من الصراع وإنكار الآخر إلى الإعلان عن خوض الانتخابات التشريعية المقبلة في قائمةٍ موحدة، هذا آخر ما توافقت عليه حركتي حماس وفتح في حوارات تركيا الثنائية يوم الخميس الماضي، حيث طرح اتفاق المصالحة الأخير علامات استفهام حول دوافعه؛ خاصةً مع عدم وضوح "هوية الانتخابات" وإنّ كانت ستجري وفقًا لاتفاق "أوسلو" الذي تم التحلل منه بعد فرض "صفقة القرن"؟ أم ستجري وفقًا لدولة فلسطين المعترف بها دوليًا بصفة مراقب؟، وهل الدافع هي تصريحات فريدمان عن "القيادة البديلة"، أم استشعار بمخاطر ما يجري في الإقليم وضرورة إعادة ترتيب البيت الداخلي؛ لمجابهة المؤامرات التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.
أوسلو أم دولة فلسطين؟
قال عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أسامة الحاج أحمد، إنّ اتفاق حركتي "فتح وحماس" على إجراء الانتخابات في قائمة موحدة، يُعد شأناً داخلياً للحركتين؛ مُردفاً: "لكنّ تم تجربة الثنائية في اتفاقات المصالحة مُنذ اتفاق مكة حتى الشاطئ، وقد فشلت فشلاً ذريعًا".
وأكّد الحاج أحمد في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" على أهمية إجراء حوار وطني شامل؛ باعتباره الضامن الأساسي؛ لنجاح أيّ حوار لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، والضامن لتنفيذ نتائجه أيضًا.
ولفت إلى ضرورة إجراء انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، مُتسائلاً: "الأهم هو أيّ انتخابات نُريد، تحت سقف اتفاق "أوسلو" وإعطاء الشرعية له، أم انتخابات برلمان لدولة فلسطين، سيما أنّنا حصلنا على اعتراف بحقنا كدولة مراقب".
وبالحديث عن مشاركة الجبهة الشعبية في حال إجراء الانتخابات، شدّد الحاج أحمد على أنّ الجبهة ستُشارك في انتخابات المجلس الوطني؛ لكنّ مشاركتها في التشريعية تتوقف على آلية الانتخابات والقاعدة التي ستُجرى عليها.
بدوره، اتفق رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، مع سابقه حول ضرورة تحديد هوية الانتخابات المقبلة، مُتسائلاً: "هل هي انتخابات لدولة فلسطين أو انتخابات للسلطة؛ أيّ تجديد شرعية أوسلو؟!".
وتابع عبد العاطي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "نحن مع إجراء الانتخابات باعتبارها حق دستوري وقانوني، لكنّ في اتفاق فتح وحماس الأخير بتركيا لم يتم تحديد هوية السلطة، من حيث ستكون خادمةً للمشروع الوطني، بمعنى نقل كل المهام لمنظمة التحرير بعد انتخاب المجلس الوطني أو عقد مجلس توافقي بالحد الأدني".
وقال: "نحن بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية، فمن سيُشرف على الانتخابات هل تلك الحكومتين بالأجهزة الأمنية ذاتها، وإنّ كان كذلك يعني بقاء الحال على ما هو عليه، وأيضاً هذا الأمر سيفرض تعقيدات جديدة على ملف الانتخابات".
لا ضمانات لإجراء الانتخابات
وبيّن عبد العاطي أنّه بدلاً من الاتفاق على قائمة مشتركة بين فتح وحماس، الأصل الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن الفائز؛ حتى يتمكن الشعب من محاسبة الحركتين أو القائمين على الانتخابات، مُردفاً: "المطلوب هو توفير كل الضمانات قبل بدء العملية الانتخابية، وكنا نُفضل أنّ تكون الانتخابات تتويجاً لإنهاء الانقسام".
ورأى أنّ الاتفاق الأخير لم يُوفر ضمانات لإجراء الانتخابات، والتي تتمثل في إطلاق سراح 400 معتقل سياسي في الضفة الغربية و30 معتقلاً في غزّة، إضافةً إلى عدم الحديث عن المشرفين على الانتخابات، وقانون الانتخابات الذي لا بد من تغييره، عدا عن محكمة الانتخابات.
وعن إعطاء الأولوية للانتخابات التشريعية، قال عبد العاطي: "إنّ إجراء الانتخابات بالتتابع؛ يعني استمرار تحكم الرئيس الفلسطيني في نتائج الانتخابات؛ فإنّ لم تحظى نتائج انتخابات المجلس التشريعي برضى الرئيس؛ فلن تُستكمل الانتخابات".
