-خبر-كتب: صادق الشافعي
03 تشرين الأول 2015
في الثامن والعشرين من الشهر المنصرم حلّت الذكرى 44 لوفاة عبد الناصر.
ما الذي يربط بين الذكرى وبين مواجهات مرابطي المسجد الأقصى دفاعاً عنه وعن قدسيته ورمزيته وتاريخه والحق المطلق فيه.
الرابط هو ترحّم المقهور على الحال العربية، رسمية كانت ام شعبية.
فما كان لهذه الحال ان تكون على هذه الدرجة من افتقاد القدرة على الفعل والتأثير، وربما افتقاد الرغبة بالفعل ايضا، لو كان الزمن زمن عبد الناصر. فهناك اتفاق عام ان واحدة من اولى الحواضن لما يجري من اعتداءات على القدس هو هذا الحال العربي المتردي، ومعه الحال الإسلامي.
يُستحضر عبد الناصر وذكراه، في هذا الحدث الجلل لأنه، وقبل أسباب اخرى، كان القائد الذي ينحاز بكليته الى الناس وقضاياها، ولأن الناس كانت تعي انحيازه لها، وكانت تصدقه تماما. كان ذلك هو الرابط الأقوى الذي يربطه بالناس ويجعلها متقبلة لمواقفه وسياساته، ومتقبلة لنتائجها وتبعاتها دون تذمر.
يُستحضر عبد الناصر أيضا لأنه بالخصوص، تمسك بالحقوق الثابتة للعرب في حريتهم وفي أراضيهم وارثهم الحضاري وتاريخهم وإرادتهم الحرة وفي ثرواتهم. لم يفرط بأي حق من الحقوق، وكانت فلسطين والقدس في موقع القلب والمركز في كل ذلك.
تستحضر الناس عبد الناصر لأنه ببساطة آمن، قولا وفعلا، بها وبقدرتها على الصمود وعلى الفعل والإنجاز.
وتستحضره لأنها تتطلع الآن الى مصر ودورها المبني على موقفها الثابت دائماً في دعم النضال الوطني الفلسطيني ونصرة أهدافه وبالذات في قضية القدس ومقدساتها. الأسباب التي تستحضر عبد الناصر الآن، كانت هي نفسها وراء استدعائه في يوميات ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث مفصلية وكانت صورته وحدها التي رفعت بكثافة فيها.
اذا كان ممكنا تفسير حال الدول العربية والإسلامية تجاه الأحداث الجلل التي تجري بالقدس الآن، فكيف يمكن تفسير حال الناس، الجماهير او الشعوب بلغة السياسة والنضال. لماذا لا نشاهد مظاهرة واحدة تخزي العين بحجم أحداث القدس وخطورتها، تعلن الوقوف مع مرابطي القدس من جهة وتشكل ضغطا على حكوماتها للقيام بأفعال احتجاجية ملموسة، بأي شكل ونوع، ضد دولة الاحتلال وإجراءاتها.
وقبل ان نوجه اللوم الى العرب والمسلمين، لماذا لا نبدأ بذواتنا؟.
بصراحة، ومع كل التقدير للفعاليات التي حصلت في ارض الوطن، ومع الابتهاج برؤية تطورها وارتفاع وتيرتها مع تقدم الأيام، فلا تزال المدن الفلسطينية لم تشهد بشكل عام فعاليات مستمرة ومتنوعة ومتواصلة تتجاوب، بالمستوى المطلوب، مع أهمية وخطورة ومستوى ما يجري بالقدس، وتتكامل مع المواجهات التي يخوضها اهلنا بالقدس والشباب منهم بالذات.
ان أهل القدس وشبابه يخوضون مواجهاتهم وهم يخرجون ألسنتهم لنتنياهو ضاربين عرض الحائط بكل الإجراءات والقوانين التي اقرها مجلس وزرائه والتي تسمح باعتقال ومقاضاة الشباب اليافع والأطفال وتعظم سنوات اعتقالهم، وتعطي الحق لقواته بالقنص المباشر، وتفرض غرامة مالية عالية على أهالي المعتقلين.
