رهان خاسر ..

قراءة تحليلة توضح النقلة النوعية في خطاب الولايات المتحدة مع اسرائيل من "سياسة الهمس في الغرف المغلقة إلى الضرب على الازميل"

جون كيري
حجم الخط

تجاوزت اللغة الخطابية بين اسرائيل الصديقة والولايات المتحدة الأمريكية والتي تخلص لها الأخيرة بدون مقابل لغة التحذير وتقديم النصائح والهمس في الغرف المغلقة إلى الضرب على الإزميل  بلغة تشاجرية تنطوي على التقريع وعبارات التوبيخ والنقد اللاذع، وهو ما ظهر جلياً في التصريحات التي أدلى بها  وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والتي أشار فيها إلى أن اسرائيل بسياساتها العنصرية تذهب باتجاه دولة واحدة ما يشكل خطراً على الديمقراطية وقد يؤدي لانهيار السلطة الفلسطينية ، وأن الاستيطان يقف عقبة أمام احلال السلام ، والتصريحات الغير معلنة من الرئيس الأمريكي لنظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين "إن أمريكا ستجد صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في المؤسسات الدولية" ،فهل هذا التغير الموازي في لغة الخطاب يعني  أن حقبة من النفاق والملق الدبلوماسي والسياسي قد انتهت واسدل الستارة عنها؟!!

غضب أم خوف

ما يجرى من تراشق بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والحكومة الإسرائيلية ، ما هو إلا تعبير عن مخزون صدره الحقيقي تجاه اسرائيل التي تتحمل من دون شك فشله في انجاز، كان يشكل طموحه السياسي من خلال العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

وحول الأسباب الحقيقية للخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة بزعامة نتنياهو واذا ما كانت هذه الخلافات حقيقية وجوهرية أم أنها سحابة صيف عابرة ؟؟ قلل استاذ العلوم السياسة في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، من حجم هذه الخلافات قائلاً " هذه الخلافات بين الحليفين الاستراتيجيين لا تعدو كونها خلافات سطحية شكلية لا تضر بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين".

وتابع أبو سعدة  في اتصال هاتفي لـ"خبر" أن هذه الخلافات في وجهات النظر بين الحليفين حول عدد من القضايا سواء الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية من ملف الاستيطان  لموضوع حل الدولتين وصولاً إلى الموقف الأمريكي من الملف النووي الإيراني ليست إلا خلافات شكلية تحدث بين أي حليفين".

وأكد أبو سعدة أن " جوهر وصميم العلاقة الأمريكية الإسرائيلية يتخطى مرحلة التحالف إلى التوافق التام حول معظم القضايا الإقليمية والدولية، مضيفاً لو أن الأمر غير ما ذكر لأقدمت الولايات المتحدة على خطوات فعلية ضد اسرائيل بصياغة مشاريع قرارات تدين وتجرم الاستيطان وغيرها من القضايا التي تدين الأخيرة ولكنها لم تفعل ولن تفعل لأنها لم تصل للمرحلة التي تمكنها من قول (لا) لإسرائيل ".

وبخلاف سابقه يرى أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش بأن "علو نبرة الخطاب بين الحليفين تشكل خلافاً حقيقياً، ولكنه خلاف وان بدا ظاهراً ضد اسرائيل إلا أنه لحماية اسرائيل من نفسها اذا ما استمرت اسرائيل باليمين المتطرف المهيمن باستعداء الفلسطينيين والعرب ".

وأردف الأقطش إن " الخلاف القائم يطرح تساؤلا في الأوساط الأمريكية كيف نحمي اسرائيل وليس كيف نعطى الفلسطينيين حقوقهم ، مضيفاً أنه لن يأتي اليوم الذي  تقف فيه الولايات المتحدة ضد اسرائيل، لكنه  عاد وأكد أنه قد جاء اليوم الذي تخرج فيه أوساط اسرائيلية وأمريكية عن صمتها وتطالب بحل الدولتين، لحماية اسرائيل من نفسها".

أما الخبير في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر فيعتقد أن الخلاف الدائر بين الولايات المتحدة واسرائيل حقيقي، ومرده أن الولايات المتحدة تسعى لتحميل اسرائيل اثمان فشل العملية التفاوضية مع الفلسطينيين"

وقال أن "هذه الخلافات تطورت باتجاه شخصي بين أوباما ونتنياهو، وقد عُبر عنه في أكثر من مناسبة، مما يؤكد أن هذه الخلافات سوف تتطور للأسوء في العام 2016، وقد نشهد قطيعة سياسية بين الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية بشكل مباشر بعد دخول الولايات المتحدة سباق الانتخابات الرئاسية".

وأشار إلى أن "اسرائيل تعتقد أن الادارة الامريكية الديمقراطية الحالية تحول دون تنفيذ مصالحها الاستراتيجية، وأنهم يعولون على نهاية حكمها خصوصا انها على مشارف نهاية ولايتها، و مجيئ ادارة "جمهورية" تقف جنبا الى جنب مع اسرائيل لتحقيق مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى".

