عن انتخابات النقابات

عاطف أبو سيف.png
حجم الخط

بقلم: عاطف أبو سيف

أثارت انتخابات نقابة المهندسين في الضفة الغربية الكثير من النقاش مختلف الجوانب، ليظل عقدها نقطة إيجابية في سياق داخلي متوتر حاول البعض حرفه في الآونة الأخيرة. الأمر ليس مجرد عملية اقتراع أخرى، بل هو تدليل على مدى الالتزام الواجب تجاه الخيار الديمقراطي حين يكون ذلك ممكناً وليس على حساب أي استحقاقات أو مصالح وطنية. وعليه فإن انتخابات نقابة المهندسين لا بد أن تكون واحدة في طريق طويل من الانتخابات الممكنة، والتي لا بد أن تشمل بقية النقابات والاتحادات، كما يجب أن تمتد إلى البلديات والمجالس القروية. الأساس أن يمارس أصحاب حق الاقتراع حقهم في اختيار من يمثلهم، وأن يتم تعميم هذه التجربة حتى تصل جميع مناطق السلطة الفلسطينية.
وبقدر ما كان المنظر مبهجاً في الضفة الغربية، وبغض النظر من فرح ومن لم يفرح، أو من ظن أنه فاز ومن شعر أنه خسر، فإن ثمة رفاقاً ورفيقات في المهنة ذاتها في قطاع غزة محرومون من ممارسة حقهم في النقابة هناك لاختيار من يمثلهم. أمر محزن ومن المؤكد أن أي حديث عن تنظيم الانتخابات الناجحة في نقابة الضفة يجب أن يثير السؤال عن حرمان المهندسين والمهندسات في قطاع غزة من ممارسة حقهم في الانتخاب. وبقدر ما يبتهج المرء للنجاح هنا، يشعر بغصة للنكسة والنكوص هناك. وهو شعور يجب أن يدفعنا نحو البحث عن كيف يمكن لنا أن نجعل ذلك ممكناً.
وربما سيكون الأكثر إثارة للشفقة أن يكون من يهلل فرحاً للنتائج التي جرت في نقابة الضفة الغربية ذاته لا يعلق أو يتهرب أو يوافق على منع تنظيمها في قطاع غزة. وليس مثل من «تتباهى بشعر بنت أختها»، كما يقول المثل الشعبي، بل مثل الأعمى الذي يريد أن يقنع الجميع أنه يراهم ولا يرونه. عموماً ومع هذا فمن المبهج أن يفرح الجميع؛ لأن هذا يعني أن السلطة السياسية التي تنظم هذه الانتخابات على قدر وعيها ومسؤوليتها بوجوب إحقاق حقوق المواطنين وعدم مصادرة إرادتهم، ولا الوقوف أمام رغبتهم في أن يروا نقابتهم فاعلة.
ومهما يكن الحال، فإن فكرة تنظيم الانتخابات النقابية والبلدية، وأي انتخابات ممكنة دون أي ثمن سياسي أو وطني، يجب أن تظل بوصلة تقودنا بالاتجاه الصحيح. حتى لو تم حرمان النقابيين في غزة من حقوقهم الانتخابية، فإننا يجب أن نظل نعمل على منح جميع المواطنين، بصرف النظر عن ولاءاتهم السياسية والحزبية، الحق في ممارسة حقهم الانتخابي في نقاباتهم. النتيجة ليست مهمة (طبعاً هي مهمة مع هذا) في المحصلة؛ لأن المهم أن تتواصل العملية الديمقراطية ولا يتم استلاب المواطنين حقوقهم وإرادتهم؛ لأن من يفوز في المحصلة هي العملية الديمقراطية، فالأفراد والكتل الانتخابية تتبدل من وقت لآخر، ولأن ميزة الديمقراطية الوحيدة التي لا تتغير هي أن ثمة تداولاً حتمياً على السلطة والمواقع. لا يمكن احتكار رأي الناخبين، ولا يمكن له أن يثبت على موجة واحدة لفترة طويلة. لأنه ببساطة حين يحدث ذلك، فإن ثمة خللاً في وعي القائمين على العملية الديمقراطية وفي الثقافة الديمقراطية، والأهم من ذلك لا بد أن تكون النتائج غير سوية. إذاً الأساس أن يربح البعض ويخسر البعض الآخر. ومن ربح يعرف أنه لا توجد ضمانة له أن يربح المرة القادمة، لذا وجب عليه أن يبذل كل جهده من أجل تحقيق ما وعد به الناخبين، ومن خسر يعرف أن هذا ليس نهاية المطاف، فالصندوق الذي اختزل إرادة الأفراد الذين لم يختاروه يوفر له فرصة أن يطور من برامجه وأدائه حتى يختاره الناخبون المرة القادمة.
هذا هو جوهر العملية الانتخابية. وبقدر ما يبدو الأمل سهلاً فإنه معقد ومركب. فمن جهة يجب أن تكون هناك ضمانة أن الأفراد يؤمنون بالعملية الديمقراطية، ويجب أن يدركوا أنها الطريقة الأفضل لترتيب شؤون الحكم فيما بينهم، سواء على صعيد إدارة النقابة أو البلدية أو الدولة، ومن ثم يجب أن تتوفر ضمانات بعدم حرمان أي فرد من ممارسة هذا الحق. وقتها تصبح الانتخابات الترجمة الفعلية لإرادة الأفراد الحرة. ويجب أن نكون فخورين أننا نستطيع أن نحقق هذا، ونستطيع أن نجريها بغض النظر عن النتائج وبغض النظر عمّن سيربح وعمّن سيخسر.
حاول البعض أيضاً حرف النقاش. وكأن المهم أن النقيب التي فازت من المعارضة. من نظم هذه الانتخابات لم ينظمها حتى يأتي بالنتائج التي يريد، نظمها لأنه يؤمن بالعملية الديمقراطية. كان أجدر بمن قال ذلك أن يقول: نتمنى أن يتم اختيار نقيب في قطاع غزة حتى يتم توحيد النقابتين. الأمر الآخر بدا أن قانون الربح والخسارة يختلف من فرد لآخر ومن كتلة لأخرى، ولكن الأخطر أن يتم التمسك بالقشور دون الجوهر. انظر نتائج التوجيهي، الطالب المجتهد الذي حصل على 97% يحزن ويبكي لأنه كان يتوقع 99% مثلاً، أيضاً تجد جارك الذي حصل ابنه على 55% يحرق الحارة بالمفرقعات والموسيقى. يحدث هذا في الحياة، لكن المؤكد أن الأكثر سعادة هو المعلم الذي نجح في تثقيف الجيل وتعليمه وإيصاله لما وصل إليه.
هذا المعلم هو من يحتفل. إنه السلطة المنظمة لهذا الانتخابات النقابية، لأنه في أماكن أخرى يتم حرمان الآخرين من ممارسة حقهم. أظن أن انتخابات النقابات والبلديات بعد ذلك وفق رؤية وطنية شاملة يمكن أن تكون مدخلاً حقيقياً لتخفيف الأجواء وترطيب سخونة التوتر في العلاقات الوطنية، وبالتالي تصبح مدخلاً لتمكين قطار المصالحة المتعثر من الوقوف على السكة الصحيحة.