إسرائيل أمام «مثلث التحديات»: مطلوب زعيم حكيم

حجم الخط

بقلم: إيهود باراك*

 

 


قبل الانتخابات يجب علينا التركيز على ثلاث نقاط:
1- ما هو الوضع؟
2- ما الذي يجب عمله؟
3- ما هي القيادة المطلوبة من أجل فعل ذلك؟
ما هو الوضع باختصار؟ في ظل هذا الوباء المخادع، وفي ظل كارثة إنسانية واقتصادية كبيرة، يواجهها زعماء وحكومات في أرجاء العالم، تجري في إسرائيل، فقط في إسرائيل، محاولة منفلتة العقال لانقلاب في السلطة هدفه إنقاذ شخص واحد من رعب القانون. هذا هو السبب الوحيد في أنه خلافاً للعالم الحر، فقط في إسرائيل توجد، الآن، جولة انتخابات رابعة خلال سنتين. وربما أن الجولة الخامسة للانتخابات في الطريق. فقط في إسرائيل تعمل قوانين طوارئ ومتابعة من أجهزة الأمن للمواطنين. فقط في إسرائيل لا توجد ميزانية للدولة منذ العام 2018. فقط في إسرائيل يسارعون ليقصوا على الأصدقاء ما الذي حدث خلال عملية حدثت في طهران، لكنهم يفرضون حظراً لمدة ثلاثين سنة على نقاشات «كورونا».
فقط في إسرائيل، يحمون النائبة العامة في محاكمة رئيس الحكومة مثلما يؤمنون الحماية للمدعين العامين في محاكمات رؤساء منظمات الجريمة، وللاسباب ذاتها. فقط في إسرائيل، يخادعون بشأن بيانات العدوى والاصابة. فقط في إسرائيل، هناك استيراد مكثف لفيروس كورونا وسلالاته رغم أننا دولة تشكل جزيرة. فقط في إسرائيل، الشهوة الجنسية تحل محل الرحمة البشرية. يركضون لالتقاط الصور مع إرسالية للتطعيمات في مطار بن غوريون، ويعملون عرضا احتفاليا لحقنة وخزت ذراعا مميزة. ولكنهم لم يجدوا طريقة لكي يرافقوا بألم ولو عائلة واحدة من بين الخمسة آلاف عائلة التي فقدت أعزاءها أو زيارة بيت شخص انهارت مصلحته التجارية ومعها انهارت حياته وأحلامه.
ما الذي يجب فعله؟ أولاً وباختصار، في موضوع «كورونا» مطلوب قبل أي شيء تنفيذ القانون. نهاية التلعثم: يجب أن تُفرض وبتشريع سريع مسؤولية جنائية على المخالفين للقانون الذين يخرقون تعليمات «كورونا». مثلا، رئيس مؤسسة تعليم أو صاحب قاعة افراح. ويجب التوقف عن ضخ ميزانيات للزعران. صدقوني، هذا سينجح. ثانيا، يجب تعزيز قدرة عمل الجهاز الصحي، الذي تم تجويعه من قبل الحكومة منذ عقد، عن طريق ضخ 10 مليارات شيكل اخرى الى المستشفيات، ومن اجل مضاعفة قدرة معالجة المرضى في حالة صعبة بثلاثة أضعاف.
بعد سنة على الوباء، كان يجب أن يكون لدينا ليس فقط 400 سرير للعناية المكثفة والطواقم، بل 1200 سرير على الاقل. كان هذا سيوصلنا الى مستوى الدول الرائدة في الاتحاد الاوروبي. وحتى، الآن، يوجد لدينا نصف عدد الأسرة للعناية المكثفة. من اجل ذلك مطلوب تقديم مكافأة كبيرة للاطباء والممرضات الذين يوجدون في واجهة الصراع، وإيجاد كادر احتياط لتشغيله في حالة الطوارئ، من الاطباء والممرضات الذين استقالوا في السنوات العشر الاخيرة، والى جانبهم طلاب وممرضات من السنتين الاخيرتين في كليات الطب والتمريض، وتشغيل اقسام كورونا داخل الملاجئ تحت الارض، التي قمنا ببنائها لاوقات الطوارئ تحت المستشفات الكبيرة.
