يبدو لي اكثر فأكثر بأن ما يسمى المعسكر الوطني لدينا (في المقام الاول الليكود)، لا يثبت لنفسه بأنه اصبح موجود في الوضع الاقرب لتحقيق التطلعات القومية السائدة لديه، حيث أنه اذا نظرنا الى ارض اسرائيل/ فلسطين بالتزامن مع قطاع غزة والمملكة الاردنية، فنحن بالفعل في وضع قريب جدا من رؤيا جابوتنسكي حول ضفتي نهر الاردن. صحيح أن الشعار المعروف لجابوتنسكي “هناك ضفتان للاردن، هذه لنا وتلك ايضا لنا”، يجب أن يمر بتحديث بسيط للشعار الموضوع في عنوان هذا المقال. أنا أطلب من القراء النظر اليه بصورة حيث يكون هذا الشعار فيها قريب من شعار آخر معروف لجابوتنسكي الذي بحسبه سيخلق وضع يرضى به “إبن العرب، إبن الناصرة وإبني”.
ماذا اعني بهذا التصريح الذي يبدو تصريح مثير؟ بشأن وضع سياسي وامني اصبح قريبا اليوم من حلم جابوتنسكي، دون حاجة الى أن نزيد عليه مستوطنات عبثية على التلال. حيث أنه من الجانب الغربي لنهر الاردن يسود في الغالب هدوء وتعاون امني مع السلطة الفلسطينية، كما يوجد تعاون امني بعيد المدى مع المملكة الاردنية، الذي يمنع دخول جيوش اجنبية الى هذه المملكة. هكذا وجد فعليا فضاء امني واحد من البحر المتوسط وحتى صحراء العراق. هذا الانجاز الجيوسياسي مهم جدا. هذا الانجاز مهم وليس خطوتين فارغتين، الاولى رسمية والثانية تكاد تلمس السطح المادي: الخطوة الرسمية الزائدة هي محاولة ضم اجزاء مختلفة من اراضي الضفة الغربية الى جانب خلق عداوة في معظم دول العالم، وبالطبع من جانب الفلسطينيين انفسهم. في حين أن الخطوة العبثية الثانية هي اقامة مستوطنات صغيرة على رؤوس التلال في السامرة. من الواضح تماما أن الوضع الامني الحالي من خلال علاقة مع السلطة الفلسطينية من جانب ومع المملكة الاردنية من الجانب الآخر، يقتضي تعمقا ثلاثيا: في مجال التطوير الصناعي، في مجال الثقافة وفي مجال السياحة والقدس. واضيف هنا بأنه في هذه الاثناء ايضا المنظمة الارهابية الاولى في غزة، حماس، قررت فعليا التوصل الى تسوية لوقف اطلاق النار لفترة زمنية مقابل تسهيلات تكنولوجية ومالية في ادارة القطاع (بالتحديد السلطة الفلسطينية تعارض خطوات مصالحة كهذه مع حماس من خلال خوف مبرر من اقامة دول فلسطينية صغيرة).
من الواضح أن الوضع الحقيقي الامني والاداري، ليس تماما في غير صالح دولة اسرائيل اليوم. مرة اخرى: يبدو أن كتل الوسط واليمين التي تشكل الاغلبية في اسرائيل لم يتضح لها بعد ماذا يعني هذا الموقف حقا.
الخطوة القادمة لحكومة اسرائيل يجب أن تكون ليس عمليات الضم العبثية على اشكالها، بل مناقشة جدية مع السلطة الفلسطينية والمملكة الاردنية ومعظم الدول العربية. النقاش يجب أن يكون حول التقدم التدريجي من هذا الوضع بالاتجاه السياسي، ولكن ليس اقل من ذلك ايضا باتجاه التعاون الاقتصادي بعيد المدى وايضا ازالة مظاهر العداء والتشهير في العلاقات الثقافية بين الشعوب. في هذا المجال يجب على السلطة في المقام الاول أن تفعل الكثير من اجل الكف عن انكار التاريخ اليهودي في هذه البلاد، مع رؤية احادية الجانب لاحداث القرن العشرين.
من المفهوم أن برنامج تطوير اقتصادي الموجه بالاساس للتعاون مع السلطة الفلسطينية، يجب أن يكون له زخم واضح ورفع بدرجة أو درجتين العلاقات القائمة اليوم مع جمهور العمال في الضفة. برامج تطوير رئيسية في مجالات المياه والكهرباء والصناعات المتطورة يجب أن تكون مندمجة مع برامج تدريجية ولعدة سنوات لتأهيل احفاد اللاجئين الفلسطينيين، الذين لن يكتفوا بدفع التعويضات في اماكن سكنهم.
