الانتخابات الفلسطينية معركة الديمقراطية في مواجهة الاحتلال

مجدلاني.jpg
حجم الخط

بقلم: أحمد مجدلاني

يتجه الفلسطينيون اليوم بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الانقسام وتفتت وحدة الوطن الجغرافية والسياسية إلى مقاربة مختلفة لمعالجة قضية الانقسام والمصالحة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية في النظام السياسي الفلسطيني. هذه المقاربة الجدية، وبصرف النظر عن متطلبات الضرورة التي أملتها على كل الأطراف، جاءت تتويجاً لاجتماع الأمناء العامين وأحد مخرجات هذا الاجتماع الذي عُقد ما بين رام الله وبيروت في الثالث من أيلول الماضي.
المقاربة الجديدة تقوم على المدخل الديمقراطي بعد فشل المحاولات البيروقراطية في الاتفاقات السابقة، بدءاً من اتفاق 2011 وصولاً لاتفاق 2017 في معالجة أزمة الانقسام الذي هدد وحدة الوطن الجغرافية ووحدته الاجتماعية والسياسية، ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني.
المقاربة الجديدة تقوم على أساس الاحتكام لصندوق الاقتراع ولاختيار الشعب لممثليه في المجلس التشريعي، والذين سيكونون، حكماً، أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، برلمان الشعب الفلسطيني أينما تواجد، وهذه العملية المترابطة والمتوالية في مراحلها تفضي لمعالجة وضع مؤسسات الدولة من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية من الكتل الفائزة أياً كان حجمها، مهمتها الأساسية توحيد المؤسسات ومعالجة كافة تداعيات الانقسام منذ الانقلاب عام2007.
التوافقات التي جرت في إسطنبول بين وفدَي حركتي فتح وحماس، هي ايضاً إحدى نتائج ومخرجات اجتماع الأمناء العامين، والحوار الثنائي أساس يُبنى عليه الحوار الشامل وليس بديلاً له، لأنه يوفر المناخ لمعالجة القضية الجوهرية التي جرى الانقسام عليها وهي السلطة.
إن التوافق على نظام الانتخابات بالنسبية الكاملة والوطن دائرة انتخابية واحدة، ونسبة الحسم 1.5%، من شأنه أن يفتح الباب أمام التعددية السياسية في البرلمان القادم، ويوسع دائرة المشاركة، كما من شأنه أيضاً يشجع التحالفات والائتلافات في القوائم الانتخابية سواء قبل الانتخابات أم بعدها.
ولا يخفى علينا ونحن نتحدث عن آمالنا الكبيرة بهذا الإنجاز، التحديات السياسية الكبيرة والخطيرة التي تواجه شعبنا وحقوقه ومستقبله على ارضه ومستقبل لاجئيه في المهجر والشتات، والمحاولات الرامية للاستيلاء على النظام السياسي الفلسطيني عبر الدعوات المشبوهة من أطراف دولية، وإسرائيلية، لتغيير القيادة الفلسطينية التي شكلت بموقفها الصامد العقبة الكأداء في مواجهة وإحباط مشروع ترامب المسمى صفقة القرن، ومكونه الإسرائيلي سياسة الضم، وامتداده الإقليمي التطبيع مع العالم العربي لصنع سلام عربي – إسرائيلي موهوم كبديل عن السلام الفلسطيني – الإسرائيلي.
آمالنا الكبيرة ونحن في مواجهة هذه التحيات مبنية على ثقتنا بشعبنا واستنهاض قواه الحية، وإعادة الحياة الديمقراطية ومشاركته الفاعلة فيها، وفي تخطي العقبات المحتملة التي قد يضعها الاحتلال أمام نجاح العملية الديمقراطية سواء في القدس ام في المناطق المصنفة (ج) أو أي عقبات أخرى قد يلجأ إليها للتعطيل والإفشال. لكن إرادتنا الحرة هي أن نحول الانتخابات إلى ميدان للاشتباك السياسي مع الاحتلال الساعي لمنع شعبنا من ممارسة حقه الديمقراطي الأصيل، وتجنيد الموقف الدولي في هذه المعركة لردع الاحتلال وفضح ديمقراطيته الزائفة، فهذه المعركة بنتائجها، هي كسر لمعادلة استمرار وإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، لأنه يستهدف تحلل وإضعاف المؤسسات والقيادة الشرعية الفلسطينية وانهيارها لفرض خيار القيادة البديلة، لذلك فإن معركة الانتخابات كما هي معركة اشتباك مع الاحتلال ولتجديد شرعية النظام السياسي برمته، وضخ دماء جديدة فيه، وتحدٍ لأصحاب مشاريع البدائل بأن خيارات شعبنا ما زالت وطنية ديمقراطية، وسوف تستمر حتى تحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
وأخيراً لمن يضعون العقبات والعراقيل من الداخل بأن هذه الانتخابات سوف تجري على قاعدة اتفاق أوسلو، فإن قرارات القيادة الفلسطينية التي أعلن عنها الرئيس محمود عباس في 19 أيار الماضي، نقطة فاصلة ونهائية وقطع الصلة مع الاتفاقيات المرحلية. ولغيرهم أيضاً ممن يبحثون عن ذرائع ويختلقون أسباباً وهمية لتعطيل المسار الديمقراطي، فإنهم، بوعي أو بغير وعي، ينقلون الشعب الفلسطيني، والحالة الراهنة التي يعيشها من الأزمة الى المأزق الذي يفتح الطريق أمام البدائل الأميركية الإسرائيلية الإقليمية، والتي في نتيجتها تبديد للحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.