لماذا غيّرت "حماس" موقفها من الانتخابات؟

حجم الخط

بقلم هاني المصري

 

 

تضمّنت الرسالة التي وجهها إسماعيل هنية إلى الرئيس محمود عباس موافقة حركة حماس على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتوالي والترابطـ، خلال ستة أشهر من إصدار مرسوم أو مراسيم الانتخابات. فلماذا غيّرت حماس فجأة موقفها من الانتخابات المتزامنة إلى المتتالية، وهل يجعل هذا التغيير طريق إجراء الانتخابات ممهدًا؟

رواية "حماس" القائلة بأن تغيير موقفها يعود إلى حصولها على ضمانات من دول عربية وأجنبية صديقة بالتزام الرئيس بإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر غير ملائمة، إذ تشير إلى وضع الشؤون الفلسطينية بأيدي الآخرين، ولا يمكن أخذها على محمل الجد، فكيف تضمن هذه الدول إجراء انتخابات المجلس الوطني للفلسطينيين في الخارج وهي لا تريدها، وهذا الأمر ليس بيدها، بل بأيدي الفلسطينيين أولًا، وأيدي البلدان التي يقيم فيها الفلسطينيون في اللجوء والشتات ثانيًا.

فعلى سبيل المثال، إن إجراء الانتخابات للفلسطينيين في الأردن - الذين يشكلون أكثر من ثلث الفلسطينيين - بحاجة إلى إعداد سجل للناخبين، وإلى موافقة الأردن وموافقة فلسطينيي الأردن أنفسهم، فليس من السهل أبدًا أن يشارك فلسطيني يحمل الجنسية الأردنية في انتخابات ستسبب له إشكالات على خلفية ما تثيره من ازدواج في الولاء في وقت القضية الفلسطينية أبعد ما تكون عن الحل العادل المطلق أو النسبي.

يمكن لو هناك إرادة وجدية لدى القيادة والقوى الفلسطينية لجرى البحث مع الأردن في مسألة مشاركة الفلسطينيين في الأردن المقيمين ممن لا يحملون الجنسية الأردنية، الذين يقدر عددهم بمليون فلسطيني، وهذا أمر صعب حدوثه أيضًا، ولكن يستحق اختباره على أرض الواقع.

الحقيقة أن لا نية لإجراء الانتخابات للمجلس الوطني في الخارج وهذا أمر معروف ومسكوت عنه، وإن ما يمكن أن يجري في أحسن الأحوال فيما يتعلق بتمثيل الفلسطينيين في الخارج التوافق الوطني على أساس "نظام المحاصصة".

ما سبق يعني أن تغيير موقف "حماس" لا يعود إلى الضمانات التي حصلت عليها، بل هذا كان سلمًا للتراجع لا أكثر، لذا لنجرب البحث عن تفسير آخر.

تدرك "حماس" مثل "فتح" والآخرين مغزى سقوط دونالد ترامب ونجاح جو بايدن، وهي تسعى لتأهيل نفسها على طريقة تناسبها بدعم من حلفائها، وخصوصًا قطر وتركيا والإخوان المسلمين، للاستعداد لتوليه سدة البيت الأبيض، أسوة بما فعل الرئيس والسلطة في رام الله حين أجرت سلسلة من التغييرات بدأت بإعادة العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومرورًا بتغيير مرجعية وأسس التعامل مع الأسرى، ولم تنته بتبني موقف معتدل جدًا من استئناف العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة لا يشمل دعوتها التراجع عن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فضلًا عن القبول باستئناف المفاوضات من دون شروط كما صرح رياض المالكي وأكثر من "مسؤول فلسطيني رفيع" لمصادر إعلامية إسرائيلية وأجنبية، وذلك لضرب الحديد وهو ساخن، وإقناع سيد البيت الأبيض الجديد بالاهتمام بالقضية الفلسطينية بدلًا من وضعها في آخر سلم الأولويات، وكانّ الاهتمام وحده كافيًا، وليس ضمن أي سياق ولتحقيق أية أهداف.