ما الذي على الرئيس فعله؟

حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 

 بعد توقيع اتفاق اوسلو وفي ظل مناخ تحضيري لمرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما اعتقد الكثير بأن الاتفاق سينقلنا إلى مرحلة جديدة نطوي بها صفحة الصراع ونؤسس لمرحلة يعم فيها السلام والرخاء، وقبل أن تغيب صورة القادة في حفل التوقيع بحديقة البيت الأبيض وقبل أن يجف حبر الاتفاق ارتكبت الحكومة الاسرائيلية جريمة في تشرين أول 1994 بإغتيالها للقيادي في حركة الجهاد الإسلامي "هاني عابد" بتفجير سيارته أمام كلية العلوم والتكنولوجيا بخان يونس التي كان يعمل محاضراً بها.

بقدر ما فجرت جريمة الإغتيال بركاناً من الغضب داخل الكل الفلسطيني بقدر ما شكلت صفعة للقيادة الفلسطينية، وذهبت حركة الجهاد الإسلامي وسط حالة الغليان في صفوف كوادرها وعناصرها على إغتيال أحد قادتها إلى تحميل القيادة الفلسطينية جزءاً من المسؤولية بإعتبارها من وقع إتفاق السلام مع الحكومة الإسرائيلية، يومها نصحت الأجهزة الأمنية أبا عمار بعدم المشاركة في تشييع الشهيد من المسجد العمري وسط مدينة غزة نظراً لمشاعر الغضب المسيطرة على المكان، لم يأخذ حينها أبو عمار بتوصياتهم وذهب إلى المسجد العمري رغم يقينه المسبق بأن حالة الغضب الغير مسيطر عليها يمكن أن تخرج عن سياقها الطبيعي، وبالفعل حاولت الجماهير الغاضبة الاعتداء عليه ووجدت قوات حرس الرئيس صعوبة كبيرة في إبعاده عن المكان، ومساءاً استقبل أبو عمار في المنتدى وفداً من قيادة الجهاد الإسلامي جاءت تعتذر له عما حصل.

يعرف أبو عمار أن مشاركته في تشييع الشهيد هاني عابد رغم ما يمكن أن يرافقها من تداعيات بفعل الغضب الشعبي تحمل رسائل لا بد من إيصالها، أولاً أن مشاركته ستمنع حرف بوصلة الغضب الشعبي عن وجهتها الصحيحة وستقلل من الاحتقان الشعبي على قيادته، وثانياً أن جريمة الإغتيال لم تستهدف فقط الشهيد وحركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي لها بل تستهدف القيادة المنوط إليها توفير الأمن والأمان لمواطنيها، وثالثاً أن القيادة لن تقف صامتة أمام أي جريمة ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق أي من مواطني الشعب الفلسطيني سواء ممن أيد اتفاق اوسلو أو عارضه.

كان من الممكن للرئيس "أبو مازن" أن يستقي شيئاً من منهجية سلفه هذه في التعامل مع جريمة مقتل الناشط نزار بنات وإن اختلفت حيثياتهما، كان بإمكانه أن يستبق تشكيل لجنة تحقيق وما يمكن أن تخرج به من نتائج ويذهب مباشرة إلى منزل بنات، يضم أبنائه إليه ويخفف من مصاب أهله واسرته ويؤكد لهم أن فقيدهم هو فقيد الشعب الفلسطيني وأنه قضى نحبه شهيداً متمسكاً بحقه في التعبير عن رأيه، ويتعهد بإنفاذ القانون ومعاقبة كل المتورطين في الجريمة، كان بإمكانه أن يفرغ الكثير من الغضب الذي يعتلي صدورهم وهو يؤكد لهم بأنه بصفته رئيساً لهذا الشعب لا يمكن له أن يقبل بالمساس بحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور للمواطن، وبصفته قائداً عاماً لحركة فتح لا يمكن للحركة إلا أن تكون في خندق الدفاع عن المواطن وحقوقه المشروعة التي كفلها القانون.
كان بإمكانه أن يذهب إلى ابعد من ذلك في احتواء الأزمة، أن يصدر قراراً بإيقاف المسؤولين عن عملهم لحين الانتهاء من التحقيق، أو يذهب إلى حل الحكومة سيما وأن رئيس الحكومة هو من يقوم بمهام وزير الداخلية وأن تتحول الحكومة إلى حكومة تسيير أعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

كان بإمكان الرئيس أن يفعل الكثير ليس لأن جريمة مقتل نزار بنات لم يسبقها جرائم في شتى ربوع الوطن فلا فرق بين أن يموت المواطن مضروباً وبين أن يموت مقهوراً، وليس لأن العديد من دول العالم تعاملت معها على أنها جريمة تستهدف حرية الرأي، وليس لأن الفصائل الفلسطينية حاولت الإستفادة من الجريمة بتحقيق مكاسب حزبية ضيقة وتبنت بين عشية وضحاها الدفاع عن حرية الرأي والتعبير متجاهلة بيوتها الزجاجية في ذلك، وإنما من باب المصلحة الشعبية والرسمية في وقف حالة الانحدار التي نحياها ولجم التغول على القانون من قبل السلطة التنفيذية الذي ألحق بها وبمكوناتها بالغ الضرر.

كان بإمكان الرئيس أن يفعل الكثير وبإمكانه الآن أن يفعل...