ثالثا، يجب تطبيق نموذج تفاضلي واضح بصورة العلاج، بالأفعال وليس وبالأقوال. لا يوجد سبب في أن «كفار سابا»، التي يوجد فيها 3 في المئة من المصابين المؤكدين، تكون في حالة إغلاق، في حين أنه في بلدات لديها 30 في المئة من المصابين المؤكدين والتي توجد رسميا في حالة اغلاق، فعليا كل شخص فيها «يعمل ما يشاء». هذا ببساطة عجز على خلفية سياسية، فشل. يجب استبدال من هو مسؤول عن ذلك. ومثلما قال مارك توين: «السياسيون والحفاضات يجب استبدالهم بين الحين والآخر، وللأسباب ذاتها».
رابعا، مطلوب فتح كامل، حتى لو كان بالتدريج الى حد ما، للاقتصاد والمجتمع. يجب البدء بتعلم العيش الى جانب «كورونا» بمعيار المسؤولية المتبادلة لـ»كفار سابا» التي ذكرت أعلاه. العودة الى الطبيعية، حتى لو كانت سترافقنا الكمامة والابتعاد لمسافة مترين والفحوصات لفترة طويلة.
الامر الأخير هو التطعيمات: يجب استكمالها بسرعة، لكن الاستعداد لاحتمالية أن نحتاج لاجراء تحسينات في التطعيمات في كل سنة، مثلما في الانفلونزا، وربما حتى كل تسعة أشهر.
هناك بضع كلمات عن الاقتصاد والكارثة الاجتماعية. أولاً، يجب إنشاء مجلس طوارئ اقتصادي يضم شخصيات مثل البروفيسور مانوئيل تريختنبرغ، ستانلي فيشر، كرنيت بلوغ، دان مريدور، وربما ايضا كيرن تيرنر وشاؤول مريدور. هذا المجلس يجب عليه أن يبلور فورا خطة طوارئ اقتصادية بحيث تكون اساساً لميزانية 2021 – 2022، وخطة للخروج من الازمة.
ثانيا، يجب أن تتم المصادقة فوراً على الميزانية. إن عمل الحكومة دون ميزانية في حالة طوارئ هو جريمة وفوضى وغباء في الوقت ذاته. بهذه المناسبة يجب فورا الغاء تخصيص الـ 80 مليار شيكل التي اعطاها بني غانتس – أفترض أن ذلك نتيجة جهل وليس بنوايا سيئة – هدية لرئيس الحكومة ووزير المالية إسرائيل كاتس، تخصيص يمكنهم من تقديم رشوة انتخابات دون اشراف فعلي، وربما - لا سمح الله - يشوبها الفساد.
ثالثا، يجب أن نحدد أولويات للمدى القصير وهي:
- مكافحة «كورونا».
- تقديم دعم مباشر للعاطلين عن العمل عن طريق التأمين الوطني.
- تقديم دعم مباشر للمشغلين الصغار عن طريق تأجيل دفع الضرائب و»الارنونا» وعن طريق وسائل اخرى.
- تقديم دعم لجهاز الرفاه والعمل الاجتماعي؛ هناك انهيارات في الزوايا الضعيفة للمجتمع في هذه الأيام.
- بلورة وتطبيق خطة شاملة للخروج من الازمة، لمدى 3 – 4 سنوات، مع التركيز على مسرعات النمو – الهايتيك، البحث والتطوير، البنى التحتية للاتصالات، المواصلات والتعليم، بما في ذلك التعليم عن بعد وتغيير المهن.
من هنا لنذهب الى السياسة. إن اوهام «كورونا» والكارثة الاقتصادية – الانسانية تحتل، الآن، جلّ اهتمام معظم المواطنين. هذا صحيح أيضا في كل العالم. لدينا، لا يقل عن ذلك خطورة، التهديد الواقع على أسس الديمقراطية وعلى سلطة القانون من خلال قمة السلطة. معظم المواطنين لا يرون في ذلك تهديدا خطيرا يشبه التهديدات السابقة. هذا نتيجة غسل أدمغة منهجي، أخبار كاذبة، حقائق بديلة، وما بعد الحقيقة.
