لن تهدأ طبول الحرب في الإقليم والتي غطى صخبها على كل القضايا، فالأزمة التركية الروسية مهددة بالتصاعد بعد فشل لقاء وزيري خارجية تركيا وروسيا الذي تفاءل به الجميع بوضع حد لها ونزع فتيل التوتر، فالتصريحات التي تصدر عن الجانبين حتى اللحظة كأنها تضع الأمور على طريق حرب كبيرة لأن الصدام بين طرفين الأول روسيا التي تشعر أن لديها فائض قوة قد تم المس بهيبتها وأنقرة التي لديها فائض كبرياء تمثل الأمة التركية ليست مستعدة للاعتذار وتشعر أنها مسلحة بقوة الناتو الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأميركية. ربما أن الأخيرة تدفع باتجاه تأزم الموقف أكثر، فهي فرصة لاصطياد الدب الروسي وأسلحته التي يستعرض بها على حساب وهج تفوق القوة الأميركية، لأن معظم تكنولوجيا التصدي للأسلحة الروسية هي أنظمة أميركية تزودت بها تركيا والجيش التركي بدءا من الطائرات وصولا لمنظومات الدفاع، ولن تخسر اوروبا والولايات المتحدة كثيرا إذا ما اندلعت حرب دامية بين روسيا وتركيا فالخسارة للعرب فقط . أما إسرائيل فقد استطاعت حرف الأنظار عن الملف الفلسطيني من خلال تهويل التهديدات المحيطة بها وحجم الأخطار التي تتعرض لها واقتراب السلاح الروسي من حدودها بالرغم من التنسيق بين روسيا وإسرائيل، إلا أن الأخيرة تحاول القول أن هذه أسلحة معادية، هذا ما صرح كبير في هيئة الأركان الإسرائيلية قبل أيام نقله موقع «والا» حين قال «في أسوأ الكوابيس لم نحلم بأن تكون في سورية حديقتنا الخلفية صواريخ اس 400 وأن تطير في سمائها الصواريخ المجنحة «التفكير في منظومة اس 400 التي تستطيع إسقاط الطائرات في سماء تل أبيب أخرجته عن هدوئه كما نقل الموقع ليقول «من كان يصدق حتى قبل سنوات بأن روسيا تشارك حزب الله وإيران بالحرب ضد داعش على الأراضي السورية، منذ عام 73 لم نواجه الأسلحة الروسية، لدينا نقص في المعلومات بأسلحتهم الحديثة». اسرائيل كانت على وشك شراء منظومة اس 300 في بداية التسعينات من روسيا وذهب الخبراء الإسرائيليون إلى هناك للتدرب عليها ثم ألغيت الصفقة بتدخل من الولايات المتحدة، لكن أتيحت الفرصة لتل أبيب معرفة أسرارها عندما فشلت صفقة بيعها لقبرص بعد الاحتجاج التركي فاشترتها اليونان في نهاية التسعينات، وهذا ما أتاح للناتو الاطلاع على أسرارها وحينها استدعيت إسرائيل وتركيا لفك شيفرتها، لكن المنظومة الجديدة اس 400 لا زالت عصية على الكشف وهذا مزعج لتل ابيب بالرغم من التنسيق المشترك مع موسكو، لكن يزعجها أكثر هو مشاركة إيران وحزب الله وتدريبهما على أحدث منظومات التسلح في العالم. أوروبا تحبس أنفاسها على وقع تزايد العداء بين روسيا وتركيا، وإذا ما ذهب بوتين بعيدا واندلعت الحرب فماذا ستفعل وهي التي تجنبت الصدام معه في جورجيا والقرم ؟.. أي تنازلت عن حصتها حتى تجنب المدن الأوروبية دماراً كانت قد جربت ويلاته في الحرب العالمية الثانية، هل ستدمر أوروبا بسبب خطأ تركي بإسقاط طائرة وترفض الاعتذار وأيضا هي مشغولة بتجنب وقوع هجمات من قبل «داعش» على أراضيها وخاصة بعد وصول اللاجئين هناك وتصريح الرئيس السوري بأن كثيراً من مؤيدي «داعش» كانوا بين المهاجرين، بل وتأخذ أوروبا على الرئيس التركي بأنه السبب في ذلك لأنه قام بدفع المهاجرين إلى أوروبا، فبعض الأوروبيين غاضبون من السياسة التركية ويحملونها جزءا من المسؤولية عن التهديد لبلادهم. أما الحالة العربية فهي تقف مراقبة لكل ما يحدث لا حول لها ولا قوة