لماذا ترفض إسرائيل انتخابات في القدس...والثمن المطلوب لها؟!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

 فجأة أصبحت القدس، وهنا الحديث عن الشرقية منها، بؤرة الحدث السياسي العام، بعد أن اكتشفت حركة فتح (م7) وبعض تحالفها مكانة المدينة و"قدسيتها الوطنية"، وأن أي انتخابات دونها "انتخابا وترشيحا ودعاية" لن تمر، وهي الخط الأحمر الفاصل بين الوطني واللا وطني.

موقف من حيث المبدأ صحيح جدا، ولكن، الذي يثير الدهشة المطلقة أن ذلك "الموقف المبدئي جدا"، لم يكن أبدا ضمن "ثوابت" الموقف الفتحاوي في انتخابات 2006، والتي كانت بأمر أمريكي – إسرائيلي، وتنازلت طواعية عن الحق المكتوب نصا في ملحق اتفاقية الترتيبات الانتقالية 1995، التي ضمنت التصويت والترشيح والدعاية داخل القدس وضواحيها، نص مكتوب ولبس تفسيري، ويمكن للقائمين على دائرة المفاوضات أن يعيدوا ارسال النص للرئيس عباس وفريقه.

التنازل عن "حق" التصويت والدعاية في البلدة القديمة وضواحي القدس الشرقية، كان نقطة الضوء للصمت على "انطلاقة الرحلة التهويدية" للعاصمة الأبدية لدولة فلسطين، ثم تتابعت بحركة اهمال غير مسبوقة لها، وتجاهلت السلطة الرسمية وفصيلها المركزي الدعم العملي، والتواجد الدائم من قياداتها، ودعم حركات الفعل الجماهيري، ولم ترتفع حركة الضغط من أجل المدينة وحقوق الفلسطينيين بها، حتى وصلت الى لحظة الانكسار الكبير، بالاعتراف الأمريكي بالقدس (شرقيها وغربيها) عاصمة لإسرائيل، في مخالفة للقرارات الدولية واتفاق اعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) 1993، والذي اعتبر القدس، وأيضا (شرقيها وغربها) أحد مواضيع الحل الدائم، ويمنع القيام بأي إجراء يمس بوضعها، كما المستوطنات.

الإهمال الرسمي، والفصائلي لمكانة القدس كان القاطرة التي فتحت باب تهويد المدينة الذي كان يجري تحت أعينهم، دون أدنى حركة غضب، رغم انها كانت سببا جوهريا في المواجهة التاريخية الأطول مع العدو من 2000 حتى 2004، شعبيا وعسكريا، وقبلها أول مواجهة مسلحة وشعبية مع دولة الاحتلال في هبة النفق 1996، حيث قتل 16 جنديا من جيش الاحتلال.

عندما "توافقت" حركتي الانقسام الوطني (فتح – م7 وحماس) على تنشيط المشهد السياسي، كان الهدف يتجه لتشكيل حكومة ثنائية تقاسمية جديدة، بغلاف "وحدة وطنية"، ويبدو أن مخاوف بعض فتح أدى لرفض الفكرة، مع سيطرة حماس المطلقة على الواقع الأمني في قطاع غزة، ما يكشف أن أي حكومة لن تتمكن من "فكفكة البنية الأمنية" لها، ولذا يصبح "الوجود المدني الحكومي" تحت رحمة الوجود الأمني لحماس.

كان الذهاب الى الانتخابات كـ "خيار" لتنشيط المشهد ليس بحثا عن حل جذري للحالة الانقسامية، بل هروب من مواجهة "مأزق آني"، فكانت المراسيم الانتخابية التي جددت "شرعية" الرئيس محمود عباس ومنحته سلطة مطلقة فوق ما له، على الصعيدين "القضائي والقانوني" الى حين إجراء الانتخابات، وفق الاتفاق.

