كشف حساب أمام ‏ المجلس المركزي لِ م.ت.ف.‏

thumb (3).jpg
حجم الخط

بقلم:المتوكل طه

 

دخلتْ المنطقة العربية والإقليم، منذ عقد ويزيد، مرحلةً جديدة، أكثر ما يميّزها، ‏صعود قوى متطرّفة دموية إرهابية داعشية تدّعى الإسلام، إضافة إلى أن المشهد ‏أصبح، في أتون عملية التحوّل، ملتبِساً على الجميع، وعمّت الفوضى والدمار ، ‏وكذلك تسارع التطبيع العربي الرسمي المجّاني مع دولة الاحتلال، ما يعني ‏تجاوز ما عُرف “بخطة السلام” التي شكلت نقطة إجماع للسياسة العربية، بعد ‏أن تشتت وتفسخ الاجماع العربي على غير مسألة وقضية، وتغيّرت المعادلات ‏السياسية الاقليمية والدولية، واختلفت التحالفات، بعد أن أنتجت القوى ‏العظمى،خاصة الولايات المتحدة، نوعاً جديداً من التحالف، لا يستند إلى وحدة ‏الأُمّة والتاريخ، بل إلى وحدة المخاوف، فانتجت تحالف الخائفين، مستفيدة من ‏لحظة الانهيار العربي وتفكّك مقومات الوحدة الداخلية للدولة القُطرية، بعد أن ‏دخلت عدة دول عربية إلى أتون الحروب الداخلية، فَوصِفت دول عربية بالفاشلة، ‏وزحفت دولٌ على بطونها إلى بوابة البيت الأبيض، حفاظاً من حكّامها وعلى بقاء ‏عروشهم، فانهار مفهوم التضامن العربي، ودخل مفهوم الوحدة العربية إلى ‏قاموس الأماني المؤسوف عليها، الأمر الذي أطاح بالوزن السياسي للمنظومة ‏العربية والوزن العربي بشكل عام، وأفقَد فلسطين حلفاءها التقليديين، بعد أن ‏أصبح أشقاؤها حلفاءَ أعدائها، وأصدقاؤها طابورَ انتظارٍ على بوابة صداقة دولة ‏الاحتلال.. الأمر الذي جعل دولة الاحتلال تسارع وتُصعّد وتضاعف إجراءاتها ‏في الإحلال والقمع وأسْرلة كل فلسطين واستيطانها، ورفض أيّ صيغة ‏للتفاوض،وإعلاء جدار الانغلاق أمام أي تسوية مع الفلسطينيين.. في لحظة ظلّ ‏فيها الانقسام سيّد الموقف، ما يعرّض القضية الفلسطينية برمّتها إلى الشطب ‏والفناء،فضلاً عن تعرّض المنقسمين للابتزاز وفرض شروط الاحتلال على ‏الجميع. وبالمقابل فإن الثورة -منظمة التحرير الفلسطينية – التي دخلت أزمة ‏بنيوية وأخرى ظرفية صعبة يبدو أنها تعبر إلى عتمة أزمة وجودية، ما يدفعنا ‏إلى التبؤّر فيما يعترضها وينهكها، وما يتطلّبه الأمر من خطوات. لذا أصبحت ‏فالثورة مقصدَ الأعداء حرباً واستهدافاً. وعندما استعصى على المحتل تدميرها ‏وإقصائها عن المشهد السياسي خاصة بعد الخروج من بيروت، بدأت بالبحث ‏عن صيغ أخرى لتطويعها أو تغيير وظيفتها، مستفيدين من حرب الخليج وسقوط ‏العراق في براثن المحتلّ الأمريكي، وتواجد الحليف الأقوى لإسرائيل على بوابة ‏معظم العواصم العربية، ليطلّ مشروع التسوية السياسية ويحلّ مكان مشروع ‏التحرير، ولتصبح الثورة بعد أوسلو ليست كما قبلها.. يعني أن الثورة سارت ‏بقدميها وقطعت المسافةَ ما بين “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف” إلى ما ‏سُمّي “سلام الشجعان والتطبيع مع المحتلّ والاعتراف به وبما احتلّه وهو ‏أربعة أخماس مساحة فلسطين” دون ثمن ملموس! إن هذا الإنجرار بلا يقين ‏ودون الاحتفاظ بأدوات النضال