ماذا وراء خطاب كوخافي بشأن إيران؟

حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي*

 

 


في هذه الأيام وقبل بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، يستخدم اللاعبون الشرق أوسطيون أفضل ما لديهم من أدوات ضغط للتأثير في إدارة بايدن ودفعها في الاتجاه الذي يرغبون فيه. عامل الوقت يلعب دوراً مهماً. بالنسبة إلى النظام في طهران من المُلِح والعاجل رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب بسرعة، كي يستطيع الاقتصاد البدء بالتعافي، ولكي يشعر المواطن الإيراني بذلك.
في الجهة المضادة، من المهم لإسرائيل والسعودية والإمارات وسائر حلفاء الولايات المتحدة حدوث العكس تماماً: أن تبتز الولايات المتحدة أكبر عدد ممكن من التنازلات من إيران قبل البدء برفع حظر النفط عليها والقيود على نشاطاتها في الساحة المالية الدولية.
في المقابل، يحتاج واضعو السياسات في واشنطن إلى وقت - أولاً من أجل بلورة مخطط إدارة الحوار الدبلوماسي مع إيران، وبعد ذلك المفاوضات بحد ذاتها، وأخيراً التنفيذ. هذه مهمة صعبة للغاية عندما يكون المقصود الولايات المتحدة وإيران، اللتين فُقِدت الثقة بينهما. لذلك يسعى وزير الخارجية الأميركي الجديد، توني بلينكن، لخفض التوقعات وإقناع الأطراف بالتحلي بالصبر. هو لا يريد أن ينجذب الإيرانيون إلى القيام باستفزازات كي يثبتوا للولايات المتحدة أنهم سيتوجهون بسرعة نحو سلاح نووي إذا لم تسارع إلى رفع العقوبات. وهو أيضاً لا يريد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل، الشعور بأن أميركا تخلت عن مصالحهم ويتحركون بتسرّع للدفاع عنها.
في ضوء هذا كله، أوضح بلينكن لجميع المعنيين، في مؤتمر صحافي في واشنطن، مؤخراً ، أن عملية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ستستغرق وقتاً. الكثير من الوقت. كما أوضح أنه يتوقع أن تقوم إيران بالخطوة الأولى وتلغي انتهاكاتها للاتفاق النووي. سفير إيران في الأمم المتحدة رد عليه في اليوم عينه وقال، إن الولايات المتحدة هي التي يجب أن تقوم بالخطوة الأولى.
من المعقول الافتراض أنه في نهاية مفاوضات مسبقة بين الولايات المتحدة وإيران، سنشهد عملية على مراحل، ستقوم في بدايتها الإدارة في واشنطن والحكم في طهران بخطوات صغيرة وبانية للثقة تجاه بعضهما. إذا تحقق الهدف وبُنيت الثقة سينتقلان إلى المرحلة التالية - بحسب طلب الولايات المتحدة، وربما بمشاركة سائر الدول التي وقّعت الاتفاق - وسيناقش الطرفان إدخال تعديلات وتغييرات على الاتفاق الأصلي، في الأساس تتعلق بالجدول الزمني.
بعد هذه المرحلة، من المعقول أن يقوم موظفو بايدن برفع كامل للعقوبات التي فرضها ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي. لكن، ستبقى كتلة أساسية من العقوبات أو تهديد باستخدامها لتشجيع الإيرانيين على البحث مع الأميركيين بموضوعات لم يُغطِّها الاتفاق النووي الأصلي. وفي رأس هذه الموضوعات «مشروع السلاح» (تطوير، إنتاج، وتجربة رأس حربي نووي)؛ تقييد تطوير وإنتاج صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رأس حربي نووي؛ تعهُّد إيراني بالتوقف عن تخريب استقرار دول المنطقة والسيطرة بالعنف بواسطة وكلائها في دول ومناطق في الشرق الأوسط. في هذه المرحلة سيكون هدف واشنطن التوصل إلى اتفاقات جديدة.