لم تضع حركتي التقاسم الوظيفي، أي محددات خاصة لانتخابات القدس، والتي كان يجب أن يكون لها وضع خاص في الاتفاقات وليس جملة عابرة، خاصة بعد الردة التي أصابت الموقف الفلسطيني في انتخابات 2006 عن انتخابات 1996، وهو ما لم يحدث لأن القدس لا تمثل لهم حقيقة "خط أحمر" لا وطني ولا سياسي، ولكنها باتت كذلك لأن أمريكا ودولة الاحتلال لا تريدان أي انتخابات في الوقت الراهن، وكذلك جزء هام من مركزية فتح (م7) لاعتبارات خسارة دورها القادم.

وهنا، يقفز السؤال المركزي، لماذا ترفض إسرائيل وبدعم أمريكي إجراء الانتخابات في القدس الشرقية وفق شروط 2006 "التهويدية"، بل أن هناك من سيقبل بأي شروط إسرائيلية لو وافقت حكومة نتنياهو، وستجد فصائل النكبة من التبريرات "الثورية" جدا لتمرير تهويد مضاف لما تم تهويده في القدس.

فكيف ترفض حكومة الكيان تلك "الهدية السياسية الهامة"، ولا توافق على طلب الانتخابات خارج مركز القدس وبلدتها القديمة.

والحقيقة الغائبة، ان الانتخابات الفلسطينية بأي شكل كانت، ستعيد بعض من حصار الانقسام، لن تنهيه ولكنها ستفتح الباب عمليا لكسر بعض مفاصله الرئيسية، خاصة لو التزمت الأطراف الرئيسية بالنتائج، رغم ان الواقع الأمني في الضفة والقطاع لا يشير الى ذلك، فحكومة نتنياهو لا تذهب الى "المغامرة" التي قد تؤدي الى تضييق الخناق على الهدية الأكبر التي حصلت عليها بتعاون مع أمريكا وقطر وفتح (م7) وحماس، وهي الانقسام، الذي كسر العامود الفقري للمشروع الوطني الفلسطيني.

موافقة إسرائيل على الانتخابات في القدس "بشروطها التهويدية"، سيصبح أحد عناصر الابتزاز الكبير، لجهة الموافقة مقابل تعهد رسمي فلسطيني وفصائلي بعدم استكمال الذهاب الى "المحكمة الجنائية الدولية"، ووقف كل خطوات فلسطينية لتزويدها بالتقارير الخاصة بجرائم الحرب، ومعها وقف الحملات الدولية ضد الاستيطان.

الرفض الإسرائيلي ليس خوفا من فوز حماس، فتلك مسألة لا تمثل لها "عقبة سياسية" ابدا، فالقانون الانتخابي الجديد يحد جدا من فوز قائمة بأغلبية المجلس المنتخب، وأن حماس التي تصر على انتخابات لن تخرج كثيرا عن قطار تلك المعادلة العامة.

دولة الكيان تبحث معادلة خاصة "انتخابات القدس" مقابل المحكمة الجنائية والاستيطان...من يريدها ليبدأ في صياغة مشروع الاتفاق...وعندها ستسقط "ذريعة القدس" الانتخابية...

ولكن كل من سيوافق على معادلة "انتخابات القدس مقابل المحكمة والاستيطان" سيضع نفسه خارج الإطار الوطني، أي كانت ضوضاء اللغة و"ثوريتها" المشبوهة!

ملاحظة: منذ زمن غاب سقوط الصواريخ على منطقة ديمونا الحساسة نوويا...وأخيرا سقط صاروخ كان "طائشا" أم "مش طائش" المهم أربك دولة الكيان...فهل تطوش المسألة وتذهب الى طيشان أشمل!

تنويه خاص: صراحة حركة الاستطلاعات الأخيرة حول الانتخابات تثير المسخرة خالص...مش فقط فاقدة التركيز بل فاقدة "الدسم الصوابي"...بس شو تعملوا "اللحلوح بده هيك"!