يقومون بمواجهاتهم بتحدّ وإصرار، وعن وعي عميق وأصيل لمعاني مواجهاتهم بأبعادها الوطنية والدينية والحقوقية والإنسانية والتاريخية والمستقبلية. انهم بتصديهم يدفعون دولة الاحتلال الى الحائط ويكشفون ستر تلازم عنصريتها السياسية مع عنصريتها الدينية ومع ارهابها، ويكشفون ستر الخلل القانوني والأخلاقي في دولتهم. ويكشفون ايضا ان الصهيونية " تفرز( منذ زمن) أطروحة مضادة وشبه جذرية لكل ما تأسست عليه من فلسفة غيبية ومحاولات فاشلة لعقلنة الخرافة" كما اشار المؤرخ العالمي أرنولد توينبي.
ان عدم التجاوب بالمستوى المطلوب، كما تمت الإشارة، يجد تفسيره في الحال غير الطبيعية التي تعيشها الحالة الجماهيرية الفلسطينية بشكل عام، وتراجع دورها وتأثيرها في النضال الوطني العام، سواء بسبب السياسات التي انتهجتها في العلاقة معها قوى النظام الفلسطيني وتنظيماته، او في غياب اللجان والأطر والمنظمات الشعبية الكافية، او بسبب الانقسام ومفاعيله المدمرة.
ويجد تفسيره ايضا في حال الترهل والجمود والشيخوخة الذي تعيشه التنظيمات الفلسطينية عموما، والتراجع الكبير في دورها وفي علاقتها مع الناس وتأثيرها فيهم. والأمل، ان يكون في استمرار وتواصل تصدي أهلنا في القدس ببطولة وشجاعة للاعتداءات الصهيونية، دافعا قويا ومحركا لحركة الجماهير الفلسطينية في تفجير انتفاضتها العارمة، وتحفيزا للتنظيمات على التقاط المبادرة والقيام باللازم والمطلوب.
واما الاكتفاء بالتلاسن حول الانتفاضة الشعبية الشاملة وعدم قيامها بالصورة المطلوبة، وبإلقاء التهم ضد جهات تمنع قيامها، فمنذ متى تقوم الانتفاضة بقرار فوقي وانفعالي ومعزول عن نضج الحالة الجماهيرية وتوفر أطرها ولجانها ومنظماتها الفاعلة. ومن هي الجهة التي تملك القدرة على منع قيام الانتفاضة اذا ما نضجت الحالة الجماهيرية وانخرط الناس بالانتفاضة باندفاع ودونما استئذان من احد؟
هكذا كان حال الانتفاضة الشعبية العظيمة سنة 1987، فقد هدرت في شوارع وأزقة وساحات مدن وقرى الأراضي المحتلة حين توفرت حالة جماهيرية ناضجة، التقطتها وقادتها منظمات القوى الفلسطينية في ارض الوطن وشكلت لها قيادة وطنية موحدة، ثم لحقت بها وتبنت مطالبها قيادة منظمة التحرير في الخارج وقدمت لها الدعم المطلوب.
في ذلك الحال، لم تستطع كل قوة وجبروت الاحتلال ان توقفها، رغم انه كان يجثم بقواته مباشرة، بقضه وقضيضه على كل الأرض المحتلة.
تحية
خطاب الرئيس في الأمم المتحدة اتسم بالشمولية والوضوح، وبالشجاعة ايضا، ووضع نقاطا كثيرة على حروفها.
وقد يكون الأكثر أهمية في الخطاب انه استجاب لمطالب وأشواق الناس.
بانتظار التنفيذ وما سيواجهه من صعوبات وضغوط وما يتطلبه من وحدة الموقف الوطني.
وتحية افتخار لعلمنا يرفرف بين رايات الأمم في مقر هيئة الأمم.