هذا السلام سلامه

حجم الخط

يديعوت– بقلم ناحوم برنياع

الاتفاق هو بشرى سارة لسببين وجيهين. الاول، هذا اتفاق التطبيع الثالث الذي توقع عليه اسرائيل مع دولة عربية، والاول مع واحدة من دول الخليج. كما أنه له معنى تاريخيا أيضا بتعابير اقليمية وبتعابير اسرائيلية داخلية على حد سواء.  الثاني، هو أنه يزيل عن جدول الاعمال فكرة الضم.  سيتعين  على اليمين في اسرائيل  ان يعيد احتساب المسار مثلما اضطر لان يعيد احتساب المسار بعد اتفاق السلام مع مصر.  

​نتنياهو جدير بتقدير عظيم على هاتين  الخطوتين. فلاول مرة منذ انتخب رئيسا للوزراء يقوم بخطوة سياسية ايجابية ولا يبحث عن مجده باحباط خطوات الاخرين. هذا السلام هو سلامه. اذا ما تطور  وازدهر فهو له؛ واذا ما تشوش والغي هو له.

​الشيخ محمد بن زايد، حاكم الامارات عقد صفقته. معارفه يقولون انه رجل جدي، راشد، كلمته كلمة. فهل سيقف نتنياهو عند كلمته؟ هل سيقف ترامب عند كلمته؟ هل اعطيا للشيخ تعهدا خطيا بشأن سياسة اسرائيل في الضفة؟ شفويا؟ هل قول نتنياهو امس انه لن يعمل على الضم “حاليا” مرتبط بالتزام بزمن ما؟  ثلاث سنوات؟ خمس سنوات؟  السفارات يمكن فتحها؛ والسفارات يمكن اغلاقها ايضا.

​مسألة اخرى، لا تقل حساسية، تتطلب جوابا مرتبا. فحكومة الامارات تنكب على تطوير قدرة عسكرية ذات مغزى: لديها المال ولديها التطلع. ورفعت الى الادارة الامريكية قائمة طويلة من الطلبات لشراء عتاد عسكري متطور وعلى رأسها طلب لشراء طائرات اف 35، الطائرة الاكثر تطورا في الترسانة الامريكية. السعودية هي الاخرى رفعت قائمة. واستجاب ترامب وكوشنير بحماسة: فقد اشعلهما المال.

​غير أن الكونغرس اوقف الصفقة. فالصفقة مع النظام السعودي اقلقت الكونغرس على نحو خاص، لعدة اسباب. كما ثار اعتراض ايضا على الصفقة مع الامارات. اسرائيل واللوبي المؤيد لاسرائيل كانا احد الاسباب. في الكونغرس تخوفوا من أن توريد العتاد المتطور سيمس بالتعهد الامريكي التاريخي بالحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي. في السنة الماضية قررت الامارات التخلي عن اف 35 والاكتفاء باف 16 محسنة.

​فهي يتضمن الاتفاق بندا سريا يغير سياسة المشتريات الامريكية؟ هل يوجد تفاهم صامت في هذا الموضوع بين الشركاء الثلاثة؟ بكلمات اخرى، هل يوجد هنا شيء ما يذكر بقصة بيع الغواصات الالمانية لمصر، من خلف ظهر جهاز  الامن؟ ليس لدي جواب. عندما سيخرج وزير الدفاع غانتس، الذي لم يدخل الى الصورة  الا  بعد انتهاء  الامر، من المستشفى ينبغي للسؤال ان يسأل.

​السلام الاقليمي – اي اتفاقات سلام مع السعودية ودول الخليج، هو فكرة توجد على جدول الاعمال لسنوات عديدة. يوجد نهجان في الولايات المتحدة تجاه هذه الفكرة. فقد اعتقدت ادارة اوباما بانها يمكنها أن تقنع اسرائيل بالتوقيع على سلام مع الفلسطينيين فيما يكون المقابل سلاما اقليميا. بكلمات اخرى – اولا فلسطين؛ وبعد ذلك السلام. أما نتنياهو فادعى ترتيبا معاكسا: أولا السلام  الاقليمي، بعد ذلك الفلسطينيين. وقد أقنع كوشنير ان يقنع الامارات. الاتفاق يمنح انتصارا لخط نتنياهو.  

​ولكن التطبيع الجزئي كان قبل ذلك بكثير. في حالة الامارات، كفت العلاقات منذ زمن بعيد عن ان تكون سرية. تحتفظ اسرائيل هناك بممثلية، تقيم علاقات دبلوماسية وامنية. وزارة الخارجية نشطة هناك.  رئيس الموساد هو ضيف مرغوب فيه. رجال اعمال يخرجون ويعودون. عندما تورط الموساد في قضية تصفية نشيط حماس  محمود المبحوح في دبي في 2010، رفض رئيس الموساد مئير داغان التأثر. فقد كان يعرف بانه يمكنه أن يتدبر امره مع المحليين.

اما اقامة علاقات دبلوماسية كاملة فهي قصة اخرى تماما. فهي تفتح الباب لاقامة علاقات كاملة مع دول اخرى – ليس فقط البحرين، قطر او السعودية؛ بل المغرب  ايضا. وهي تعزز  الجبهة الاسرائيلية – السُنية حيال ايران.

لكن هذه الخطوة الاستراتيجية لا يمكنها ان تتقدم في  ظل ضم الضفة. يمكن أن نفهم، بالتالي، غضب رؤساء المستوطنين في الضفة. فنتنياهو لم يخرق وعدا انتخابيا فقط – خرق الوعود الانتخابية هو موضوع عادي، متوقع، بل واحيانا واجب الواقع –  بل انه نزع  الطعام من افواههم حقا. فقبل بضعة اسابيع فقط تقاتلوا على مسألة كم  واين الضم. كل واحد منهم اراد الضم لديه. والان يشعرون بانهم إمعات.  نتنياهو خدعهم وهم خدعوا ناخبيهم. بعد قليل سيبدأون بالتظاهر في بلفور.

لماذا فعل نتنياهو هذا؟ الجواب البسيط ينطوي في حساب الكلفة مقابل المنفعة: فقد فهم بان الضم برعاية امريكية لن يكون، باختار المقابل الذي عرض عليه. الجواب المركب يقول: الرجل يسعى لان يعيد تعريف جدول اعمال اليمين. هو يعمل على إرثه.

ابو مازن لا بد أنه يشعر بالخيانة. الشيخ بن زايد استخف بالمقاطعة التي فرضها على اسرائيل بل ويعرف نفسه كمدافع عن القضية الفلسطينية. وفرض على ابو مازن عزلة  قاتمة: في العالم الغربي سيرحبون بالاتفاق، ربما ايضا في مصر وفي الاردن، وهو سيعلق في جبهة الرفض مع ايران.

مشوق أن نعرف كيف يشعر غانتس. من جهة، لديه الكثير من الاسباب التي تدعوه لان يؤيد الاتفاق. من جهة ا خرى أثبت نتنياهو له، بطريقة لا لبس فيها، بان ليس له ثقة به وباشكنازي، ولا يرى فيهما شركاء سر ولا يرى فيهما جزء من القيادة الوطنية. يمكن لغانتس ان يغمض عينيه ويتصور ماذا كان سيحصل لو أنه هو، كرئيس وزراء، كان يدير المفاوضات على التطبيع مع دول عربية، ولا يروي شيئا لنتنياهو، رئيس الوزراء البديل.