والثورة، وتقديم مهمة على أخرى، وتبديل ‏فكرة التحرير ، بفكرة الدولة، ضيع الفكرتين معاً، التحرير والدولة، أي لم ‏نحقق التحرير، ولم نحصل على الدولة المستقلة ذات السيادة، ولم يعد اللاجئون، ‏ولم تصبح القدس عاصمة حرّة لنا، ولم تعترف إسرائيل بحقوقنا! وظهرت ‏السلطة في أحسن صورها تقدّم خدمات بلدية وتجمع الرواتب! ولا نستطيع ‏السيطرة على أيّ معبر أو على بوصة واحدة، لنقيم عليها ضاحية أو مشروع ‏تنمية، إلا بموافقة الاحتلال! وباتت إسرائيل هي المُتَحَكِّم الأقوى في الحالة ‏الفلسطينية. وأضحينا جسراً للتطبيع ما بين إسرائيل والأنظمة العربية وغيرها -‏على اعتبار أن أصحاب الشأن(الفلسطينيين)قد صالحوا إسرائيل- وبتنا، فعلياً، ‏نحول دون رفع السلاح في وجه إسرائيل.. أو لنقل لم نعد قادرين على ذلك ‏وبكيفية موجعة واستراتيجية.واتّسعت هوامش الاحتكار والفساد والتكلّس ‏والاستزلام والشعبوية.وضاقت هوامش الحرية.وانفرطت النُخب والقوى ‏الفلسطينية، وانكفأ بعضها، فيما ذهب البعض منها إلى خيارات مضادّة ومناكفة. ‏وفَقدنا التخطيط الشامل لمواجهة الأسئلة الوجودية الحارقة التي تتقدّم نحونا. ‏ورأينا حال منظمة التحرير المترهّل والعاجز، إلّا لفظياً! ‏
وتحوّلت التسوية السياسية إلى فخّ خطير، بات يهدّد كل ما أنجزته الثورة الفلسطينية ‏والشعب الفلسطيني طيلة مسيرة النضال، قدّم شعبنا خيرةَ أبنائه شهداء وجرحى ‏وأسرى. وأخطر ما في الواقع هو غياب إرادة حقيقية للتغيير، واستمراء مكوّنات ‏الحُكم والنفوذ في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية،للبقاء في الحكم على حساب ‏التحرير، وغموض الأهداف الحقيقية لمشروع المقاومة، الذي تمارسه الفصائل ‏خارج منظمة التحرير، خاصة حركة حماس، التي باتت تستفرد بالحكم في قطاع ‏غزة، وتخوض جولات من الموجهات المتقطّعة مع دولة الاحتلال، على قاعدة تعزيز ‏صيغة الردع المتبادل”إن عدتم عُدنا” ، دون أن تسعى إلى تحويل منجزاتها لمنجزات ‏سياسية أو وطنية. فحركات التحرر لا تلجأ لمفهوم الردع والردع المتبادل، لأنّ هذا ‏يعطّل المقاومة التي مهمتها التأزيم المستمر وليس الردع. وربما يكون من الآثار ‏الجانبية لسياسات طرفي المعادلة الفلسطينية (فتح وحماس). ‏
كانت منظمة التحرير الفلسطينيية واحدة من أهم الانجازات التي تحققت، لتضع ‏الحصان أمام العربة، على الرغم من أن المنظمة أوجدها النظام الرسمي العربي ‏لتكون مدخلاً لنفوذ العرب وهيمنتهم على الشعب الفلسطيني، إلا أنها شكّلت بساط ‏الريح الذي حمل المشروع الوطني طيلة سنوات النضال، ويخشى أن الثورة ،أو على ‏الأصح قيادتها الرسمية، وتحت ضغط اللحظة الملتبسة في ظل اتفاق سياسي بات ‏يقيد أدوات الفعل والنضال الوطني، أصبحت تُطوِّع المنظمة لخدمة التسوية ‏السياسية التي أفرغها الاحتلال من كل ما كان يتوقع من مخرجاتها، بل ووضعتها ‏في خدمة الحفاظ على مكوّنات الحُكم بعيداً عن الانتخابات والديمقراطية، وتكاد ‏تحجبها خلف ظلّ السلطة الثقيل، وتستخدم مؤسساتها لتغطية سياسات الحكم، الأمر ‏الذي يهدد، بشكل خطير، وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني. ‏
