نهاية السيادة الوطنية

ناجي-شراب.jpg
حجم الخط

بقلم ناجى صادق شراب

 

 

 الحرب الأوكرانية ليست كأى حرب عادية ، فهى حرب نصف عالميه عسكريا وشبه عالميه في تداعياتها الإقتصاديه والتغيرات السياسية ،وعلى صورة التحالفات الإقليمية والدولية المستقبلية وعلى بينة النظام الدولى , فهذه الحرب ما قبلها لن يكون ما بعدها. ولعل من أخطر التداعيات المباشرة لهذه الحرب السيادة الوطنية وحق الدول في ممارسة سياساتها الداخلية والخارجية بما يتوافق وهذه السيادة ، لتؤسس هذه الحرب لمبدأ جديد في العلاقات الدولية السيادة الوطنية تحد من السيادة الوطنية . والمقصود ان سيادة الدولة القوية قد تحد من سيادة الدول الأقل قوة وخصوصا المجاورة منها.وهى قاعده ستدفع لحالة من الفوضى الدولية الغير مسبوقة في العلاقات الدولية , وقد تشجع كثير من القوى الطامحة إقليميا ودوليا على ممارسة إنتهاكها لسيادة الدول الأخرى تحت ذريعة ما يعرف بالمصالح القومية العليا للدول و مفهوم المجال الحيوى للدول الكبرى الذى يتعارض ويتناقض مع مفهوم السيادة الدولية للدول ، فمهوم السياده بالمعنى الهوبزى يقوم على مبادئ وأسسس هي :مطلقه وكلية وغير قابلة للتجزئة ولا تعلوها سيادة أو سلطة أخرى ،وقد تأسس مفهوم السيادة مع مؤتمر وستفاليا عام 1648 والذى بموجبه قام مفهوم الدولة ألأمة كلاعب وفاعل دولى أساس. وهذه السيادة قامت عليها المواثيق الدولية كعصبة ألأمم والأمم المتحده التي تؤكد في ميثاقها أن احد شروط قبول الدول أعضاء الإستقلال الكامل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء ، والإلتزام بمبادئ الحوار والتفاوض والوساطة لحل المنازعات الدولية ,. هذه الأسسس والمبادئ لم تعد قائمة مع الحرب التي شنتها روسيا الدولة ألأكبر وألأقوى على الجارة أوكرانيا من مبررات ودوافع ليس لها علاقة بسيادة الدولة ، بل إنطلقت من فرضية أساس أن سيادة الدول الكبرى والقوية أولا، وأنا أهاجم لأن بوسعى أن أنتصر. هذه الفرضية هي التي قد تحكم العالم بعد هذه الحرب. وهذا يتطلب دورا كبير من الأمم المتحدة لوضع حد لتجاوازات القوة المفرطة. وإحترام سيادة الدول. والعودة لمبدأ سيادتى لا تضر بسيادتك. بمعنى إحترام الدول لسيادات وإرادات الدول .
الحرب الروسيه أقرب للحرب الكونية الثانية وقبلها ألأولى ، فخطورتها أنها تقع ولأول مره في قلب القارة ألأوروبية ومعها الولايات المتحده،/ وبأطرافها هي اقرب للحرب العالمية الغير معلنه ، لذلك نتائجها وتداعياتها ستتجاوز حدود القارة .وهذه الحرب ستعيد حسابات كل الدول في الحفاظ على سيادتها . وكبح جماح دول القوة الصاعده إقليميا ودوليا. وعلى الرغم من بعض الأراء التي ترى أن العولمة قد خففت من حدة السيادة المطلقة، ولم يعد المفهوم التقليدي قائما نتيجة التدخلات العابرة للحدود وتزايد إعتماد الدول على الدول الأخرى. وبدفع ثمنا من سيادتها.
وفى الواقع وفى ضوء هذه الحرب وتداعياتها التي قد تدفع دولا اخرى للقيام بإنتهاك سيادة الدول الأخرى تحت ذريعة ان هذه المنطقة الجغرافية تخضع لمجالى الحيوى ولا يجوز لأى دولة أخرى معاديهة ان تخترقها ولا يجوز لدول المنطقة أن يأتوا بما يتعارض ومصالح هذه الدولة وهو ما حدث مع أكرانيا، فإن الاستقرار العالمى سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة وأوروبا على إعادة الدفاع عن سيادة أوكرانيا في مواجهة حرب لم تحدد أهدافها بشكل محدد، لكن أهم ما برز منها أن ليس من حق أوكرانيا ان تقوم بما يضر المصلحة الروسية بإنضمامها لحلف الناتو وتحولها لدولة تابعه ومواليه لروسيا وهو ما يعنى نفى وإلغاء سيادتها.اليوم روسيا تقوم بحرب شامله تصل لحدود العاصمة كييف والتي تعتبر رمزا لسيادة الدولة ، وتحتل أقاليم تابعة للدولة ، وتعترف بدونيتسك ولوهانسك وهما إقليمان منفصلان عن أوكرانيا وتريد من أوكرانيا ألإعتراف بهما.وهذا يتناقض مع مبدأ وحدة التكامل الإقليمى للدولة .ويبدو أننا اليوم أمام مفهومان للسياده المفهوم الروسى الذى يقوم على القوة العسكرية وأن كل الأقاليم التي أنسلخت من الإتحاد السوفيتى رغم إستقلالها فهى جزء من روسيا بحكم الإعتبارات الجيوسياسية، ودعم الحكم الديكتاتوري المطلق في مواجة الحكم الديموقراطى ، ومفهوم السيادة بالمعنى الغربى ةويقوم على مبدأ السيادة المشروطةوالتى بموجبها تفقد الدولة مبررات سيادتها في حال تبنيها للإرهاب وإنتهاك حقوق الإنسان وكبت الحريات وممارسة أنظمة حكم معارضه للديموقراطية. وكما قال بلينكن وزير الخارجية الأمريكية أن بوتين يضع الأساس لغزو أوكرانيا على أساس أنها ليست دولة سياده قوميه.
هذا النموذج لسلوك دول القوة التي لا تعترف بسادة الدول نجد مثاله في إحتلال إيران للجزر الثلاث التابعة للإماارت ، وفى رفض إسرائيل لقيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة . وفى إحتلال تركيا للواء الأسكندرونة وفى الحرب المريكية على العراق وإسقاط نظام الحكم فيها وتحويل العراق لدولة ضعيفه تعانى من مظاهر التفكك وسيطرة المليشيات العسكرية يونراها في سوريا والتدخل الفرنسي في ليبيا وتحول ليبيا كما نراها اليوم مفككه وتعانى من الحرب الأهلية وفى الكثير من النماذج. وهذه الحرب تثير الكثير من التساؤلات في كيفية الحفاظ على سيادة الدول وخصوصا الدول الصغرى وما هي خيارتها وبدائلها في عالم تحكمه القوة؟