في السنوات الاخيرة اعتبرت تركيا، التي هي عضو في "الناتو"، الحلقة الضعيفة في وحدة صف الغرب في الحرب الاهلية في سورية، وقد اتهمت كمن تغض النظر بل تساعد سرا إرهابيي "داعش". أما الآن، في اعقاب اسقاط طائرة سوخوي روسية من جانب طائرات قتالية تركية، أول من أمس، فان تركيا، تورط زملاءها في "الناتو". تذكر الحادثة كم هي الحرب الاهلية في سورية تعرض للخطر ليس فقط الشرق الاوسط بل الاستقرار العالمي بأسره. كما انها تشكل اشارة لاسرائيل كم هو متفجر الوضع الذي تعمل فيه طائرات قتالية وطائرات قصف على مقربة من حدود الدول المجاورة. وان كان ممكنا الافتراض بأنه خلافا لتركيا، التي كان اصبعها، كما ظهر، هذه المرة رشيقا على الزناد، فان اسرائيل ستحذر جدا ألا تسقط طائرة روسية، حتى لو تسللت بضع مئات الامتار أو بضع كيلومترات الى مجالها الجوي. يمكن التقدير بأن اسرائيل ستتأكد المرة تلو الاخرى بأن التسلل كان بالخطأ وليس بنية مبيتة، وذلك خلافا لقرار إسرائيل اسقاط طائرة سوخوي سورية قبل أكثر من سنة كانت في مهمة هجومية على مواقع الثوار، واقتربت من الحدود في هضبة الجولان. وصف الرئيس الروسي العملية التركية بأنها "طعنة سكين في الظهر" و "تعاون مع الارهابيين". بوتين غاضب. ووعد أن تكون لهذه الحادثة "آثار خطيرة" على علاقات روسيا وتركيا. ومنذ أول من أمس أعلنت موسكو عن وقف التنسيق الجوي مع انقرة، ما من شأنه أن يؤدي الى اسقاط متبادل للطائرات. نتيجة فورية اخرى ستكون وقف اجازات السياح الروس في تركيا. والغى وزير الخارجية، سيرجي لافروف، زيارة كانت مقررة لتركيا ودعا السياح الروس إلى عدم السفر إلى الدولة. وشرحت وزارة الخارجية الروسية بأن تركيا هي في نظرها مكان خطير لا يقل عن سيناء حيث اسقطت قبل نحو شهر طائرة مسافرين روسية على أيدي ارهابيي ولاية سيناء في "داعش". وبالفعل، فان نتالي، شركة السفر الروسية الكبرى التي تقل سياحا إلى تركيا، اعلنت عن وقف بيع الرزم لهذه السياحة. في العام 2014 زار تركيا نحو 3 ملايين روسي – نحو 16 في المئة من اجمالي السياحة الوافدة الى الدولة. يمكن الافتراض ايضا بأن بوتين لن يكتفي فقط باجراءات عقابية تستهدف المس بالاقتصاد التركي. وعندما يهدد بوتين، فانه ينفذ في الغالب. وعليه، فان غضبه يثير القلق ليس فقط في تركيا، بل في "الناتو" الذي تركيا عضو فيه. وبالفعل، اجتمع سفراء الدول الاعضاء في "الناتو"، أول من أمس، لسماع تقرير عن الوضع. ويفترض بهم أن يظهروا الوحدة. كل منطق "الناتو" يقوم على أساس انه اذا كان واحد من اعضائه مهددا أو عرضة للهجوم، فعلى الباقين ان يهرعوا لنجدته، ولكن منذ أول من أمس ظهرت صدوع في الجبهة المشتركة. فالرئيس التشيكي ميلوس زامن، المعروف كمن هو لا يعمل حسب اعتبارات السلامة السياسية، شجب العملية التركية، شكك بصدق نواياها وذكر بأن تركيا مشتبهة بمساعدة "داعش". ملابسات الحادثة موضع خلاف. تركيا، التي في الماضي سبق أن تسللت طائرات روسية إلى اراضيها، تدعي بأنها حذرت عدة مرات ثنائي الطيارين الروسيين بأنهما في نطاق مجالها الجوي. وكما تزعم، تجاهل الطياران الروسيان التحذيرات ولهذا تقرر اسقاطهما بصاروخ جو جو اطلق من طائرات قتالية اف 16 من انتاج الولايات المتحدة. وبالمناسبة، من المشوق أن نعرف اذا كانت الصواريخ هي صواريخ رفائيل، التي في الماضي باعتها لسلاح الجو التركي. اما بوتين، بالمقابل، فيدعي بأن الطائرة لم تخترق السيادة التركية ولم تتسلل الى نطاقها. وحسب بوتين، فان الطائرة كانت في مهمة قصف ضد مواقع الثوار، الارهابيين الاسلاميين، الذين اصلهم من روسيا ويعملون في جبال لاتقيا، الجيب العلوي الذي لغرض حمايته ارسل السلاح الروسي إلى سورية. ولكن، في المنطقة التي تعرضت للهجوم، أول من أمس، وكذا في الماضي تعيش أقلية تركمانية، ترى نفسها مرتبطة بتركيا – عرقيا، لغويا وثقافيا. هذه الاقلية، التي تعد نحو مئتي الف نسمة، تعارض نظام الاسد وأقامت ميليشيا عسكرية تتمتع بدعم الاستخبارات التركية. أحد الاسباب المحتملة لقرار تركيا الاستفزاز، التورط مع روسيا، وتوريط "الناتو"، هو أن الهجمات الروسية نفذت ضد تلك الميليشيا وليس ضد الاسلاميين من اصل روسي. تركيا قلقة من أن تؤدي الهجمات الروسية الى اضعاف الاقليات التركمانية وتسمح للميليشيات الكردية بتوسيع قطاع سيطرتهم الذي ينتشر من شرق سورية الى غربها – بالتوازي مع الحدود التركية. ان السبب الاساس لموافقة تركيا، مؤخراً، على التدخل تدخلا نشطا في الحرب الاهلية في سورية كان لاقامة حزام أمني بعرض 45 كيلو مترا من حدودها في الاراضي السورية ولمنع اقامة كيان كردي، من شأنه أن يهيج الاقلية الكردية الكبيرة في تركيا ويؤدي بها إلى خطوات مشابهة. ترى تركيا في صد الاكراد مصلحة قومية عليا، ولهذا الغرض فانها مستعدة لتتخذ خطوات للسير على الحافة حيال روسيا ومنع امكانية تحقيق تسوية في سورية.
عن "معاريف"