التقى الرئيس محمود عباس قبل عدة أسابيع بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وصرح الفلسطينيون بأن الجانبين شددا على “أهمية خلق أفق سياسي” لإنهاء الصراع، وصرح الإسرائيليون فقط أن غانتس وعباس ناقشا الإجراءات المدنية والأمنية التي يمكن أن تتخذها إسرائيل لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية.
تكررت القصة عقب الاجتماع الذي عقد بين وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، وبعد انتهاء الاجتماع، أصدر الشيخ بيانا قال فيه “لقد تحدثنا حول الحاجة إلى أفق سياسي يرتكز على القانون الدولي”، ورفض مكتب لبيد التعليق على اللقاء. لكن لابيد قال للصحفيين إنه إذا أصبح رئيسا للوزراء بعد عام ونصف من الآن، فسوف يفي باتفاقه مع رئيس الوزراء بينيت بأن أيا منهما لن يجري أي مفاوضات مع الفلسطينيين.
في غياب الأفق السياسي، تبقى السلطة الفلسطينية في وسط أزمة الشرعية المستمرة. إذا كانت إسرائيل تنوي الاستمرار في الاحتلال بشكل دائم، فإن السلطة الفلسطينية ستُحوَّل حتماً إلى جزء من هيكلة الإحتلال.
تشعر الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة رئيس الوزراء اليميني بينيت، بالقلق من الانهيار المحتمل للسلطة الفلسطينية، وهي مستعدة لاتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية وغيرها من الإجراءات لتخفيف العبء اليومي للفلسطينيين الناتج عن الاحتلال. لكن الحقيقة المؤسفة هي أنها لن تقدم أفقًا سياسيًا ذا مصداقية، بينيت كان واضحاً في معارضته لحل الدولتين وينظر إلى الضفة الغربية على أنها جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، حتى لو دخل في مفاوضات مع الفلسطينيين فستكون بدون مصداقية.
الأزمة الوجودية التي تواجه حركة فتح لها حل، لكنها تتطلب أن تنفصل القيادة الفلسطينية عن عقلية التبعية التي سيطرت على تفكيرها، باستثناء الفترة القصيرة لمبادرة السلام الفلسطينية عام 1988. في تشرين الثاني عام 1988، اتخذ عرفات خطوات رئيسية لحل الصراع الذي استمر لأكثر من مائة عام. في 14 تشرين الثاني من ذلك العام، أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية إعلان استقلال من جانب واحد يعلن إنشاء دولة فلسطين، وداخل هذا الإعلان، عكسوا موقفهم طويل الأمد بشأن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لعام 1947، والذي كان أساسًا لإقامة دولة إسرائيل عام 1948. في الواقع، ربط الفلسطينيون دولتهم بدولة إسرائيل، قائلين إن قرار التقسيم يحتفظ بشرعيته الدولية، مشيرين إلى أنه نص على إقامة “دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية”.
في تلك اللحظة أحادية الجانب لصنع السلام، شرعت منظمة التحرير الفلسطينية في السير على طريق الاستقلال دون الحصول على إذن من إسرائيل للقيام بذلك. لم يكن المفتاح هو قيام دولة أحادية الجانب، بل الرغبة في التحرك بجرأة نحو سلام قائم على دولتين، حتى بدون وجود شريك إسرائيلي.
هذه استراتيجية كان ينبغي على الفلسطينيين الحفاظ عليها من خلال بناء دولة غير عنيفة دون الحصول على إذن إسرائيلي، والحفاظ على هذه الدولة من خلال استمرار الانتفاضة الأولى إلى أجل غير مسمى. وبدلاً من ذلك، تم إغراؤهم بوهم المفاوضات مع إسرائيل، واعتراف الولايات المتحدة، ودخلوا في عملية أوسلو للسلام وقبلوا مرة أخرى أن الاتفاق الإسرائيلي سيكون شرطًا مسبقًا للاستقلال الفلسطيني، وهو موقف لا يتوافق مع حق تقرير المصير.
اليوم، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، يحمل نفس المنظور الأيديولوجي كما فعل رئيس الوزراء شامير في عام 1988. المطلوب الآن أن يتوقف الرئيس عباس عن التطلع إلى الإسرائيليين أو الأمريكيين، يجب عليه توفير أفق سياسي، من جانب واحد، من خلال تقديم فكرة لإقامة سلام فلسطيني بشكل جريء.
انبثق قرار التقسيم لعام 1947، وهو أساس الشرعية الدولية لحل الدولتين، من الجمعية العامة للأمم المتحدة. في العام 1947 تم تأسيس “لجنة اليونسكوب”، لجنة الأمم المتحدة الخاصة التي تهتم بفلسطين.
جاءت لجنة اليونسكوب إلى المنطقة، وعقدت جلسات استماع، وزارت معسكرات النازحين برفقة عدد من اليهود الناجين من الهولوكوست، وعادت اللجنة اخيراً إلى نيويورك، وبعد ذلك تم مناقشة البدائل ثم وضع خطة مفصلة بالكامل لتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. وأصبح هذا القرار التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة يعرف بقرار رقم 181.
