ما هي الرسائل التي تحملها العملية في منشأة نتانز النووية؟

حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور



بدت الإصابة في منشأة تخصيب اليورانيوم في نتانز تخريباً مقصوداً أكثر مما هي خلل كما زُعم في البداية. لم تفصّل منشورات في إيران وخارجها حجم الضرر اللاحق بالمنشأة الحساسة، التي أُصيبت للمرة الثانية في غضون اقل من سنة.
على افتراض أن التقارير حول التخريب صحيحة، يمكن التقدير بأن الضرر اللاحق بها قد يكون ذا مغزى. عملية معقدة كهذه، الى جانبها مخاطرة كبيرة، لا تنفذ على عجل، ولا أيضا بهدف الوصول الى اصابة هامشية فقط. فلما كانت تحتاج الى استثمار استثنائي في الإعداد وفي التنفيذ من المعقول أن يكون الانجاز المطلوب، على الاقل، هو إصابة شديدة تحرمها من قدرتها لفترة زمنية طويلة.
هكذا كان في حالتين سابقتين أصيبت فيهما المنشأة في نتانز. الاولى في عملية نسبت لتعاون إسرائيلي – أميركي قبل نحو عقد، وفيها تسبب فيروس الحاسوب «ستاكسند» بانهيار أجهزة الطرد المركزي ومنع على مدى بضعة اشهر تخصيب اليورانيوم، والثانية في انفجار كان في السنة الماضية في مصنع انتاج اجهزة الطرد المركزي المتطورة في نتانز، والذي تضرر بشدة، وأُخرج عن العمل.
من المعقول أن تتضح تفاصيل التخريب في غضون وقت قصير. صحيح أن قوات الأمن الإيرانية أغلقت المنطقة، وزعم أن الموضوع قيد التحقيق، ولكن هذه منشأة يعمل فيها آلاف الأشخاص، وكل ما يجري فيها مصور ومراقب. يحتمل أن تكون لإيران نفسها مصلحة في نشر التفاصيل اذا ما قررت توجيه اصبع اتهام نحو جهة ما مسؤولة عن التخريب.