ايضا لا يوجد شك بأن ميناء حيفا وميناء اسدود ستستخدم في حينه بصورة موازية كموانيء لدولة اسرائيل والدولة الفلسطينية الآخذة في التشكل والمملكة الاردنية. عندها ايضا لباقي الدول العربية المعتدلة. أي للجميع (بما في ذلك النظام في العراق) باستثناء سوريا بشار الاسد. واضيف الى هذا بأن ما يدور الحديث عنه ليس فقط تطوير صناعي له زخم كبير – من شبكة كهرباء وحتى قناة البحرين وتطوير منطقة البحر الميت وحقول الغاز – بل ايضا تطوير مشترك بمستوى كبير للسياحة في الارض المقدسة، حيث أن 20 مليون سائح يعتبر هدف مرحلي.
على هذه الخلفية فان الامتناع عن اعطاء مكانة رمزية لحكومة فلسطينية في جزء من البلدة القديمة في القدس سيعتبر بخل غير حكيم. على الرغم من أن هذا الجانب المتعلق بالقدس سيتطلب ايضا تفكير ابداعي في ادارة اجزاء مشتركة معينة في المدينة المقدسة، بما في ذلك المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى.
ليس هناك شك في أنه في اطار برنامج كهذا وحلم كهذا ايضا الفلسطينيون سيطلب منهم تغييرات تتعلق بهم كشرط لاستقلالهم – بدء من الخطة التدريجية لملء الاستقلال بمضامين مختلفة وحيوية – ولكن بالاساس التنازل في المجال الفكري. يجب عليهم التضحية بضحيتين:
الاولى، تنازل معين عن رواية نكبتهم، التي بحسبها فقط الجانب اليهودي – العبري هو المتهم بكل عواقب النزاع التي تتمثل بنفيهم الجزئي. الثانية هي أنه يجب عليهم أن يغيروا تماما مناهجهم التعليمية، المليئة بالتشهير غير المنقطع بالاستيطان اليهودي في البلاد وانكار التاريخ اليهودي فيها. في النهاية ايضا الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يجب عليه أن يفهم ولمرة واحدة بأنه ليس هو الذي يحدد بأن هناك شعب يهودي في العالم وما هو، وأن ادعاءاته وادعاءات السلطة بأنه لم يكن هناك في أي يوم ممالك يهودية في البلاد، هي ببساطة تزوير تاريخي غير معقول.
اضيف لذلك بأنه حان الوقت لأن تتوصل الأمتان الساميتان الكبيرتان، العبرية والعربية، اللتان بقيتا على قيد الحياة وخلقتا في حينه في العصور الوسطى عصر ذهبي من الثقافة المشتركة، الى تفاهم وصداقة. في هذا السياق من المهم جدا أنه وبشكل خاص رجال الفكر والأدباء المستقلين من كلا الأمتين يبادروا الى اقامة مشاريع مشتركة في المجال الثقافي ويجندوا دعما من العالم كله.
من الواضح من كل اقوالي هذه أنني لست من مؤيدي الشعار الذي يركز فقط على “انهاء الاحتلال”. في رأيي الاهم هو برنامج السلام والتعاون – سواء كانت النتيجة على الارض أن تسمى هذه الدول الثلاث بكونفيدرالية أم لا. ولكن اذا كنا قد ذكرنا مفهوم كونفيدرالية، فمن المفضل التفكير باحتمالية أن يكون لكل مواطن من وحدات الكونفيدرالية الحق في حرية الحركة والتجارة والعمل في ارجاء البلاد في كلا ضفتي الاردن (باستثناء الحق في شراء الاراضي، وذلك من اجل تهدئة مخاوف السيطرة على الارض). اجل، سيكون لكل مواطن حق غير محدود في زيارة محدودة بالاماكن التاريخية الهامة له.
في النهاية، حسب رأيي الكونفيدرالية، هذه الوحدة السياسية كلها، يجب أن تقبل كعضو ثانوي في جامعة الدول العربية – الامر الذي يعزز جدا ليس فقط دولة اسرائيل، بل ايضا الجامعة كلها – وكل هذا حسب رؤية حلم زئيف جابوتنسكي بشأن الجدار الحديدي الذي يضمن الى الأبد وجود اسرائيل.