لماذا تصر «حماس» على التمسك بمعبر رفح المغلق...!!!

عطالله
حجم الخط

-خبر-كتب:أكرم عطا الله

01 تشرين الثاني 2015


من يتابع ما يصدر في إسرائيل ومراكز دراساتها يمكن له أن يعرف سواء بكتابات مباشرة أو غير مباشرة أن الانقسام بين غزة والضفة يحظى برعاية وحراسة إسرائيلية لا تغمض عينها عن إدامته لأسباب إسرائيلية متعددة يعرفها الجميع وآخرها ما كتبه رئيس مركز بيغن السادات أفرايم عنبار في ورقة تقدير الموقف التي رفعها للحكومة في شهر آب الماضي، والنتيجة الطبيعية لأي متابع ومهتم بات يدرك أن لا نهاية لهذا الانقسام وأن كل لقاءات المصالحة هي مجرد لقاءات شكلية ليس من المصادفة أنها بلا نتائج منذ ثماني سنوات.
في الضفة وطأة الانقسام أقل بما لا يقاس عنها في غزة التي توقفت فيها الحياة بعد سيطرة حركة حماس ودخلت في كومة من الأزمات التي استنسخت مآسي بلا حدود من حروب وانعدام الكهرباء وانهيار الاقتصاد وطوابير البطالة لكن الأسوأ من كل ذلك معبر رفح الذي بدا في العام الأخير كأنه جزء من الماضي وحول سكان القطاع إلى مجموعات من الأسرى ينتظرون أجل غير مسمى من أجل الإفراج عنهم وبلا أي فعل من قبل الحركة المسيطرة للتخفيف من الأزمة.
لا أعرف كيف تفكر حركة حماس وما هو سر الإصرار بالسيطرة على معبر مغلق بل أن استمرار وجودها فيه أصبح يعني بوضوح إغلاق الحياة أمام مليونين من البشر لهم مصالحهم وقضاياهم، هذا الأسبوع نشر خبران متضاربان، الأول من مصادر مجهولة في حركة حماس تقول إن الحركة تدرس فكرة التخلي عن المعبر، وقبل أن ننتظر انتهاء المشاورات صدر ما يبدد أي أمل في هذا الملف عن المهندس زياد الظاظا نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة حركة حماس نافياً وبشدة أن هناك أي تفكير بذلك قائلاً إن حركة حماس ليست احتلالا.
وإن كان ما يقوله المهندس الظاظا صحيحا ولا داعي لتكراره، لكن الضرورات تبيح المحظورات وهنا المحظور هو أن يدخل شعب بكامله داخل السجن من أجل تواجد موظفي حركة حماس، والضرورة هنا هي كيفية التفكير باستئناف حياة سكان القطاع وتواصلهم مع العالم وفك عزلتهم المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات وتلك ضرورة شرعية وإنسانية ووطنية تتطلب القبول بالمحظور.
هل يشكل ما هو قائم حلاً بالنسبة لحركة حماس؟ وعلام تراهن؟ هل على المصالحة؟ فتلك تتبدد أكثر مع مرور الزمن والسنوات، فماذا لو استمر هذا الحال لعشرين عاماً قادمة؟ وقد يكون نسبة نجاح المصالحة تكاد تبدو منعدمة مع وجود الإسرائيلي، وقد يستمر حكم الرئيس السيسي لعشرين عاماً أو أكثر وهو الذي وضع سياسة المعبر «مع الاعتراض على تلك السياسة» فهل يمكن أن يكون ذلك مقبولاً بالنسبة لحركة شعارها الأول التضحية من أجل شعبها وكيف يمكن فهمه والضحية هنا هو سكان القطاع من أجل موظفي المعبر؟
