سورية... مؤشرات واعدة، وتخوف مشروع

12207716_10153283977256589_1573156867_n
حجم الخط

يفتقد الفلسطينيون في هبتهم الجماهيرية المجيدة الدور العربي، وبالخصوص التحركات العارمة والمتواصلة للجماهير العربية تنصرهم وتدعمهم.
هل كان الوضع سيكون كما هو عليه، لو ان الأوضاع العربية كانت غير ما هي عليه الآن؟
 يتأثر الفلسطينيون بما يجري في عدد من البلدان العربية،  وبشكل خاص بما يجري في سورية. يفتقدون الجماهير الغفيرة، سورية وفلسطينية وعربية، تملأ شوارع دمشق وكل المدن والبلدات السورية كما تملأ ازقة اليرموك وكل المخيمات الفلسطينية.
في الحالة الفلسطينية، استطاعت الهبة الجماهيرية الفلسطينية ان تخترق مساحة التجاهل الواسعة لتفرض نفسها وقضيتها. وكأن الدم الزكي المراق هو ما يفرض الوجود، ويجدد الاهتمام.
في الحالة السورية، ليس الدم والدمار والتهجير هو ما يفرض الاهتمام الإقليمي والدولي، انما هو السياسة والاقتصاد والعسكر وخرائط المستقبل واستراتيجياته، ويأتي الإعلام كنتيجة. وكأن خمس سنوات من القتل والتدمير والتهجير وسيطرة الإرهابيين على أجزاء من لحم الوطن، ليست كافية. وكأن عشرات الآلاف من شذاذ الآفاق من كل أصقاع الأرض ُيسهّل لهم اختراق الحدود ويؤمن لهم السلاح والعتاد والمال لم يكفوا، لإنجاز المهمة.     
كل اللوم والمسؤولية يقعان على عناد النظام القائم وجيشه وأجهزته، على لا واقعيته، وعلى إصراره على القيام بمسؤولياته الدستورية في حماية الوطن ووحدة اراضيه واستقلاله. واللوم والمسؤولية يقعان ايضا على أهل الوطن، الذين تمسكوا بوطنهم ووحدته وسيادته، وتمسكوا بإرثهم الحضاري ووحدتهم المجتمعية ودورهم الأساس بالمنطقة. 
 لولا ذلك، لكان الأمر انتهى خلال شهور معدودات كما كان التصور والتخطيط في اصله وأساسه، ولكان هناك الآن سورية، او سوريات، على المقاس المطلوب، تقوم بدورها في تأمين المصالح وضمان امن الدولة الربيبة.
نظريا هناك مؤشرات تبشر بقرب الوصول الى حل ينهي عذابات السوريين ويحفظ الدولة السورية ومؤسساتها المختلفة واجهزتها.
من اهم المؤشرات، الدخول الروسي العسكري داعما للجيش العربي السوري ومشاركا له في محاربة التنظيمات الارهابية وفي الدفاع عن النظام القائم وضمان استمراره وقوته، الى جانب انخراطه الحاسم في مبادرات الحل السياسي. لكن الواقع له دينامياته الخاصة، وكثيرا ما يزخر بمفاجآت تنسف الاتفاقات ومشاريع الحلول واحدة وراء الأخرى.
 فقد علمتنا التجارب ان هذا النوع من الصراع لا يحسم الا من خلال مساومات سياسية، خصوصا اذا كانت لأطرافه حواضن. فما بالك وأطراف الصراع في سورية لها حواضن متعددة محلية وإقليمية ودولية، وان مصالحها متشابكة ومتضاربة.
هذا يدعو الى عدم الإفراط بالتفاؤل والى التخوف المشروع، ويعزز التخوف المشروع، ان العامل الوطني السوري هو عامل ثانوي فيما يدور في أروقة المبادرات والمفاوضات خلافا لدوره الأساسي على الأرض. 
باستثناء الحالات المحددة حين تلحق هزيمة ماحقة بإحدى الدول كما حصل مع ألمانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية، لم يحصل ان اجتمعت دول وأطراف كثيرة لتناقش وضع بلد ما ومستقبله، في غياب أصحاب البلد وممثليهم. 
حصل هذا معنا نحن العرب في سايكس بيكو، وقتها اعتبرونا ملحقا للامبراطورية العثمانية المهزومة، رغم اننا كنا الى جانبهم في تلك الحرب، ويحصل الآن مع الحالة السورية.
اليس في هذا تطاول يصل حدّ التعدي على السيادة الوطنية، وحدّ المهانة للكرامة الوطنية والشخصية لكل سوري ما زال يعتز بسوريته في اي موقع او طرف كان، ومهانة لكل عربي ما زالت فيه بقية من إيمان قومي، ومهانة للنظام العربي الذي أحال نفسه الى التقاعد المبكر وأعفى نفسه من كل مسؤولية واي دور، وارتاح لاستدعاء التدخل الخارجي.
 القول ان بين المجتمعين حلفاء وأصدقاء خلّص للنظام ولأطراف المعارضة يتبنون رؤاها ومواقفها ويدافعون عنها، لا يكفي، رغم صحته، لإنكار التطاول ورد المهانة. 
يصل التطاول والمهانة ذروتهما حين يسعى بعض المجتمعين لفرض موقع ودور ومستقبل رئيس الدولة السورية، ليكون البند الأول والرئيس في الحل التسوية الذي يجري التفاوض عليه.
وبرغم مرونة محدودة ونسبية طرأت على مواقف البعض من هذا لأمر فرضته حقائق الأمر الواقع على الأرض، فانهم بشكل عام، ما زالوا يتصرفون وكانهم حققوا انتصارا حاسما ويريدون فرض إرادتهم على المهزوم. والحال ليس كذلك أبداً. او يتصرفون كمن يضع العربة قبل الحصان، وكانه لا يريد في الحقيقة التوصل الى حل.
بغض النظر عن اي خلاف في في الموقف من الرئيس السوري ودوره وحجم مسؤوليته عما وصلت اليه البلاد، فان تقرير دوره وموقعه ومستقبله، وتقييم سياساته السابقة والحالية ومحاسبته، هو حق حصري للشعب العربي السوري ومنوط به فقط حسب شرائعه وقوانينه وأعرافه، وبشكل سلمي وديموقراطي.
ويعزز التخوف المشروع أيضا، ان النافذين في مبادرات الحل التسوية، يريدون فصل الحل السياسي عن محاربة الإرهاب، وتقديم الأول على الثاني في ترتيب الأولوية وفي الزمن، وكأنهم يريدون تكرار تجربة أفغانستان، حيث الوضع القائم فيها، بعد قتال دموي مستمر منذ سنوات طوال، يقول بوجود حكومة لها مؤسساتها وأجهزتها لكنها تسيطر على أجزاء من البلاد فقط، بينما تسيطر طالبان على أجزاء اخرى.
 فهل يريد هؤلاء ان تقوم دولة سورية محدودة، بمقاساتهم المطلوبة، على جزء من الأرض السورية بينما تتوزع الأجزاء الباقية بين التنظيمات الإرهابية؟ ومن يمكنه بعد ذلك ضمان القدرة على هزيمة المنظمات الإرهابية واستعادة وحدة ارض الدولة، مع المعرفة اليقينية، ان القوى المنتقاة للمشاركة بالدولة المحدودة، باستثناء النظام القائم، لا تملك اي قوة او نفوذ فعلي ومؤثر على الأرض.