السودان نموذجاً

حمادة-فراعنة-1.png
حجم الخط

بقلم: حمادة فراعنة

لم يحتفل السودانيون بيوم 19/12/2021، باعتباره حدثاً وطنياً يستحق التوقف والمباهاة، حيث شكل بداية للاحتجاجات والتظاهرات يوم 19/12/2018، أدت نتيجتها إلى الإطاحة بالحكم العسكري الفردي الذي مثله الرئيس السابق عمر البشير، يوم 11/4/2019.
وبدلاً من ضرورة الاحتفال بما أنجزوه، قدموا خلاله ومن أجل أهدافه تضحيات، واصلوا تظاهراتهم واحتجاجاتهم رفضاً:
أولاً للانقلاب العسكري الذي قاده العسكر يوم 25/10/2021، حلوا به مجلسي السيادة والوزراء، وعزل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك ووضعه في الإقامة الجبرية، واعتقال قادة الأحزاب، وفرض حالة الطوارئ.
ثانياً لاتفاق التسوية، الذي تم التوصل إليه يوم 21/11/2021، بين الجنرال عبدالفتاح البرهان، وعبدالله حمدوك، الذي تضمن عودة حمدوك لتولي رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة غير حزبية، على خلاف الحكومة السابقة المقالة المشكلة من الأحزاب: الأمة، والاتحادي، والبعث الاشتراكي، والشيوعي، وإطلاق سراح المعتقلين.
اتفاق التسوية بين العسكر والمدنيين يوم 21/11/2021 تم نتيجة تدخل الولايات المتحدة وأوروبا، وأطراف إقليمية في طليعتها المستعمرة الإسرائيلية، ولذلك وصفت القوى السياسية السودانية هذا الاتفاق، على أنه يكرس سلطة العسكر، وأن حجة حمدوك التوصل إلى هذا الاتفاق، حماية لأرواح السودانيين وحقناً للدماء، حجة غير مقبولة، لأن هذا الاتفاق أدى من وجهة نظرهم إلى «شرعنة الإنقلاب»، واتهموه على أنه تراجع عن الاتفاق الجوهري المعلن المسمى «الوثيقة الدستورية».
الوثيقة الدستورية التي سبق التوصل لها والاتفاق عليها بين العسكر والأحزاب السياسية نتيجة إنجازهم بفعل العمل الكفاحي الذي انفجر في شهر كانون أول 2018، وانتصارهم في شهر نيسان 2019، ولكن انقلاب العسكر برئاسة عبدالفتاح البرهان في شهر تشرين الأول 2021، ألغى مضامين أساسية جوهرية من صيغة الوثيقة الدستورية، وتم استبدالها بوثيقة جديدة توصل لها البرهان مع حمدوك في شهر تشرين الثاني 2021، تختزل التوجه نحو سودان ديمقراطي تعددي يقوم على تداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع.
بعد الحرب العالمية الثانية انفجرت الأحداث ضد المستعمر الأجنبي في أغلب بلدان الوطن العربي، ونهضت شعوبه تتوسل الكرامة والاستقلال، وانقلبت العديد من أنظمة النظام العربي، في سبيل الاستقلال ورفض الاستعمار، ولكن 1- نجاح المستعمرة في فلسطين، 2- وهيمنة العسكر، 3- والجنوح نحو أنظمة فردية أحادية غير ديمقراطية، مدعومة علناً من الولايات المتحدة وأوروبا عطل تطلعات العرب نحو أهدافهم الأربعة: 1- استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2- توفير العدالة الاجتماعية، 3- تحقيق الديمقراطية، 4- تحرير فلسطين.
انفجار ثورة الربيع العربي مع بداية العقد الثاني من القرن واحد وعشرين، عطل أهدافها، وتم خطفها من قبل أحزاب الإسلام السياسي غير الديمقراطية، بسبب ضعف الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، ولا زالت تراوح مكانها، والسودان وتونس والعراق واليمن نماذج دالة على ماهية هذا الصراع، بين قوى التغيير الديمقراطي وقوى الشد العكسي الرجعية الرافضة للتسليم بحق الإنسان العربي ونضاله من أجل الكرامة والعدالة والديمقراطية وتحرير فلسطين.
المستعمرة كانت العامل المساند غير المعلن، لقوى الشد العكسي، أما اليوم فهي علناً تتدخل لحماية الأنظمة غير الديمقراطية المتحالفة معها أمنياً تحت يافطة التطبيع.