سبعون طالباً نجحوا بالحصول على منحة دراسية في الجامعات التركية ينتظرون منذ نهاية آب الماضي السفر للالتحاق بجامعاتهم وقد انقضى شهران من بداية العام الدراسي وعلى وشك أن يفقدوا المنحة، وهؤلاء جزء من النماذج المأساوية المتكررة ومثلهم مئات وربما آلاف يؤبنون مستقبلهم على قارعة الانقسام ومصالح الفصائل على حساب مصالح الشعب، فعودة هؤلاء الطلاب في تخصصات الطب ضرورة وطنية لإحياء قطاع الصحة الذي دخل في حالة غيبوبة مع السنوات وتقادم الأطباء القدامى ووفاة معظمهم وتقاعد البعض الآخر، إنها عملية تداول الأجيال لاستمرار الحياة فما بالنا حين يتعلق الأمر بصحة الناس.
على «حماس» أن تتخذ قراراً بخصوص المعبر، لا أحد يمكنه إقصاءها طالما أنها جزء من صندوق الانتخابات ولكن عليها أن تستكمل تضحياتها من أجل شعبها حين يتعلق الأمر بالتواجد في المعبر في ظل إصرار كافة الأطراف على مغادرتها وربط فتح المعبر بتلك المغادرة بدل هذا التآكل المستمر لمقومات الحياة في القطاع فلتغادر المعبر بدل أن تغادر غزة الحياة، ليت الرئيس صدام حسين غادر العراق بدل أن تغادر العراق كلها، وليت القذافي غادر ليبيا بدل أن تغادر ليبيا وليت عبد الله صالح فعلها في اليمن وليت الرئيس السوري غادر بدل أن تغادرنا سورية وليت «حماس» تغادر المعبر.
ليس مهماً بالنسبة لنا من يتواجد على المعابر بل ان القلق يستبد بنا على مستقبل أبنائنا حين لا نتمكن من تعليمهم ويبقون سجناء في واقع أعجز من أن يوفر لهم فرصة عمل، قد نتفهم صراع الفصائل على السلطة وتقسيم الوطن وإيجاد وظائف لكبار مسؤوليها لكن أن تحولنا هذه القوى إلى مجموعة من السجناء ويصل عبثها إلى داخل بيوتنا ومستقبل أولادنا فهذا لا يمكن فهمه بأي شكل، عليها أن تبحث لنا عن حلول تتفاهم ...تتحاور... تحاول أن تجد حلولاً جزئية لقضايا إنسانية ملحة حين تفشل في حل القضية الوطنية الكبرى للاحتلال، وحين تفشل في إعادة توحيد النظام السياسي على الأقل يمكن إحداث اختراق في الجزئيات كالكهرباء والمعابر كما تم التفاهم في التعليم والصحة وتلك لا تحتاج إلى معجزة.
لا أحد يفهم ان كان هناك ضرورة أمنية للوجود على المعبر كل ما نفهمه أن الموظفين هناك موجودون للخدمة، وأن الحديث عن السيادة هو حديث يشبه تماماً الحديث عن السيادة في رام الله، فحين نحتاج إلى إذن إسرائيلي لصيد السمك من البحر يصبح الحديث عن السيادة أشبه بنكتة، بإمكان حركة حماس العودة خطوة للوراء، أن تكون موجودة من خلف الستار تتابع عن قرب ما يجري في المعبر بإمكانها أن توجد صيغة مراقبة وتحكم حتى، أن تنشغل أكثر بمهماتها التحررية لكن هذا الجمود القاتل إلى هذه الدرجة يدعو للقول صراحة أنه لم يعد مقبولاً.
تلك ضرورة اللحظة والظروف وتوازن السياسة وواقعيتها ضرورة البحث عن حلول وسط توفق بين مصالح الحزب ومصالح الشعب، لا نطلب أن يموت الحزب من أجل الشعب ولكن أيضاً لا يموت الشعب من أجل الحزب،  تلك المعادلات التي حكمت العقل العربي وعلاقته بالسلطة،  علاقة إقصائية محكومة لثنائية «إما - أو» بلا تنازلات حتى لو دمرت الأوطان، علينا أن نفكر بطريقة مختلفة بعد ثورات شعوب تهرب إلى أوروبا، على حركة حماس أن تبادر وأن تجد حلولاً ابداعية توفق بين مصالحها ومصالحنا، «حماس» جزء من النظام السياسي الفلسطيني لكن هنا لماذا لا تبيح الضرورات الحد الأدنى من المحظورات؟