حذر تقرير اقتصادي، اليوم الأربعاء، من التداعيات الخطيرة لتأخر عملية إعمار قطاع غزة، وما تبعه من انعدام للأمن الغذائي واستمرار الاوضاع الاقتصادية المتدهورة نتيجة لانهيار المنظومة الاقتصادية، ومن ركود تجاري واقتصادي حاد وغير مسبوق وبأوضاع كارثية لم يشهدها القطاع منذ عام 1967.
وأوضح الخبير والمحلل الاقتصادي د.ماهر تيسير الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة، في تقرير له بالخصوص، أنه حتى هذه اللحظة، وبعد مرور أكثر من عام على انتهاء الحرب الثالثة على قطاع غزة , أي ما يقارب من (15 شهرا), لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية والجدية لقطاع غزة.
وعزا ذلك إلى استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة ومنع إسرائيل دخول العديد من مستلزمات إعادة الإعمار والسلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات, وإغلاق المعابر واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا، والتي تم رفضها منذ البداية من قبل القطاع الخاص الفلسطيني ومن كافة أطياف المجتمع في قطاع غزة.
وبين أن هذه الآلية ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث أن ما تم إدخاله من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار القطاع منذ منتصف شهر أكتوبر عام 2014 حتى تاريخه لا يتجاوز 234 الف طن تقريبا, وتم توزيع تلك الكميات على أصحاب المنازل المتضررة جزئيا وفق آلية الكوبونة المدفوعة الثمن, وهذه الكمية لا تكفي احتياج قطاع غزة لمدة 30 يوما من مادة الاسمنت, لأن قطاع غزة يحتاج يوميا إلى 10 الاف طن من مادة الإسمنت فقط.
وقال إنه طرأ ارتفاع على كميات الإسمنت الواردة للقطاع الخاص في الأشهر الاخيرة وذلك نتيجة لسماح الجانب الإسرائيلي بإدخال الإسمنت لغير المتضررين من اصحاب المنازل والمشاريع الاستثمارية وزيادة عدد الموزعين المعتمدين, لكن وفق آلية إدخال مواد البناء الدولية المعمول بها, وساهمت تلك الكميات في انخفاض أسعار الإسمنت في السوق السوداء, وأحدثت انتعاش إلى حد ما في قطاع الإنشاءات, و في حال استمرار إدخال الاسمنت بهذه الوتيرة المرتفعة سوف يساهم ذلك في عودة قطاع الإنشاءات للحياة مرة أخرى وبالتالي المساهمة في انخفاض معدلات البطالة المرتفعة في قطاع غزة والتي تعتبر الأعلى عالميا.
وأضاف الخبير الطباع انه على صعيد المعابر، فما زالت كافة المعابر التجارية المحيطة بقطاع غزة (معبر المنطار – معبر الشجاعية – معبر صوفا ) مغلقة وما يعمل فقط هو معبر كرم أبو سالم ويعمل وفق الآليات التي كان يعمل بها قبل الحرب الأخيرة, فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل, وعدد الشاحنات الواردة, ونوع وكمية البضائع الواردة, والزيادة التي حدثت في عدد الشاحنات الواردة نابعة من دخول مواد البناء للمشاريع الدولية والمشاريع القطرية في قطاع غزة وكميات مقننة من مواد البناء للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة.
وذكر انه من خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبو سالم وأيام الاغلاق خلال عشرة شهور من عام 2015 , فقد بلغ عدد أيام إغلاق المعبر 99 يوما خلال الفترة السابقة وهي تمثل 30% من إجمالي عدد الايام في تلك الفترة, وبلغ عدد الشاحنات الواردة خلال تلك الفترة 69929 شاحنة منها 46745 شاحنة للقطاع الخاص, 23184 شاحنة مساعدات إغاثية للمؤسسات الدولية العاملة بقطاع غزة وهي تشكل 21% من إجمالي الواردات, وبلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة إلى قطاع غزة ( 233 ) شاحنة.
وبين أنه على صعيد خروج البضائع من قطاع غزة, فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 988 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية والسوق الإسرائيلية والخارجية, وهذا يمثل 20% من عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار.
وتابع: أما على صعيد المنشآت الاقتصادية في كافة القطاعات (التجارية والصناعية والخدماتية) والتي يتجاوز عددها ما يزيد عن 6000 منشأه اقتصادية وتقدر تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر و اعادة الاعمار بحوالي 566 مليون دولار وهي ثلاثة أضعاف خسائر الحرب الاولى التي شنت على قطاع غزة في عام 2008-2009 , فلا يوجد أي جديد فحالها كما هي, حيث أن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي هو صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بما لا يتجاوز 9 مليون دولار وصرفت للمنشآت الصغيرة التي بلغ تقيم خسائرها أقل من سبعة الاف دولار.
وقال الخبير الطباع: إن التأخر في عملية إعادة الاعمار أدى إلي تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة, حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على القطاع وتأخر عملية إعادة الاعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.
وأضاف انه بفعل استمرار الاوضاع الاقتصادية المتدهورة ونتيجة لانهيار المنظومة الاقتصادية في قطاع غزة بفعل الحرب الشرسة الضروس التي تعرض لها القطاع على مدار 51 يوما, واستمرار تداعياتها حتى هذه اللحظة، ازداد عدد الفقراء والمحرومين من حقهم في الحياة الكريمة, وبلغت معدلات البطالة في قطاع غزة 41.5% في الربع الثاني من عام 2015 بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني, وبلغ عدد العاطلين عن العمل 200 الف شخص, وارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتجاوز 65% وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من 'الاونروا' والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة, وتجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة, وارتفاع حاد في نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة والتي وصلت إلى 60%.
وتابع: لقد حذر صندوق النقد الدولي من أن النمو على المدى القصير لن يكون كافي لاستيعاب قوة العمل المتزايدة, وسوف تستمر معدلات البطالة في الارتفاع ما لم يكن هناك حل جذري يؤدي إلى رفع القيود الإسرائيلية و إنهاء حصار قطاع غزة. وأنه بحسب صندوق النقد الدولي فقد بلغت نسبة الانكماش في اقتصاد قطاع غزة 15% خلال عام 2014 و يعتبر هذا الانكماش الأول للاقتصاد الفلسطيني منذ عام 2006.
وقال الخبير الطباع: إن الاوضاع الاقتصادية المتدهورة, أدت إلى ضعف القدرة الشرائية لدي المواطنين وتراجع حاد في الاستهلاك الخاص, مما تسبب بركود تجاري واقتصادي حاد وغير مسبوق وبأوضاع كارثية لم يشهدها قطاع غزة منذ عام 1967.