على بُعد 250 متراً من الجهة الغربية الجنوبية للمسجد الأقصى، شرعت دولة الاحتلال "الإسرائيلي" بإعادة ترميم ما يُسمى بـ"كنيس فخر إسرائيل"، الذي تم بناء قبة كبيرة له، في محاولة لمحاكاة قباب المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وقباب كنيسة القيامة.
حقيقية هيكل "خراب إسرائيل"
وتندرج إعادة ترميم ما يُسمى بـ"كنيس فخر إسرائيل" ضمن المحاولات التهودية للبلدة القديمة، رغم إدراج اليونسكو في 26 يونيو 2018، البلدة القديمة في القدس المحتلة وأسوارها ضمن قائمة مواقع التراث العالي المهددة بالخطر، وذلك في دورتها الـ42 المنعقدة التي عُقدت في البحرين.
ومُنذ احتلال "إسرائيل" للقدس الشرقية عام 1967، لم تتوقف عن محاولات تغيير الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة، عبر بناء العديد من الكنس اليهودية سواء بشكل رسمي أو من خلال الاستيلاء على عقارات الفلسطينيين في القدس وتحويلها إلى مراكز للعبادات والصلوات التوراتية.
وما يُسمى "بفخر إسرائيل" كنيس قديم تم بناؤه على أرض إسلامية أواخر القرن التاسع عشر، وفي الأصل هو عبارة عن ضريح وقبر لولي مُسلم، يٌدعي الشيخ أبو شوش، كان قد دٌفن في " حارة الشرف" بالبلدة القديمة.
وكانت قد تحصنت به عصابات "الهاجاناة" الصهيونية، واستخدمته لإطلاق النار عام 1948، على القوات الأردنية التي كانت تسيطر على مدينة القدس آنذاك، مما دفع القوات الأردنية لقصفه بالمدافع، فانهار المبنى وبقي منه بضع آثار.
وادعى اليهود أنّهم اشتروا قطعة الأرض في العهد العثماني، إلا أنَّ روسيا بنت على أنقاضه كنيسة روسية، وقبل عام 1948، استولت مجموعة يهود على المقام وتم ترميمه، وإقامة مركز مراقبة عسكرية لفحص ومراقبة المسلمين الوافدين من وإلى الأقصى.
وفي بداية عام 2015، بدأت سلطات الاحتلال بإضافة أربعة طوابق جديدة للكنيس، إضافةً إلى طابقين تحت الأرض يفصل ين ساحة البراق و"حارة الشرف"، وتعلوه قبة ضخمة.
ورصدت حكومة الاحتلال ميزانية تصل إلى 13.5 مليون شيكل لأجل إعادة ترميمه، لتبلغ مساحة البناء الإجمالية 1400 متر مربع، وارتفاعه 23 متراً عن سطح الأرض.
لم يستقطب الأنظار
من جهته، قال مدير مركز القدس الدولي، حسن خاطر: "إنَّ الكنيس على مدار السنوات السابقة كان مهجورًا، وقبل أكثر من عشر سنوات تم إصلاحه وتم إزالة الأقمشة التي كانت عليه، وتم طلائه باللون الأبيض، وكان يتوقع الاحتلال أنّ يستقطب الأضواء في البلدة القديمة والقدس بعد إعادة افتتاحه".
وأضاف خاطر في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكنّ مرَّ وكأنه غير موجود أصلاً، ولم يتم الاهتمام به إعلامياً ولم يستقطب الأنظار أو يُسجل أيّ حضور في المشهد العام للبلدة القديمة؛ لأنَّ كثير من الناس لا تعرف أين يقع؛ وهو مجرد بنيان مغمور في البلدة القديمة وليس له الحضور الذي كان ينتظره الاحتلال".
