أنهى المجلس المركزي الفلسطيني دورته التي عقدت تحت نار الشك الوطني العام، ببيان سياسي وقرارات طالت مختلف جوانب المشهد، بعدما أكمل فراغات التنفيذية والصندوق القومي، وتغيير شمولي لرئاسة الوطني.
ولنتجاهل بند إكمال العضوية، وتغيير رئاسة الوطني كونها آلية داخلية مرتبطة بالنظام الداخلي والقانون، بعيدا عن المواقف من هذا أو ذاك، رغم أن اختيار الشخصية المستقلة لتحل محل حنان عشراوي كان يجب تقديمها بطريقة تقنع الفلسطيني أنه يستحق، وليس بصفته رئيس صندوق الاستثمار ورئيس مؤسسة محمود عباس "الخيرية"، وعليه فور الانتخاب الاستقالة منهما فورا، كون تضارب المصالح قائم.
عدم التدقيق في البعد التنظيمي، لأن غالبية الشعب الفلسطيني لا يعرف من هم أعضاء اللجنة التنفيذية كونها غائبة عمليا عن أي دور وفعل، ومن هو معلوم منها من يحتل منصبا وزاريا، ليس أكثر، وتلك أول رسالة لا يجب أن تمر مرورا عابرا.
وقراءة بالنص السياسي، هو الأدق والأشمل الذي وضع أجوبة لكل قضايا النقاش الوطني، وموضوعيا هو الأفضل مما سبقه من بيانات، من حيث الدقة والوضوح الذي كان ملتبسا في السابق في نقاط محددة، سواء لجهة العلاقة بين الدولة والسلطة، او عملية انتهاء المرحلة الانتقالية.
صوابية النص السياسي ودقته الهامة، تصطدم مباشرة بالجهة المكلفة بالعمل على تطبيق المضمون السياسي والقرارات المتصلة بها، وهي متعددة الجوانب، ودون وضوح للمسافة بين السلطة القائمة راهنا وحكومتها، واللجنة التنفيذية ودورها، تم خلط المهام بطريقة التباسية، وربما تتويهية.
المجلس المركزي، طالب بوقف التنسيق الأمني فورا، وبعيدا عن لا مصداقية لذلك المطلب، كونهم غير قادرين ولا يمكنهم فعل ذلك لأنه متشابك بكثير من الواقع القائم، ودون "فك ارتباط" والتخلي عن مظاهر الحكم البروتوكولية، ونشاطات الرئيس لا يمكن الحديث عن وقف مجرد، ربما كان الأدق الحديث عن وقف تبادل المعلومات الأمنية وتقديم خدمات أمنية فلسطينية الى أجهزة دولة الاحتلال، أو أن يقال أن الأجهزة الأمنية ستتعامل مع قوات الاحتلال بصفتها قوات معادية، وخاصة بعد عملية نابلس.
ومع ذلك، لم يحدد القرار من هي الجهة المنفذة للقرار، وكيف يمكن مراقبته أو محاسبة الطرف الذي لن يقوم بتنفيذه، خاصة مع استخدام تعبير فورا، ما يضع أول نقطة سوداء بلا مصداقية قرار كان يتوقع انتظاره.
البيان تحدث عن تعليق الاعتراف المتبادل ولكنه لم يتطرق الى كيفية التعامل مع ذلك القرار الذي سبق تكراره منذ عام 2015 حتى آخر دورة للوطني والمركزي، لغياب تحديد خطوات عملية استمر مطلبا دون أن يجد تنفيذا، بعيدا عن أي اتهام، فالصياغة الحديثة لا تشير ابدا الى جدية الذهاب نحو تعليق الاعتراف، دون وضع تصور خاص، بل أنها لم تطالب التنفيذية بدراسة سبل العمل نحو الخلاص الحقيقي للارتباط بأجهزة الاحتلال، لأن تكلفة ذلك يحتاج صياغة جديدة لعمل المؤسسات الفلسطينية تحت الاحتلال.
ويتطلب جدية القرار أن يقوم الرئيس محمود عباس بصفته، بإرسال كتاب رسمي الى الأمم المتحدة والرباعية الدولية ودولة الكيان، بمضمون القرار، ويؤكد أن منظمة التحرير تعلن تعليق الاعتراف المتبادل وفق رسالة 1993، الى حين اعتراف دولة بدولة، دو ذلك لا قيمة للقرار ولا يساوي في عالم السياسة شيئا.
وتبقى القضية المركزية التي أشار لها البيان، وربما للمرة الأولى يتم ذلك، مسألة رقابة منظمة التحرير على السلطة وحكومتها، بصفتها المرجعية العليا، وكذلك عملية الانتقال من سلطة الى دولة.
البيان أورد نصا، دون تحديد آلية الرقابة المطلوبة والمشار اليها، هل هي رقابة تشريعية كبديل للمجلس الذي تم حله بمرسوم، ولو كان ذلك المطلوب، من هي الجهة الرقابية هل اللجنة التنفيذية أم المركزي، فالأولى لا تملك حقا بذلك، والثاني يحتاج نص قانوني باعتباره برلمان دولة، وتلك مسألة قانونية تحتاج الى تحديد كامل للمهام والدور والعضوية، وليس قرارا فوقيا، دون تدقيق.
لو أنه سيمارس صلاحية برلمان دولة، حتى في ظل عوار القرار القانوني، يجب انهاء دور السلطة التنفيذية وحكومتها، لتصبح دولة وحكومتها حكومة تمثل الفلسطينيين.
صياغة البنود مسألة ليست معقدة أبدا، ولكن لا قيمة لها أبدا ما دامت خالية من وضوح آليات التنفيذ ومضمونها.
وللتذكير، الكتب السماوية كافة تحوي نصوصا وأحكاما لخدمة الانسان، وكذلك الأفكار العلمانية والدينية الحياتية تحوي الكثير من الصواب السياسي..ولكنها تفترق جدا عند جهات التنفيذ وأدواتها...وتفقد جوهرها إن لم تجد من يكون أمينا عليها.
لو حقا يراد أن تكتسب القرارات والهيئات الجديدة مكانة عليها وقبل فوات الآوان وضع آليات محددة لتطبيق ما كتب، ومعادلة الانتقال من سلطة الى دولة، وقبلها رسالة الرئيس عباس الى من يعنيه الأمر حول تعليق الاعتراف المتبادل، ورسالة رسمية من الجهة الحكومية المختصة بتحديد أشكال التنسيق الأمني مع أجهزة الاحتلال ودولته..وشرط أن لا يتم بعضها عبر "القناة الأمريكية"..
عدم قيام الرئيس والتنفيذية والحكومة بتحديد ما عليهم واجبا سيقال في قرارات المركزي "كلام ليل المقاطعة يمحوه نهار الشعب المبتلي"!
ملاحظة: أصدرت 3 فصائل بيانا اعتراضيا على قرارات المجلس المركزي...وبعيدا عن أي ملاحظة على القرارات.. فما ورد في "البيان الثلاثي" يكشف أننا أمام "طفولة سياسية" لن تمثل خيرا..كلام مصربع فقط للقول أنهم حكوا...ويا ريتهم ما حكوا!
تنويه خاص: من طرائف الحال الفلسطيني أن هناك شخص يحمل منصب مدير عام الدائرة السياسية في المنظمة..وبعد التنقيب عليها لم نجد لها أثر في اللجنة التنفيذية بعدما استبدلوها بدائرة اسمها مجعلك خالص..الاغرب ولا فصيل زعل يومها على هيك تحريب!