على الرغم من كافة الإجراءات التي تتخذها الدول للحد من التلوث المناخي والبيئي والبحث في هذا الموضوع الشائك على مستوى الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، إلا أن هذه الجهود غير كافية للتصدي إلى ظاهرة باتت مقلقة للغاية وواحدة من أهم التحديات التي تواجه العالم في القرن الحالي.
قبل قمة غلاسكو الأخيرة، تداعت الكثير من الدول لعقد مؤتمرات حول المناخ والبيئة، وبرز مصطلح التغير المناخي والاحتباس الحراري مع ظهور العولمة وتفرعاتها من الأدوات مثل «الانترنت»، واجتمعت الدول الكبرى على ضرورة الحد من الانبعاثات الكربونية لتلافي الاضطراب المناخي.
ما يحدث اليوم لأمنا الأرض من تدهور مناخي وبيئي واحترار غير مسبوق في مختلف أنحاء العالم، يعكس حالة الأنانية التي تنطبق على الكثير من الدول التي تسعى لتوسيع حضورها ودورها على المسرح الدولي، حتى لو كان ذلك على حساب الأمن العالمي وفي القلب منه المناخي والبيئي.
اليوم هناك مشكلة خطيرة جداً تتصل باضطراب المناخ وتهديده المباشر على الدول وأنظمتها السياسية، وكذلك على الأنشطة الاقتصادية والزراعية، وكالعادة تتربع المساحة الجغرافية العربية على عرش الدول فيما يتعلق بالجفاف والفقر الزراعي، حالها في ذلك حال الفقر والجوع والضعف الاقتصادي الذي يضعها في مرتبة الدول الفقيرة والنامية.
صحيح أن قمة المناخ الأخيرة توصلت إلى اتفاق بشأن تقليل المخاطر البيئية، ومن بينها تقليل الاعتماد على الفحم الحجري وتقديم الدعم المالي للدول النامية لمواجهة التغير المناخي، لكن هذه القمم والاتفاقات الناتجة عنها لا تمنع حالة التدهور المستمر في النظام البيئي على مستوى العالم.
دول مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وقاطرة الدول الأخرى المتطورة، هي المسؤولة عن هذا الضرر الذي لحق بالمناخ، وتجدها أقل المتضررين من الأخطار البيئية بحكم التطور الاقتصادي والعلمي وتحكمها بالعملية الإنتاجية وتنوعها الجغرافي ووفرة المياه لديها.
بسبب تسارع العجلة الاقتصادية في هذه الدول تعاني الأرض من ارتفاع درجات الحرارة ارتباطاً بحجم الانبعاثات الكربونية والأنشطة الاقتصادية الجائرة، بينما دول الشرق الأوسط هي أكثر من يدفع ثمن التغير المناخي مع أن حجم انبعاثاتها الكربونية لا تتجاوز 5% من حجم الانبعاثات والتلوث على مستوى العالم.
الموضوع لا يتعلق فقط بارتفاع درجات الحرارة، وإنما بمشكلات كثيرة مرتبطة بها من قبيل الفقر المائي والزراعي والجفاف والتصحر وهجرة النشاط الزراعي الذي كان فيما مضى واحداً من أهم الأنشطة التي تقوم عليها العديد من الدول العربية. «الصلع» اجتاح هذه الدول التي تعاني من ندرة المياه وبروز آفات تهدد المحاصيل الزراعية.
هناك محاصيل زراعية مهددة بالانقراض بسبب شح الموارد المائية، في الوقت الذي انخفض فيه نصيب المواطن العربي من استهلاك المياه سنوياً إلى 600 متر مكعب، فيما كان نصيبه من المياه أربعة أضعاف الرقم المذكور قبل أكثر من عشرين عاماً. وثمة علاقة وثيقة بين موجات الجفاف والفقر المائي وبين الإنتاج الزراعي الذي يقل يوماً بعد يوم.
والحال أن العالم يمضي إلى التغير المناخي مهما فعل من إجراءات، فقد يفلح في إبطاء احترار الأرض، إنما لا يمكنه وقف موجة المخاطر البيئية والمناخية التي تهدده كل الوقت، والأجدر بالدول العربية أن تدق جرس الإنذار وتتداعى فيما بينها لتجنب الكوارث الطبيعية بسبب المناخ.
كل الدول العربية باستثناء موريتانيا تعاني بدرجات متفاوتة فقراً وشحاً مائياً، والجفاف يستنزف من مواردها شيئاً فشيئاً، حتى أن دولة مثل مصر مستعدة لرفع السلاح في وجه اثيوبيا إذا لزم ذلك بسبب أمنها وحقها المائي، وإسرائيل تسرق المياه الفلسطينية والعربية وتستنزف مخازنها من المياه الجوفية.
تركيا أيضاً تمضي في مشروع الأناضول الذي يستهدف بناء السدود وخفض تدفق مياه نهر الفرات منها إلى سورية بنسبة 60% وكذلك نهر دجلة منها إلى العراق بنسبة 50%، وكل هذا يمس نصيب الفرد السوري والعراقي من المياه، وبالتالي نصيبهما أيضاً من الغذاء.
من الصعب الحديث عن عصا سحرية لمعالجة موضوع يتعلق بالطبيعة، لكن من الممكن إبطاء هذه المخاطر التي تهدد الدول العربية، بشرط أن تجتمع وتتوفر الإرادة اللازمة فيما بينها لمواجهة التحديات المناخية والبيئية. ويمكن ذلك بنقل المعرفة وتبادل الخبرات الزراعية والمائية وتوفير أنظمة رصد مبكر حول التغيرات المناخية.
ممكن أن تشوش الدول العربية على الدول الأخرى بشأن استراتيجية الأمن الغذائي والمائي. مع اثيوبيا وتركيا وإسرائيل يمكن وقف مشروعاتها التي تأتي على المياه العربية، وكذلك يمكن اللجوء إلى النظام البيئي لتوليد طاقة نظيفة خصوصاً في دول الخليج التي تمتلك إمكانات مادية وعوامل مناخية تمكنها من أن تكون رائدة في هذا المجال.
أيضاً يمكن الاستثمار الزراعي في بعض الدول العربية المؤهلة لزيادة هذا الإنتاج مثل السودان التي تعتبر سلة الغذاء العربي والمغرب، والجزائر التي تتوفر لديها إمكانيات ومساحات جغرافية ومناخ مناسب للإنتاج الزراعي. باختصار الطرق كثيرة وممكنة لكن العبرة في توفر الإرادة.
قمة غلاسكو لن تأتي من الشوك بالعنب، ذلك أن قراراتها غير ملزمة، ومصالح الدول الشخصية تغلب دائماً على المصلحة العامة، وهذا في حالة الكثير من الدول المتطورة والمتفوقة صناعياً. ما يحدث أشبه بـ «إبر» موضعية لتسكين الألم، والغرب أكثر ما يهمه أن يظل العرب في الخلف مرتبطين به سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
صحيح أن مشكلة المناخ واضطراب الأرض هي مشكلة الغرب والدول الصناعية بالدرجة الأولى، لكنها الآن مشكلة العرب، لأن الدول الغربية لن تعترف بدورها السلبي ومسؤوليتها عن التغير والاحترار المناخي. هل من قمة عربية حقيقية تذهب بالمناخ إلى مرحلة جديدة ونظيفة من العمل العربي المشترك؟