ما نحتاجه اليوم، ويمكن فعله إذا دعت منظمة التحرير الفلسطينية إليه، هو أن تنشئ الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة أخرى مثل هذه اللجنة (لجنة اليونسكوب 2). بهدف تطوير اقتراح مفصل بالكامل لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين على غرار ما طرحه وزير الخارجية السابق جون كيري في عام 2016 خلال إدارة أوباما. كان مخطط جون كيري يشمل إقامة دولتين، وأن تكون الحدود هي خط الهدنة لعام 1949 المعدل من خلال تبادل الأراضي لاستيعاب المستوطنات، والقدس مدينة مشتركة، تتماشى إلى حد كبير مع الخطوط العريضة المماثلة في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية. وافق عليها سراً الرئيس عباس ثم زعيم حزب العمل إسحاق هرتسوغ، في الفترة التي سبقت انتخابات إسرائيل عام 2015. هرتسوغ الآن رئيس إسرائيل.
ستقاطع الحكومة الإسرائيلية الحالية (لجنة اليونسكوب 2)، ومع أن هذا أمر مؤسف، إلا أن هذا لن يمنعها من المضي قدمًا. مثل هذه المقاطعة ستعكس المقاطعة الفلسطينية لعام 1947 للجنة اليونسكوب. علاوة على ذلك، فإن غياب المشاركة الإسرائيلية من شأنه أن يعزز قدرة اللجنة على النظر في “حلول إبداعية لمشكلة اللاجئين مع احترام المخاوف الديموغرافية لإسرائيل” باستخدام عبارة مأخوذة من مقال رأي ياسر عرفات في نيويورك تايمز 2002 ، “الرؤية الفلسطينية عن السلام.” بمجرد أن تكمل اللجنة الجديدة خطة التقسيم الجديدة، يجب على الجمعية العامة دعوة منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية للتفاوض لمدة ثلاثة أشهر لمعرفة ما إذا كان بإمكانهما الاتفاق على أي تحسينات، ثم طرح الخطة على استفتاء الشعبين. سيكون للأطراف الحرية في معارضة الخطة إذا قرروا ذلك.
مرة أخرى، من المحتمل أن ترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية التفاوض على أساس اقتراحات (لجنة اليونسكوب 2)، كما سترفض فكرة إجراء استفتاء على الخطة. عند هذه النقطة يجب على الفلسطينيين المضي قدما من جانب واحد، والعمل دون تنسيق مع إسرائيل. يجب عليهم المضي قدمًا وطرح خطة الأمم المتحدة وعمل استفتاء للشعب الفلسطيني واللاجئين في جميع أنحاء العالم. سيتم الإشراف على الاستفتاء من قبل الأمم المتحدة. وبإذن أو بدون إذن اسرائيلي، سيصوت الفلسطينيون في القدس.
إذا فازت خطة التقسيم الجديدة في الاستفتاء، كما هو متوقع، فعلى منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلة الشعب الفلسطيني أن توقع عليها، وتعيدها إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه يجب على الجمعية العامة أن تدعو حركة حماس إلى الوفاء بالتزامها الطويل الأمد بالتقيد بنتائج الاستفتاء الفلسطيني على السلام مع إسرائيل، حتى لو عارضته الحركة. وقد التزمت حماس بهذا الالتزام في اتفاق تفاوضي بين فتح وحماس عام 2006 بعد توقيع وثيقة مصالحة الأسرى، وأعادت تأكيده في عدة مناسبات منذ ذلك الحين. من المحتمل جدًا أنه مع تسلسل الأحداث أعلاه ، فإن حركة حماس ستفعل ذلك مرة أخرى، مما يزيد من قوة المبادرة كعرض سلام للشعب الإسرائيلي.
ستكون هذه الخطوة نقطة تاريخية في تاريخ الصراع قد تم إنجازها. سيكون الشعب الفلسطيني ولأول مرة قد وافق على معاهدة لإنهاء الصراع/ نهاية المطالبات التي تتفق مع بقاء إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية. سيؤدي هذا إلى تقويض عقيدة “لا شريك فلسطيني” السائدة في إسرائيل. إذا أدارت الحكومة الإسرائيلية الحالية ظهرها للعرض الفلسطيني، فإن خطة التقسيم الجديدة هذه ستضع الفلسطينيين في قلب الخطاب السياسي الإسرائيلي.
على الصعيد الدولي، ستبقى هذه الخطة كنقطة توضيح حول إمكانية تحقيق السلام ومن المسؤول عن استمرار الصراع. ستكون نقطة مرجعية لجميع الإجراءات الدبلوماسية والشعبية المستقبلية لإنهاء الاحتلال. والأهم من ذلك، أنها ستوضح للأمريكيين وتؤكد لهم أن الحكومة الإسرائيلية تخلت عن القيم الديمقراطية التي يعتبرها معظم الأمريكيين أساس “العلاقة الخاصة” بين إسرائيل والولايات المتحدة.
القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية قادرة على توفير هذا الأفق السياسي، على الرغم من مواجهة المعارضة الإسرائيلية والسلبية الأمريكية، لكنها ببساطة تحتاج إلى الجرأة والتصميم.