ومثلما في اماكن اخرى في العالم، يوجد فيها ايضا فقدان مطلق للثقة بالسلطة وبمؤسسات الديمقراطية، تحولت السياسة الى نوع من استمرار برامج الواقع، مثل صراع البقاء. ليس صدفة أن نجوم برامج الواقع والاوهام يتحولون الى زعماء لهم شعبية وشعبويين. من الضروري أن نواجههم رأسا برأس حول قيمنا، قيم وثيقة الاستقلال. ايضا هذا جزء من المطالب التي نطلبها من القيادة في هذا الوقت. مواضيع مهمة اخرى مثل مستقبل المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين أو ضم مقابل احتلال، سنضطر الى تأجيلها في هذه المرحلة، لكن من المحظور بأي حال من الاحوال أن نفقد اتصالنا البصري بها. سنحتاج بعد ذلك الى العودة اليها.
من مثلث التحديات - مخادعات «كورونا»، الكارثة الاقتصادية والاجتماعية، والهجوم على أسس الديمقراطية من قبل قمة السلطة – ينبع ايضا توصيف نوع القيادة المطلوبة، اليوم، لإسرائيل. يوجد في الدولة، ايضا بين المتنافسين فعليا في الانتخابات، اشخاص يمكنهم أن يكونوا بالضبط الزعماء الصحيحين لهذا الوقت، رغم أنهم يختلفون عن بعضهم.
ما هي المطالب من هؤلاء القادة؟ «رجل فيه روح»، هكذا قيل في تراثنا، شخصية بعيدة النظر، حكيمة ومصغية لكل كلمة من الواقع، لكن تحمل معها ضميرا داخليا، شخص لديه الشجاعة على اتخاذ القرارات وقوة تنفيذها. شخصية أسسها مستقلة، أصيلة، متكاملة ودرجة من الحميمية والشفقة الانسانية البسيطة. شخصية تربط وتوحد وتشفي وتشطب عقوداً من التحريض والتقسيم. ليس عن طريق اقصاء وطمس الخلافات (هذه الخلافات قائمة وحية)، بل عن طريق تشكيل وتقديم رواية تحول عملية اذكاء هذه الخلافات الى أن يتم حلها – بانفتاح ومن خلال احترام الآخر – الى مصدر الانضباط وسبب انتمائنا لبعضنا.
عائلة كبيرة، واحدة، متنوعة، واسعة ومتعددة الوجوه، مسموح أن يختلف فيها الواحد مع الآخر، وحتى أن نبقى مختلفين، لكون «هذه وتلك هي اقوال الله الحية»؛ لكنه مجتمع في وقت الاختبار، مثل اختبار «كورونا» الذي فيه الاخطار التي تتعرض لها الطواقم الطبية العاملة في وحدات العناية المكثفة مع المرضى المربوطين بأجهزة التنفس الاصطناعي ومع المرضى في حالة صعبة هي أخطار تمس حياتهم هم أنفسهم، هو مجتمع يقوم بالتكتل في وقت الازمات. الجميع من اجل الواحد والواحد من اجل الجميع.
وما هو هذا العامل المشترك؟ لقد قيل «هذه وتلك هي اقوال الله الحية» والشريعة هي مثل بيت هيلل. لماذا؟ حكماؤنا فسروا ذلك: لأن بيت شماي سمعوا فقط أنفسهم. و»عرفوا مسبقا بأنهم على حق». بيت هيلل لم يقرروا في أي مرة موقفهم قبل أن يسمعوا ويعرفوا موقف الطرف الثاني. لقد حاولتُ مرة تلو اخرى معرفة موقف الطرف الثاني. وهاكم المبادئ الاربعة التي وجدت أن 80 في المئة من الإسرائيليين يتبنونها: مبادئ يجدر أن تكون اساس وجودنا المشترك. هي في نظري أيضا الدليل على أن مقولة «الشعب مع اليمين» هي مقولة لا أساس لها من الصحة. الشعب مع من يعرف كيف يبلور اغلبية حول هذه المبادئ الاربعة، ليس فقط للانتخابات، بل للحياة نفسها. وفيما يلي هذه المبادئ:
1- الأمن قبل وفوق أي اعتبار آخر.
2- وحدة الشعب تسبق وحدة البلاد.
3- اعلان الاستقلال هو اساس لقيم إسرائيل، والاساس الفعلي لدستورها.
4- انجازات الدولة هي للمواطنين وليس للسلطة. لذلك، جميع المواطنين يستحقون أن يكونوا شركاء في ثمارها.
ليتنا نحظى بقيادة كهذه.

عن «هآرتس»

*رئيس وزراء إسرائيلي أسبق.