‏***‏
وكان الشعب الفلسطيني بعد حرب النكسة عام 1967، قد اكتشف أن النظام العربي ‏لم يمنعه فقط من تحرير أرضه المحتلة عام 1948، بل حال دون إمتلاكه قدرات ‏المقاومة للمحافظة على ما تبقى من أرضه في الضفة الغربية وغزة والقدس. ولهذا ‏ظلّت الثورة مستهدفة منذ البدايات ، فخاضت معارك للدفاع عن نفسها أكثر مما ‏خاضت معارك ضد الإحتلال، وأعتقد أن قوى الاستعمار والصهيونية ، وبالذات في ‏الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية،عبر ذيولها، قد استطاعت -للأسف ‏الشديد- دفعَ الظاهرةَ الفلسطينية والحالة التي مثّلتها الثورة، استطاعت أن توصلها ‏إلى النقطة التي تريد، أي إلى طاولة التفاوض مجردة من كل عناصر القوة، وبغير ‏شروط الثورة. كما استطاع الغرب وأذرعه الرجعية والمكرّسة لخدمته، محاصرة ‏المشهدَ الفلسطيني في مربّع، يضيق تدريجياً، إلى حدّ أننا أصبحنا محاصرين، في ‏عدد من السجون الكبيرة (المدن والبلدات والقرى والمخيمات). وتفتت وحدة الشعب ‏وتفتت المشروع الوطني، فأصبحت أولوية الشتات هي العودة ، وأولوية الفلسطينين ‏في أراضي 1948 المساواة بالحقوق ضمن دولة الاحتلال، بينما يُلحِف شعبنا في ‏الأراضي المحتلة العام 1967 على الاستقلال وإقامة الدولة “المجزوءة”، عداك عن ‏الشرخ العميق والمؤذي بين الضفة والقطاع، وسيطرة سلطات الاحتلال على الكثير ‏من تفاصيل حياتنا، لا سيما في القدس.‏
وهذا لا يعني أنني أغضّ الطرف أو أنسى أن الشعب الفلسطيني قد قطع شوطاً ‏مضنياً وطويلاً على طريق تأكيد ذاته واستعادة هويته والمحافظة على شخصيته ‏الوطنية والثقافية، وجعل من منظمة التحرير وطناً سياسياً ، رغم كل استطالات ‏النفوذ العريي داخلها، هذا الجهد المتواصل، الذي لن يموت ولن يتوقف، ويبقى ‏يصطدم مع نظرية متواصلة وداهمة، تحاول ردّه على أعقابه، والقضاء على ما ‏حققه، والعودة به إلى نقطة الصفر. وهي نظرية مدفوعة بإرادة الإلغاء والشطب ‏والنفي الصهيونية الغربية الرجعية، تواجهها إرادة التحدّي والبقاء الفلسطينية. وأعتقد ‏أن هذا الصراع بين الإرادتين سيتواصل، إلى أن يبلغ شعبنا أهدافه ويتمّم أحلامه، ‏وسيبقي الصراع صراعاً وجودياً وشمولياً.‏
وباختصار؛ فإن هناك ثلاثة أخطاء استراتيجية اقترفتها قيادة المنظمة، وهي:‏
الأول: أن المنظمة انتزعت تمثيلها للشعب الفلسطيني بشرعية البندقية المقاوِمة، ‏ولكنها بالمقابل خسرته ،نسبياً، أو تخّلت عنه نسبياً مقابل النفوذ المالي. ‏
الثاني: أنها أقدمتْ على أكبر مغامرة سياسية يمكن لحركة تحرر وطني أن تُقدِم ‏عليها، وهي قبولها التفاوض مع التخلّي عن أداتها الكفاحية، ويمكن، هنا، مقارنة ‏موقف قيادة المنظمة من المفاوضات بموقف القيادة الفيتنامية. ‏
الثالث: بعد الخروج من بيروت وافتقاد القاعدة الآمنة.. تحوّلت القيادة من خندق ‏محاربة التطبيع إلى منصّة توظيف التطبيع.‏
