إسقاط الطائرة الروسية .. عودة إلى «خليج الخنازير»!!

هاني حبيب
حجم الخط

سنعود بالتاريخ بضعة عقود في محاولة لتقريب صورة ما يجري في الحاضر، سنستعيد ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا عام ١٩٦٢، والتي هددت التحول من الحرب الباردة الى حرب عالمية ثالثة، فبعد عملية خليج الخنازير، عندما ارسلت الولايات المتحدة عملاء كوبيين موالين لها، لغزو كوبا، وفشل هذا الغزو، قام الاتحاد السوفياتي بطلب من كوبا ببناء قواعد صواريخ نووية سوفياتية على الأراضي الكوبية وهكذا باتت الأراضي الأميركية في مرمى الصواريخ النووية السوفياتية، لكن .. وهذه «اللكن» هي هدفنا من وراء استرجاع ذلك التاريخ، اذ ان وجود الصواريخ السوفياتية في كوبا، لم يكن لتهديد الأراضي الأميركية، بل للضغط على واشنطن التي سبق وان نشرت قواعد صواريخها على الأراضي التركية، لتهدد الجار السوفياتي.. وبعد تسخين من كلا الجانبين، السوفياتي والأميركي، امكن العودة الى الحرب الباردة من دون ان تتمدد الى حرب نووية في اطار حرب عالمية ثالثة، والاتفاق على إزالة الصواريخ السوفياتية من كوبا، مقابل ازالة الصواريخ الأميركية من تركيا ورفع الحصار البحري الأميركي عن كوبا. بعد اكثر قليلا من نصف قرن، يكاد التاريخ يعيد نفسه، نسبياً، ولكن مع تغيرات جوهرية، تم اعادة النظر بقواعد الاشتباك الميدانية والسياسية لتواكب تطورت في الخارطة السياسية الدولية التي باتت اكثر تعقيداً، اذ ان اثناء ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، كان العالم يتسم بالتقسيم بين جناحين أساسيين، الشرق والغرب، حلف وارسو في مواجهة حلف الناتو، ودول عدم الانحياز، قليلة الأهمية والتأثير والحدود، اما اليوم، فإننا امام تحالفات معقدة مترابطة ومتناقضة ومتحاربة على جبهات لا حصر لها. ورغم عبرة التاريخ ودلالته، الا انه لا يكفي من خلال المقاربة حينا والمقارنة حينا آخر، لتفسير ما يجري في الواقع، السياسي المعيش، لهذا لنبق في الحاضر، القريب جدا، فبعد اقل من اسبوعين على الجمعة الدموية السوداء التي ارتكبها تنظيم داعش في العاصمة الفرنسية باريس، ثم إسقاط طائرة روسية على الحدود السورية - التركية على يد القوات التركية، وبعيدا عن التفاصيل الميدانية، فإن هجمة داعش على باريس، ادت الى تقارب ملحوظ بين تحالفين متعارضين، الاول بقيادة الولايات المتحدة والثاني بقيادة الاتحاد الروسي، ما ادى الى تفاهمات اولية على اولوية محاربة داعش، واعتبار ان حلا سياسيا في سورية، هو المدخل الذي لا مناص منه لتوجيه كل القدرات لهزيمة «داعش»، وبينما وصل وزير الخارجية الأميركية، جون كيري الى ابو ظبي، كان الرئيس الروسي في طهران، الأول أجرى مباحثات مع الإمارات والسعودية، بهدف إجراء مفاوضات حول سورية بمشاركة ممثلين للنظام والمعارضة معاً، حسب ما جاء في تصريح كيري لوسائل الإعلام، الذي اضاف: «ان جمع الطرفين الى طاولة المفاوضات لحل النزاع المستمر منذ اكثر من اربعة اعوام سيساهم في عزل تنظيم داعش وهزمه على المدى الطويل»، وتم تفسير هذه الأقوال ان واشنطن باتت اقرب للرأي الروسي حول دور للأسد في المرحلة الانتقالية؟؟ الرئيس الروسي بوتين انتهز حضوره لقمة الغاز في طهران، لمعالجة مسألة اكثر أهمية راهناً، تتعلق بتحالف دولي موحد في مواجهة داعش، وهذا الأمر يتطلب وقف الحملات الإعلامية والتوترات بين إيران ودول الخليج العربي، لتسهيل تمرير الضغوط الأميركية على تلك الدول التي ترعى ماليا وتسليحيا معظم فصائل المعارضة المسلحة على الأراضي السورية، وتهيئة لعقد مؤتمر دولي، يضم المعارضة والنظام في سورية بمباركة القوى الكبرى دولياً وإقليمياً انطلاقا من دروس الهجمة الداعشية على باريس وتهديد العواصم الأوروبية الأُخرى بما فيها عاصمة الناتو بروكسل! غير ان تسوية سياسية في سورية، مرفوضة تركياً، التي تخشى من ان تؤدي مثل هذه التسوية الى ايجاد منطقة كردية علي حدودها مع سورية، وهو الأمر الذي دفع بأنقرة الى دعم داعش وتشكيل قوى وفصائل مسلحة، كجيش الفتح، للحيلولة دون تمدد «الدولة الكردية» والحديث عن دعم انقرة لداعش، مستمر على الرغم من النفي المتكرر الذي لم يصدقه احد من قبل تركيا، وحديث الرئيس الروسي بوتين، في مؤتمر أنطاليا في تركيا قبل حوالي شهر، من ان هناك من هو في هذا المؤتمر، دولة تدعم داعش، اعتبرتها أنقرة انها المعنية بهذه الأقوال، وقد ترجمت أنقرة فهمها لهذه الأقوال، عندما نجحت الطائرات الروسية في ضرب وتدمير صهاريج نفط لداعش، متوجهة الى تركيا، ما يشير الى تبادل المنافع، والمصالح بين تركيا وداعش. اذا ما رأينا ان هذا الترابط بين الأحداث المتلاحقة خلال الأسبوعين الأخيرين، ابتداء من تداعيات أحداث باريس الدموية ونتائجها وإفرازاتها على صعيد التقارب بين التحالفين، والاتجاه الى حل سياسي في سورية، وما يسببه من أضرار إستراتيجية على تركيا، اذا كان هذا الترابط، يحقق بعض المنطق ان لم يكن كله، فإن في ذلك تفسيرا لتعمد إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، اذ ان في ذلك، إعادة الأمور الى المربع الأول، ومصادرة كل تقارب بين التحالفين، وبما يحقق المصالح التركية التي ترى في الحل السياسي في سورية، تهديدا لمصالحها الاستراتيجية!!