وشكّك عبد العاطي في إمكانية إجراء الانتخابات، قائلاً: "السيناريو الأرجح، هو أنّه لن يتم إجراء انتخابات عامة أو للمجلسين التشريعي والوطني، وتحديداً الانتخابات الرئاسية لن تُجرى في حياة الرئيس محمود عباس، لعدم رغبته بوجود بدائل حاضرة، والاستفادة من تجربته مع الزعيم الراحل ياسر عرفات، وذلك بتهميش كل المقربين منه".
وأردف: "تجدد الحديث عن الانتخابات بعد تصريحات ديفيد فريدمان عن القيادة البديلة، رغم أنّ اجتماع الأمناء العامين لم يتحدث عن ملف الانتخابات"، مُضيفاً: "رغم إدراك الكل أنّه ليس بمقدور أحد أنّ يفرض قيادة على الشعب الفلسطيني إلا في إطار الانتخابات".
وأضاف عبد العاطي: "اجتماع الأمناء العامين كان خطابي لتنسيق المواقف، ولإعطاء صورة بأنّ الكل الفلسطيني ملتف حول الرئيس، وهذه الصورة غير حقيقية بسب وجود تباينات واسعة بين القيادة الفلسطينية، ولعدم وجود خارطة طريق".
خارطة طريق مستقبلية
واعتبر أنّ الحوارات الثنائية بمثابة خروج عما تم الاتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامين للفصائل، لافتاً إلى أنّ الهدف منها المحاصصة واستمرار الأوضاع على ما هي عليه، وإعادة إنتاج الانقسام.
واستطرد: "الحوارات الثنائية لم تخرج ببرنامج وطني وسياسي واستراتيجية نضالية شاملة؛ لمواجهة المخاطر المحيطة بالقضية الفلسطينية، أو قرارات تُهيئ المناخ لإجراء الانتخابات، وأولها الإفراج عن المعتقلين السياسيين في الضفة وغزّة، ووقف جريمة العقوبات الجماعية المفروضة على القطاع".,
وتساءل عبد العاطي: "طالما الحديث عن قائمة مشتركة بين فتح وحماس، لماذا لا يتم الاتفاق على البرنامج السياسي وكل نقاط الاختلاف، بدلاً من العودة إلى تكريس الواقع ذاته؟"، مُؤكّداً على ضرورة بدء الانتخابات بالمجلس الوطني وإصلاح منظمة التحرير.
أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، فرأى أنّ إعلان "فتح وحماس" عن الانتخابات في قائمة موحدة أمرٌ متوقع؛ حتى لا يتكرر ما حدث في عام 2006، مُضيفاً: "لكنّ هذه الحسابات لها علاقة بالوضع السياسي الذي لا يسمح لحركة حماس بأنّ تكون شريك قوي في القرار السياسي، وأنّ تحصل على فرصة لقيادة الحكومة؛ لأنّ ذلك سيجر مواقف معادية للشعب الفلسطيني".
واستطرد عوكل خلال حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "سواء كان المدخل انتخابات أو توافق وطني، بمعنى المجلس الوطني الفلسطيني لن يكون هناك مجال لإجراء الانتخابات في كل مكان يتواجد به الشعب الفلسطيني، وبالتالي يتم التوافق حول النسب بما يتعلق بالمناطق التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها، وهذا الأمر يخضع لتفهم الأطراف للوضع السياسي".
وأكّد على أهمية أنّ يكون الاتفاق الاتفاق الثنائي واضحاً حول القادم بعد الانتخابات، بمعنى وضع خارطة طريق واضحة وشاملة للوضع الفلسطيني، مُنوّهاً إلى أنّ هذه الاتفاقات يجب أنّ تتم في إطار وطني وبمشاركة الفصائل والمجتمع المدني.
وأوضح: "الشراكة لا تعني حماس وفتح فقط، بل الكل الوطني الفلسطيني، لذلك لا بد من رسم خارطة طريق للمستقبل بمشاركة كل أطياف العمل السياسي، ولكنّ في ظل الحوارات الثنائية ترفض الفصائل الأخرى أنّ تكون شاهد زور".
وبيّن عوكل أنّ ما تم إعلانه عن نتائج الحوارات الثناية في تركيا، أدى لردود فعل رافضة لثنائية القرار، مُستدركاً: "من غير المعقول أنّ نخرج من التفرد بالقرار الفلسطيني إلى الثنائية".
وختم عوكل حديثه، بالقول: "الشعب الفلسطيني حي وحركته السياسية ناشطة ومُلمة بالصراع مع إسرائيل"، داعياً إلى ضرورة إشراك كافة الفصائل والمجتمع المدني والأهلي، وإنهاء التفرد أو الثنائية بالقرار الوطني الفلسطيني.