وثمّة أخطاء أخرى منها، التقليل من أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية. والأخطاء ‏المتعلّقة بقوانين مواجهة الاحتلال (اللّا تعايش مع الاحتلال). وقبول تحويل المؤقّت ‏إلى دائم. وتضخيم الانجازات الرمزية واعتبارها انتصارات. وربط الاقتصاد ‏الفلسطيني بالاحتلال، واستخدام نظام الاقتصاد الحرّ في مرحلة التحرّر،واستبدال ‏مفهوم التحرر الوطني بالتنمية الوطنية. ‏
والحقيقة الصادمة، وبكل المقاييس، أن السلطة أصبحت أكبر العوائق أمام مسيرة ‏التحرير، لأن مكوّنها ووظيفتها هي وظيفة مُعطِّلة للتحرير، سواء على مستوى ‏المكوِّن الأمني أو المدني، لأن الأمني في خدمة الأمن الذي يريده الاحتلال، ‏والمدني أعفى الاحتلال من كل مسؤولياته، وجعله أرخص احتلال في التاريخ، ‏واحتلال بلا ثمن! حتى أن هذا الاصطلاح تستخدمه السلطة من رئيسها إلى رئيس ‏قسمها.. دون العمل وفق دلالاته.‏
قد يكون الاستنتاج صادماً، أيضاً، لكنه الحقيقة التي يحيد الكثيرون عن الاعتراف ‏بها. والأخطر فيها أنها جعلت سؤال “ما البديل” و”ما العمل” سؤالاً مُستعصياً، لأنها ‏حوّلت شعباً بأكمله من صاحب مصلحة في التحرير إلى صاحب مصلحة في ‏التعايش مع الواقع الثقيل. وبكل بساطة لدينا 350 ألف(راتب) موظف ومتقاعد، ‏تقريباً، مرتبطون بهذه الكينونة التي تشكّل عائقاً حقيقياً أمام التحرير.. عداك عن ‏البنوك والمؤسسات والالتزامات والمنظمات غير الحكومية – المواليين والمعارضين ‏‏- الذين هم،أيضاً، أصبحوا أصحاب مصلحة في التعايش.‏
باختصار لقد كانت السلطة زمن الرئيس عرفات ومع بداياتها، رغم كل القيود ‏والملاحظات، تذهب في سياق مهمّة التحرير، لأنها كانت “عامل تأزيم”، وبحثت ‏عن كل المخارج، وواجهت أزمات.. حتى دفع الرجلُ حياتَه ثمناً لذلك.‏
لكن السلطة، بعد سنوات، وبعيداً عن الأشخاص والاتّهامات، أصبحت “عامل تهدئة” ‏ومنحت الاحتلال استقراراً من حيث الكيفية والزمن.. لم يتوقّعه منذ إقامة دولته ‏الغاصِبة.‏
إننا لا نميل إلى انتقاد الأشخاص وتحميلهم المسؤوليات، بغض النظر عن كل ‏الملاحظات وسوء الأداء أو تميّزه، فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، لكن ذلك لا يعفينا ‏ولا يعفيهم من مواجهة الواقع والحقيقة الصادمه، أن هذا المشروع قد فشل ووصل ‏إلى نهايته. ولا يحقّ لأحد، كائناً مَن كان، أن يوهِم نفسَه أو غيره أنه يمتلك ‏معجزة ستأتي بِحَلٍّ سحريّ من جعبة الحاوي، لأن هذا ببساطة هو بيعٌ للوَهمْ، ولم ‏يعد شراء الوقت ممكناً أو مفيداً، لأن المسافة بين أهدافنا، التي نسعى لتحقيقها، ‏بالحرية والاستقلال والدولة والعودة والقدس، قد ضاقت إلى حدّ مفجع، ولا يمكن ‏مدّها زمنياً أو موضوعياً. وإذا ما استمرّت القيادة في نهجها الحالي.. عندها، لا ‏مناص من أن نقول إنهم سيتحمّلون المسؤولية عن المصير المظلم الذي دُفِع إليه ‏شعبنا، وسنتحمل معهم مسؤولية الصمت.. إنْ رضينا بذلك.‏
‏***‏
‏ وأرى أن مهمة المركزي هي البحث عن استراتيجية جديدة ترتكز إلى الكينونة التي ‏حملت مشروعنا، وامتلكت أدوات التحرير، وضمّت أطياف الشعب وقواه وفصائله، ‏التي هي منظمة التحرير الفلسطينية، التي يبقى عليها أن تضمّ باقي الفصائل ‏الفلسطينية وتنجز الوحدة الوطنية.‏