وبالحديث عن الهدف من إعادة افتتاح "كنيس الخراب" في نيسان/ إبريل المقبل، قال خاطر: "إنّها عملية إعادة تجميل وترتيب ولفت للنظر؛ لأنَّ الافتتاح والإعلان الأول عبارة عن إزاحة الستار كان قبل عشر سنوات ولم يؤدي الهدف المطلوب".
وتابع: "كأن دولة الاحتلال، تُريد الآن بالأموال الطائلة والإمكانات المتاحة لديها وضع لمسات جديدة ، حيث إنّه يُراهن هذه المرة على أنّ تكون مختلفة"؛ مُشدّداُ في ذات الوقت على عدم نجاح محاولات الاحتلال، لأنَّ الكنيس لم يحظى بأيّ اهتمام على المستوى الإعلامي "الإسرائيلي" والدولي.
وأردف: "هذا الكنيس عبارة عن مبني طارئ ويُعتبر من المباني الحديثة إذا ما تم مقارنته بمباني البلدة القديمة ومكوناتها ومقدساتها، وبالتالي سيبقى دخيلاً وليس شريكًا في المشهد العام بمدينة القدس، وليس أحد مكونات الصورة العامة للبلدة القديمة".
ولفت إلى محاولات دولة الاحتلال من خلال بناء قبة كبيرة "لكنيس الخراب" محاكاة النمط العربي والإسلامي في القدس، رغم أنّها ليس باتساع قبة الصخرة المشرفة، لكنّها تُحاول جعله منسجم عمرانيًا مع مقدسات البلدة القديمة؛ لأنَّ ما يُميز قبة الصخرة والمسجد الأقصى عمومًاً وكنيسة القيامة هي القباب ذات الطابع الإسلامي المعروف.؛ لذلك حاولوا وضع قبة كبيرة له.
وأشار إلى فشل دولة الاحتلال في مخططاتها التهويدية بسبب بقاء المشهد العام لكنيسة القيامة وقبة الصخرة في مدينة القدس، مُردفاً: "هذا الكنيس المُسمى كنيس الخراب بقي مغمورًا ولم يتمكن من أنّ يكون له موضع قدم".
وبيّن أنَّ "الاحتلال لديه محاولات كبيرة للفت النظر إلى المشهد العام بالقدس؛ لكنّه لم يستطع تغيير المشهد العام للمكونات التاريخية الحضارية الثقافية الدينية التي امتدت على مدار السنين، فالمشهد العام يبقى عربياً إسلامياً ولم يتغير منذ 1300 عام".
80 كنس محيط بالأقصى
أما عن خطورة بناء الكنيس في البلدة القديمة، قال خاطر: "إنَّ هناك شيء خطير يحدث في البلدة القديمة، وهو الاستيلاء المستمر على العقارات المحيطة بالمسجد الأقصى بشتى الطرق غير المشروعة، وهذه العقارات تم تحويل قسم كبير منها إلى كنس بالمفهوم الديني الإسرائيلي".
واستدرك: "هناك 80 بؤرة حول المسجد الأقصى في البلدة القديمة وهذه البؤر معظمها يسكنها المتطرفون اليهود ويُمارسون بها العبادات وتُعتبر في التصنيف أقرب إلى الكنس، حيث يوجد هناك 80 كنيس يهودي في محيط المسجد الأقصى المبارك وهي بؤر كنسية تتبع المتطرفين وتُمارس فيها العبادات والطقوس على المسجد الأقصى والبلدة القديمة".
وأشار إلى عدم وجود إحصائية رسمية للكُنس ذات المواصفات الرسمية، أما الكُنس بالمواصفات الدينية والتلمودية، فيوجد 80 بؤرة كنسية حول المسجد الأقصى.
وختم خاطر حديثه، بالقول: "إنَّ هذه الكنس، خطيرة لأنّها بؤر للتآمر وليس للعبادات وتُشكل خطرًا على الأقصى وتُسيطر عليها منظمات الهيكل المعروفة، نساء من أجل الهيكل، وهي جمعيات خطيرة من أجل الهيكل المزعوم".