لعلها "المفاجأة" الأهم في المشهد الإسرائيلي الأخير، الذي أنتجته عملية "فك الارتباط" الحكومي والذهاب نحو انتخابات رابعة، تلك الاستقالة المسببة برسالة علنية، التي تقدم بها وزير المياه الليكودي "جدا" زئيف إليكن.
ولم يكن صدفة، ان احتلت رسالة الوزير الأكثر قربا لـ "حاكم الليكود" مساحة نقاش واسعة في الإعلام العبري، كما أصابت أعضاء حزبه بصدمة فقدوا معها كثيرا من صواب الكلام، وصل الأمر بهم للسخرية من منصبه الوزاري، باعتباره وزيرا لـ "المجاري"، لغة كشفت انحطاط فريد في "الخصومة السياسية"، وتزيل كثيرا من "هالة" اعتقد كثيرا من بني جلدتنا العرب أنها لديهم ليست كما لدينا، لكن الواقع أن "الانحطاط السياسي" فريدا في لغته عندهم...
وبعيدا عن سقوط لغة الحوار، فمضمون الرسالة بذاته يستحق القراءة السياسية، كونه تجرأ وفتح صندوق الكلام على "الشخص الفرد" الذي تمكن من صياغة الحزب وفقا لمقاسه ورؤيته، ولعل رسالته، تكتسب قيمة سياسية أعلى من خطوة انشقاق جدعون ساعر، الطامح الى قيادة حكومة دولة الكيان، ويبدو أنه في الطريق اليها، كون إليكن وضع نقاطا واضحة لما حدث، ولما خرج، وما فعل نتنياهو في السنوات الخيرة.
الجوهري في رسالة الوزير الملقب بـ "الذئب"، أن نتنياهو أدخل إسرائيل في أزمة كبرى لإرضاء نزواته الخاصة،..."أشعر أكثر فأكثر أن اعتباراتك الشخصية وأهواء بيئتك المباشرة تلعب دورًا مركزيًا بشكل متزايد في عملية صنع القرار، والتي غالبًا ما تكون حاسمة لإسرائيل ومواطنيها". ويكمل "باعتباري شخصًا يشاهد هذه العملية الخطيرة عن كثب، أشعر بالقلق أكثر فأكثر، وثقتي بك وبنواياك تتصدع أكثر فأكثر. الاعتبار الشخصي يختلط بالاعتبارات الوطنية بل ويفوقه أكثر فأكثر".
استقالة ستفتح باب "الردح السياسي" بين الحزب الذي سيطر على مناحي الحكم في دولة الكيان، وقد يكون هناك كثيرا من "أسرار الحزبية" التي لم تكن ضمن المشهد الخارجي العام، مع أنها ترتبط بالحياة الداخلية في إسرائيل.
ما يستحق الاهتمام فلسطينيا، من رسالة "الذئب" الى نتنياهو ما يتعلق بالجوهري منها حول "بناء البيت الحزبي"، والعلاقات الداخلية بين "القائد" و"القيادة"، حيث تحتل قضية إعادة الحياة الى المؤسسة الرسمية الفلسطينية أولوية مطلقة تستبق كل خطوات سياسية قادمة.
فمسألة إعادة الاعتبار للعلاقات الداخلية بين مكونات "الشرعية" بكل أطرافها، فصائلا ومنظمة، يجب ان تبدأ فورا، وقبل فوات الآوان، فالحراك الذي انطلق علنا وغير علني لا يمكنه الانتظار، وقبل ذلك فـ"ثغرات" المشهد الداخلي ستترك أثرها على التمثيل الوطني، بعيدا عن كيفية التعامل معه، والأهم أن كل تنفيذ لاتفاق ما في حال أن كان، لا يمكنه أن يسير بسلاسة دون واقع وطني صحي، فالأمر ليس تحقيق "اتفاق خارجي" دون "توافق داخلي"...تلك مسألة يجب أن يراها من يقف على رأس الشرعية الرسمية.
يجب أن لا تصبح لغة "مديح الظل العالي" هي الناظم الكلي لترتيب المؤسسات الوطنية، قوى وأفراد، فتلك مآلها واضح تماما، سيقود الى "خراب" المؤسسة لترضية الفرد، لتكون أداة هدم وليس بناء.
ليس خطيئة ان تستفيد الحركة السياسية مما يحيط بها، لتحمي ذاتها وتطورها خدمة لمشروعها الوطني، وأن تكون بعض دروسها حاضرة لتصويب مسار لم ينتج خيرا وطنيا، بل لعل الذي كان تدميرا لجوهر المشروع الوطني، ولا وقت للانتظار.
لافتة : ملوح...شخصية إنسانية كسرت "تابو" كثيرا من ملامح الحزبية الفلسطينية...قائد أدرك أن الوطنية ليست شعارا في مهرجان، بل سلوكا خارج الإعلام...ملوح فلسطيني يختلف معك وقد يكون خلافا حادا دون أن ينال من الآخر وطنيا...ملوح لم تسمعه يستخدم تعبير "خائن" لغير فلسطيني...ملوح مات بهدوء خاص ورحيل خاص...سلاما يا صاحب الطلة المريحة وأنت تدخل المكان، أي مكان...سلاما يا إنسان ورفيق وصديق...سلاما أيها الفلسطيني...سلاما يا ملوح!