إن الاستراتيجية التي نتحدث عنها، من المهم أن تتصدّى لتحديات السؤال ” كيف ‏نستعيد أدوات التحرير” وكيف نتخلّص من المعيقات التي تشكّلها كينونة السُلطة،و ‏كيف نعيد الشعب ليصبح صاحب مصلحة في التحرير.‏
وإن الانقسام لا يقلّ خطورة عن المعيقات آنفة الذكر، وإن حركة حماس تتحمّل ‏المسؤولية بالدرجة نفسها إذا ما بقيت متمترسة وراء “مشروعها” ومصالحها، ‏وتبحث عن شروط “تحسين الحياة” في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه بالقوة.‏
وتكاد سياسة الأمر الواقع في قطاع غزة تتقاطع استراتيجياً مع حالة السلطة الوطنية ‏في الضفة الغربية، من حيث “الردع والردع المتبادل”، و”فكرة التهدئة مقابل تحسين ‏شروط الحياة في غزة وتخفيف الحصار”.. بديلاً لموضوعة التحرير، ما يوحي أن ‏طرفيْ المعادلة في الضفة والقطاع مشغولان بموضوعة الحُكم أكثر من انشغالهما في ‏موضوعة التحرير.‏
‏***‏
ونعترف؛ بأن ثمة أخطاء قد وقعت، وأن تجاوزات قد حدثت، وأن خروجا جارحاً ‏واضحاً قد تمّ على مبادئ الثورة واستراتيجياتها التي كانت تتغيّاها.. لهذا لا بدّ من ‏المكاشفة والمصارحة، على قاعدة النقد الذاتي المسؤول والحريص المنتمي. ‏
والأخطاء،التي يجب مواجهتها، عديدة متنوّعة، كبيرة إلى حدّ الخطيئة، وصغيرة إلى ‏درجة الّلمم. وأعتقد أن أكبر أخطاء الثورة تمثّل في التنازل عن حقوق غير قابلة ‏للتصرّف (78بالمئة من أرض فلسطين) والهبوط بالثوابت (دولة في الضفة والقطاع)، ‏وعدم اعتماد مبدأ المأسسة،والسماح باستشراء الفساد بكل صوره،والاعتراف ‏بالقاتل قبل نيل الحقوق. أما ما تبقى فهي أخطاء، تبدأ ولن تنتهي.. لكن أبرزها، ‏الآن، يتمثّل في: عدم تحرير المنظمة من قيود السلطة.‏
وقد بات من المُلِحّ والضروري الخروج من المنطقة الرمادية التي حكمت مواقف ‏ورؤى المنظمة خلال أكثر من عقدين من تماهيها مع السلطة، وتوضيح موقفها من ‏التسوية والمفاوضات والشرعية الدولية والمقاومة واللاجئين والمصالحة ودول ‏الجوار، على قاعدة الالتزام بالثوابت والحقوق الوطنية التاريخية. وليس على حسابها ‏أو اللعب على الحدود الحمراء لهذه الثوابت والحقوق والمساومة عليها، حتى كتكتيك ‏ومناورة، كما لا يجوز دفن الرأس بالرمال.‏
وعلى الرغم من وجود خلافات داخل المنظمة، فإنها ما زالت الجسد الأكبر والأكثر ‏تماسكاً. وكل ذلك لا يمنح شرعية دائمة وثابتة لها، ولا يعطيها الأسبقية دائماً على ‏غيرها من القوى والحركات السياسية. المنظمة تحتاج – بالإضافة إلى ما سبق كي ‏تستحق وتتصدّر المشهد السياسي النضالي والتعبير عن نبض الشعب وتطلعاته ‏والاستمرار في قيادة المشروع الوطني – إلى ثورة داخل الثورة، إلى النهوض من ‏جديد وإعادة تفكيك وتركيب، وإعادة الاعتبار إلى دورها كحركة تحرر وطني، تنسلّ ‏من القيود التي تكبّلها، ومن وَهْم التسوية مع المحتلّ، لتتقدم خَطَّ المقاومة والثورة، ‏ضد الاحتلال، على طريق الحرية والاستقلال. ‏