دوافع كوخافي
صورة الوضع التي وُصفت هنا، والمعلومات الاستخباراتية التي تصل من الأرض، هما في تقديري اللذان دفعا رئيس الأركان كوخافي إلى أن يقول كلاماً واضحاً موجهاً إلى أسماع واشنطن وأيضاً إلى طهران. من المهم بالنسبة إلى كوخافي أن يعرف الجمهور في البلد ويفهم التهديد بكل تداعياته. قال كوخافي، من بين أمور أُخرى: «العودة إلى الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015، أو حتى إذا صار هناك اتفاق جديد مشابه مع بعض التعديلات، هو أمر سيئ وخطأ. أيّ أمر يرفع الضغوط (العقوبات عن إيران) سيقدم لها الأكسيجين والهواء والوقت لكي تواصل خرق الاتفاق الحالي. يجب القيام بعملية سريعة لا يكون في نهايتها لدى الإيرانيين أي قدرة – وليس فقط قنبلة، بل أيضاً لا يكون لديها قدرة على الاندفاع نحو قنبلة (إنتاج رأس حربي خلال أسابيع).
وأضاف كوخافي إلى خطابه تهديداً، تقريباً مباشراً، عندما وصف التحضيرات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بقيادته للهجوم على إيران، متى وإذا تحققت توقعاته.
يمكنني الجزم أنه لم يكن لدى رئيس الأركان أجندة أُخرى لها علاقة بالصراعات التي يخوضها من أجل ميزانية الجيش في مواجهة وزارة المال، أو بعلاقته برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، غير الجيدة في الفترة الأخيرة. لكن الأمور التي قالها كوخافي في الشأن الإيراني هي دون شك تكرار لموقف رئيس الحكومة، وأيضاً يمكن أن تدعم مطالبة الجيش بزيادة مالية خاصة لتمويل الاستعدادات لهجوم على إيران.
من هنا، مَن يبحث عن مصلحة دفعت كوخافي إلى قول هذه الأشياء لن يجد صعوبة في العثور عليها. لكن بعد فحص قمت به مع بعض الجهات التي لها علاقة بالموضوع، ومن خلال معرفتي بكوخافي، أجزم أنه تحدث انطلاقاً من قلق عميق وبموجب مهمته - وليس لأن هناك مَن أملى عليه ما يقوله وما لا يقوله. بعد الخطاب قال كوخافي للمحيطين به، إن من واجب رئيس الأركان التحذير والإشارة إلى مخاطر وتهديدات وجودية عندما يراها، حتى لو تعرّض نتيجة ذلك لانتقادات بحجة أنه اقتحم مجالاً مخصصاً للسياسيين ويمكن أن يمس بالعلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة في واشنطن.
فيما يتعلق بالعلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، أعرف بصورة أكيدة أن رئيس الأركان قال كلاماً مشابهاً وتفصيلياً أكثر لرئيس الأركان الأميركي، مارك ميلر، الذي زارنا قبل أسابيع معدودة. لذا واشنطن تعرف بدقة ما يفكر فيه كوخافي - والآن، العالم أيضاً كله يعرف. يمكن التقدير أن الكلام العلني الذي قاله كوخافي يهدف تحديداً إلى تقوية اليد الأميركية في لعبة البوكر التي تلعبها إدارة بايدن مع الإيرانيين. حقيقة أن واشنطن لم ترد أبداً على كلام رئيس الأركان الإسرائيلي، بينما سارع مستشار خامنئي إلى معارضتها والزعم أنه ليس من حق إسرائيل تهديد إيران، تعزز هذا التقدير.

ثلاثة عيوب في الاتفاق
ما يقلق رئيس الأركان والقيادة الأمنية الإسرائيلية ثلاثة عيوب أساسية في الاتفاق الأصلي. على رأس هذه العيوب هناك البند المسمى «غروب الشمس» (Sunset)، أو باختصار بند الغروب الذي وفقاً له، تستطيع إيران في سنة 2030 إدارة مشروع نووي كامل دون أي قيود، عند انتهاء صلاحية الاتفاق الأصلي الموقّع في تموز 2015. هذا البند يسمح لإيران بالقيام بكل الاستعدادات المطلوبة لإنتاج قنابل نووية بموافقة المجتمع الدولي. ومن هناك تقصر المسافة جداً للوصول إلى رأس حربي نووي أو دولة «على عتبة النووي»، قادرة على الاختراق نحو القنبلة خلال أسابيع دون أن يستطيع أحد كبحها بعملية دبلوماسية أو عسكرية.
الخلل الآخر الأساسي هو أن الاتفاق بين إيران والدول العظمى لا يمنع إيران من تطوير السلاح النووي بحد ذاته. لم تقر إيران بوجود ما يسمى «مجموعة السلاح» التي كان يترأسها مباشرة محسن فخري زادة الذي اغتيل، لذا يتجاهل الاتفاق هذا المكون الأساسي في المشروع النووي العسكري، ولا يمنع إيران من تنفيذه لأنه لا يخضع لرقابة تمنع وجوده.
المشكلة الثالثة الأساسية في الاتفاق هي أجهزة الطرد المركزي السريعة من النماذج الجديدة التي طورتها إيران، وبدأت، الآن، بتركيبها في منشآت تحت الأرض في نتانز وفوردو.
يتخوف كوخافي من أنه سواء جرت المفاوضات بين إدارة بايدن وطهران أو لم تجر، لن يوافق الإيرانيون على إصلاح هذه العيوب، كما لن يوافقوا على التنازل عن الصواريخ البعيدة المدى. في المقابل، الأعمال التخريبية التي تقوم بها إيران بوساطة وكلائها لا تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل. لذا ليست في مركز مخاوف رئيس الأركان.

عن «يديعوت»
*محلل عسكري.