تحمل مسؤولياتها.
وأضاف: "إذا كان يُراد للمنظمة أنّ تأخذ دورها؛ لابد أنّ تعود لسيرتها الأولى وأنّ تنبذ اعترافها بإسرائيل والتعاون الأمني مع الاحتلال"، مُردفاً: "المنظمة قامت على مبدأ التحرير والمقاومة بمشاركة الكل الفلسطيني".
تغيير وظيفة السلطة
ولفت حجازي إلى أنّ قيادة منظمة التحرير تُناقش حالياً وضع السلطة ووظيفتها، وإنّ كانت ستتحول لحكومة لدولة فلسطين تحت الاحتلال وتتبع منظمة التحرير، وبالتالي تؤول كل أملاك السلطة للمنظمة.
وقال: "بذلك تُصبح "اللجنة التنفيذية" هي القيادة اليومية للشعب الفلسطيني"، مُشيراً إلى أنّ كل ذلك يتم مناقشته على قاعدة الحفاظ على السلطة، وعلى الوجود المؤسساتي لمنظمة التحرير فوق أرض فلسطين.
وبيّن حجازي أنّ القرارات التي اتخذتها السلطة؛ بإلغاء الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني، تُشكل الحد الأدنى المقبول للوحدة الوطنية.
وشدّد على أنّ أرضية التوافق الوطني واسعة الآن؛ خاصةً أنّ قرارات الرئيس محمود عباس جادة، مُضيفًا: "الوحدة الوطنية تعنى إعطاء منظمة التحرير شرعية نضالية أكبر بانضمام الفصائل بها".
كما شدّد على ضرورة إعادة الاعتبار للمنظمة، لتُصبح القيادة اليومية لشعبنا الفلسطيني، مُوضحاً في ذات الوقت أنّ ذلك يحتاج لمجموعة قرارات مهمة.
وفي ختام حديثه نوّه حجازي إلى أنّه يجري نقاش إمكانية التحول إلى دولة تحت الاحتلال؛ بمعنى تغيير وظيفة السلطة لتصبح عبارة عن دولة حكومة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال، وتُصبح منظمة التحرير هي القيادة اليومية للشعب الفلسطيني التي توجه الحكومة بشكلٍ مباشر ومستمر، وتُدير المال العام الخاص بشعبنا.