الامتناع عن إعلان المسؤولية
في هذا السياق، فإن المشتبه الفوري هو إسرائيل، وللدقة: «الموساد»، والذي سبق أن أثبت قدرة مبهرة على العمل ضد اهداف مختلفة في قلب إيران. ولا تنقص الشواهد على ذلك. فقد أعلنت إسرائيل المسؤولية عن بعض قليل منها (سرقة الارشيف النووي)، وليس عن معظمها، ولكن نسبها الآخرون لها (من الانفجار السابق في نتانز وتصفية مدير المشروع النووي، محسن فخري زادة، وحتى تصفية مسؤول كبير في «القاعدة» وسلسلة اخرى من العمليات).
وروت منشورات مختلفة بأن اعمال «الموساد» هذه (واخرى، مثل تصفية رجال «حماس» في تونس وفي ماليزيا) نفذها مبعوثون. يدور الحديث عن أسلوب عمل ناجع وآمن نسبيا. على افتراض أنه تبقى المسافة اللازمة بين المسؤولين (الإسرائيليين) والمنفذين (الاجانب)، حتى لو فشلت العملية وامسك بالمنفذين، يكون من الصعب الربط بينهم وبين من بعثهم.
اذا كانت إسرائيل بالفعل مسؤولة عن التخريب في منشأة التخصيب، من المعقول ان يكون التقرير تم رفعه، بالتوازي، الى الأميركيين. وفي الاسابيع الاخيرة أبدت الادارة الأميركية في واشنطن استياء متعاظما في ضوء النشاط الإسرائيلي ضد إيران، ولا سيما في الساحة البحرية. وادى الامر الى سلسلة تسريبات لمعلومات حساسة عن بعض العمليات الى وسائل الاعلام الأميركية، أغلب الظن بهدف الاشارة لإسرائيل بأن الولايات المتحدة غير معنية بأن تعرقل إسرائيل محاولاتها فتح صفحة جديدة مع طهران.
ليس واضحا كيف سترد ادارة بايدن على التخريب الحالي الذي يأتي في توقيت حساس، بعد بضعة ايام من استئناف المحادثات بين إيران والقوى العظمى. في خطابه، أول من أمس، فور وصوله الى زيارة عمل اولى في إسرائيل، امتنع وزير الدفاع الأميركي الجديد، لويد اوستن، عن اي تناول للمسألة الإيرانية، ولكن لا شك ان الموضوع كان على رأس جدول اعمال المحادثات المغلقة التي اجراها مع نظيره، بيني غانتس، ومع مسؤولين آخرين في الحكومة وفي جهاز الامن.
في هذه المحادثات، تطلب إسرائيل أولاً وقبل كل شيء التنسيق مع الادارة الجديدة في المسائل الاستخبارية في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. أما المرحلة التالية فهي الجدال حول تفاصيل الاتفاق حين تكون إسرائيل معنية بأن يتم في الاتفاق الجديد ادخال تعديلات على الاتفاق الاصلي الموقع في 2015. وتنطبق الامور اساسا على موعد نفاد الاتفاق وكذا على المسائل المتعلقة بالرقابة الدولية على البرنامج النووي الاخير وعلى مسائل مختلفة ترتبط بالبحث والتطوير في مجالات النووي.
تعارض إيران كل تغيير في الاتفاق النووي الاصلي، وتطالب بأن تتضمن كل عودة اليه الرفع التام وغير المشروط للعقوبات الأميركية التي فرضت عليها. بل اتخذت طهران في الاشهر الاخيرة سلسلة خطوات استفزازية، وخرقت علنا الاتفاق الاصلي الذي وقعت عليه. وضمن امور اخرى جمعت إيران كمية اكبر بكثير مما هو مسموح لها من اليورانيوم المخصب لدرجة متدنية بنسبة 4.5%، بل بدأت بتخصيب اليورانيوم الى مستوى متوسط من 20%. وأفادت إيران بأنها نصبت اجهزة طرد مركزي متطورة – استخدامها هي ايضا محظور في الاتفاق – في منشأة نتانز، التي اصيبت، أول من امس.
من غير المعقول ان يكون التخريب، أول من امس، رد فعل فوريا على هذه الخروقات الإيرانية، وعلى رأسها تفعيل اجهزة الطرد المركزي المتطورة. وكما اسلفنا، فإن عمليات من هذا النوع تتطلب زمنا واعدادا دقيقا ومن المعقول أنه اذا كانت هذه عملية مقصودة كما ألمحت، أول من امس، جملة من وسائل الاعلام، واذا كانت بالفعل إسرائيل و»الموساد» هما المقصودان فإن النية كانت اطلاق رسالة مزدوجة بوساطتها: الاولى مادية – التسبب بتخريب حقيقي يعيق البرنامج النووي الإيراني، والثانية بالوعي – الاثبات مرة أخرى بأن إيران ليس فقط مخترقة وهشة بل أيضا الإشارة الى العالم بأن إسرائيل ستواصل الدفاع عن مصالحها الحيوية بنفسها.
تعيد هذه التطورات الكرة الى الملعب الإيراني. بعد أن تنتعش من الضربة (الاضافية) التي تعرضت لها، ستكون طهران مطالبة بأن تقرر كيف سترد. ثمة خيار هو التجلد ومحاولة توريط إسرائيل مع الولايات المتحدة والقوى العظمى بصفتها هي التي تشعل المنطقة وعمليا تخرب على امكانية العودة الى الاتفاق النووي. هناك خيار ثانٍ هو الرد بوساطة مبعوثين – في لبنان (احتمال متدن جدا)، في غزة (احتمال متدنٍ)، او في سورية (احتمال متوسط زائد). الخيار الثالث هو الرد بشكل مباشر. تعرف إيران كيف تعمل بالسر، ولإسرائيل توجد في ارجاء العالم جملة ذخائر واهداف يمكن المس بها. في اطار المعركة البحرية التي تطورت مؤخرا بين الدولتين ضربت إيران سفينتين تعودان لرجلي اعمال إسرائيليين ويحتمل أن تحاول مواصلة الخط ذاته.

زمن اليقظة الاستخبارية
هذا يدعو إسرائيل الى يقظة استخبارية وعملياتية عالية، وبالتوازي تقرير كيف تعتزم مواصلة هذه المعركة المتصاعدة التي تتعقد على خلفية العلاقات المتعثرة مع ادارة بايدن.
من اجل ضمان ان يكون السلوك في الجانب الإسرائيلي على الاقل سليما، من المطلوب في هذه المواضيع على الاقل أن يضع الصقور في الحكومة البلطات جانبا، وأن يديروا جبهة منسقة، حتى قبل أن تقوم حكومة جديدة. فاجتماعات منظمة ومداولات جدية للكابينت السياسي الامني ستكون بداية مناسبة لذلك.

عن «إسرائيل اليوم»