وهي أقل شأناً من أن تبدي رأياً حتى في صراع الكبار، وهي عاجزة عن القيام بدور الوسيط بين صديقين «تركيا وروسيا» بل إن البعض يقوم بدور المحرض، وإذا ما حصل الاشتباك فقد تتطوع بعض الدول العربية بالتمويل ضد روسيا، فكل حروب الولايات المتحدة كانت عواصم عربية هي من يدفع الفاتورة بدءا من أفغانستان وصولا للعراق. الولايات المتحدة دخلت منذ شهر ما يعرف بمصطلح البطة العرجاء أي عام الانتخابات التي تتوقف فيه عن تغيير سياسات دولية، إذ يتراجع الحضور الأميركي لصالح الداخل ويصرف الجهد لصالح إعادة ترتيب المؤسسة والانتخابات، فالحملة الانتخابية كما يقول الأميركان مدتها 4 سنوات تبدأ من لحظة إغلاق الصناديق ولكنها تستعر في العام الأخير، يجمع المرشحون التبرعات من خلال الحملات وحفلات التبرعات وطواقم العمل والمساعدين، وكلها يتم تسخيرها للداخل، أي ليس بوسع الولايات المتحدة أن تدخر جهدا للملف الفلسطيني، وهذا ربما ما عبرت عنه صراحة زيارة وزير الخارجية جون كيري الأخيرة للمنطقة التي أتاها كأنه مودعا الطرفين ليتركهما ينضجان على مهل كما درج القول. أمام كل ذلك لا أحد يأمل بأن يكون هناك متسع بسيط للملف الفلسطيني على طاولة اشتباك دولية بهذا القدر من الازدحام والملفات والأوراق المتناثرة، لقد استدعيت فجأة ملفات ساخنة تتطلب مراقبة ومعالجة وصرف موازنات وقوات عسكرية وتكنولوجية... ملفات ربما تتطلب ما هو أكبر من المال وقد تحتاج إلى دم ودموع أيضا ورجال يسقطون وربما خرائط تتغير وجغرافيا تتحرك وتاريخ أحدثت الحرب على سورية وفي سورية انعطافة خطيرة في مساره الثابت. لقد أصبح الملف الفلسطيني أقلها شأنا وأقل الملفات خسارة وسرعة، فهو يقف عند مستوى من الاشتباك المقبول بالنسبة للجميع بمن فيهم العرب، وهو يقف عند هذا الحد بلا تأثير على التوازنات الدولية وحركة السياسة فيها وحتى تحالفاتها الدائمة والمتغيرة، إذن نحن أمام حركة هائلة في الصراع الدولي وسكون قاتل في الملف الفلسطيني بمصالحه الكبرى، فلماذا لا ننشغل بمصالحنا الصغرى على الأقل، فنحن أمام عام وأكثر من الانشغال الدولي وهو ما يكفي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الذي أصبح هناك إجماع على ضرورة القيام بذلك .. لم يعد هناك فلسطيني واحد يقبل بأن يستمر هذا التشتت والصراع الداخلي الذي أحدث هذا التآكل الكبير للقضية الفلسطينية. نحن في مأزق كبير على مستوى الخارج وتداعياته السياسية وعلى مستوى الداخل وتداعياته الإدارية، إنها فرصة لإعادة بناء المؤسسة الوطنية وإعادة بث الحياة فيها، فمهما اشتعل الصراع الدولي ففي النهاية هناك من سيجلس على الطاولة للحل، وفي غالب الأحيان تكون الحلول شاملة بل وتتجاوز رقعة الاشتباك وميدان المعارك حيث الجثث المتفحمة والدبابات المحترقة، كما حصل في الحربين الأولى والثانية، فقد حدثتا في أوروبا وحين الحل كان الوطن العربي حاضرا على الطاولة. منذ ثلاثة شهور حدثت حركة كبيرة حين أعلن الرئيس عن عقد المجلس الوطني وقبلها الإعلان عن المؤتمر السابع لحركة فتح، فما الذي حدث وتوقفت تلك الحركة الديمقراطية في مؤسستي «فتح» ومنظمة التحرير .. قد يكون هذا العام كافيا لإحداث اختراقات هامة لدى الفلسطينيين .. مؤتمر «فتح» .. المصالحة الوطنية .. إعادة بناء منظمة التحرير، ولو تمكنا من فعل ذلك في ذروة الانشغال الدولي نكون قد حققنا اختراقا، ونكون جاهزين أيضا عندما يجلس الأطراف على الطاولة.. إنها فرصة لترتيب البيت.