وأضاف أبو عامر لـ"خبر" انه لا يتوقع أن تتحسن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أو تتنازل اسرائيل عن مواقفها في الفترة القادمة وبتالي سيبقى التوتر سيد الموقف بانتظار نهاية فترة أوباما العام القادم".

وبدوره اتفق استاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية والخبير في الشؤون الإسرائيلية وليد المدلل مع سابقه مخيمر أبو سعدة في أن" حدة لغة الخطاب بين الحليفين  لا ترقى لمستوى خلاف حقيقي وجوهري، وانما خلاف شكلي ظاهري لا يترتب عليه أي أعمال أو برامج  تعمل ضد اسرائيل، مشيراً أن كل ما في الأمر هو اشتداد في وجهات النظر حول عدد من القضايا".

و أضاف المدلل أن " إسرائيل تستغل هذا التصعيد بابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية وممارسة ضغوط عليها لتحقيق انجازات على صعد مختلفة سواء كان في زيادة المساعدات السنوية لإسرائيل والحصول على تكنولوجيا متقدمة أو الضغط على الولايات المتحدة لغض الطرف عما يحدث في القدس ومن قمع اسرائيل للفلسطينيين والاستيطان وغيره من القضايا".

تهديد يجب استئصاله

 

لا تتصرف الدول العظمى او تخوض المعارك السياسية او الحربية تحت تأثير عواطفها، وانما تحت تأثير دافع واحد تحدده مصالحها او تهديد يعترض طموحاتها. وهنا عند هذه اللحظة من صراع القوى على الشرق الأوسط الذي يحدد التوازن العالمي الجديد، انما يجب ان نفهم الإطار الجديد والراهن والمتكرر للأزمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، او حتى في إطار الإبقاء على التحالف بينهما.

وهو ما يطرح تساؤلاً هل لم تعد اسرائيل في المنظور الأمريكي تشكل ذلك الكنز الاستراتيجي القديم وباتت اسرائيل بالتطرف الديني الأيدلوجي اليميني الزائدة الدودية التي يجب استئصالها اليوم كشرط لإقامة النظام الإقليمي الأمني الجديد في المنطقة ومواجهة خطر التمدد الروسي الإيراني والتطرف الديني "الداعشي"؟

نفى مخيمر أبو سعدة أن " تكون اسرائيل بأي شكل من الأشكال تشكل عبئاً على الولايات المتحدة الأمريكية ، وانما الذراع العسكري لها في الشرق الأوسط ".

وتابع أبو سعدة " ثورات الربيع العربي، وتهاوي النظم العربية التي كانت بمثابة حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اسرائيل هي خادم لمصالحها وحامي لأركانها في المنطقة ".

ويتفق أ. نشأت الأقطش مع "أبو سعدة" باستبعاده أن "تكون اسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة بقوله لو كانت اسرائيل كذلك فإن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة اليدين وستقوم بطردها لأن دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية لا تحكمها عواطفها وانما مصالحها وطموحاتها وأي شيء يقف عائقاً في طريقها لتحقيق ذلك لن تترد بإعلان الحرب عليه".

أما مأمون أبو عامر فيختلف مع سابقيه ويقول "اسرائيل باتت وتحولت من كنز استراتيجي للولايات المتحدة إلى عبئ استراتيجي عليها من خلال الحكومة اليمينية المتطرفة".

ولكنه عاد وأكد أن ذلك لا يغير ولن يغير من الحقيقة وهي أن " اسرائيل الطفل المدلل لأمريكا".

ويوافق وليد المدلل أبو عامر بأن" اسرائيل كانت دائماً تشكل عبئاً استراتيجياً على الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقيم اعتباراً لها باعتبارها قوة تزعم بأنها تسوق الديمقراطية وتدافع عنها بوضعها في مواقف محرجة بارتكابها الجرائم ضد الإنسانية".

لي الذراع

غالباً ما تتكشف الخلافات والتغيرات الحاسمة والانعطافات الحادة في العلاقات بين الدول من لغة الخطاب التي تؤذن بانتقال العلاقة بين هذه الدول إلى مرحلة استعراض العضلات وفرض أحد الطرفين هيمنته على الطرف الآخر إن لم يكن الخطاب رادعاً إلى لي الذراع بالقوة بممارسة الضغوط.

فهل تقوم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى تمتلك من النفوذ والقوة والقدرة ما يفوق احتمال اسرائيل على كافة الصعد بالضغط عليها وتقليص المساعدات التي تقدمها لها لتعدل الأخيرة عن مخالفة سياسات الولايات المتحدة والكف عن احراجها أمام العالم؟ استبعد مخيمر أبو سعدة أن " تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على لي ذراع اسرائيل نتيجة هذه الخلافات الشكلية وأن تقوم بتقليص أو قطع المساعدات الأمريكية لإسرائيل ".

وأكد أبو سعدة أنه" لا صحة لمثل هذه التكهنات خصوصاً وأن الإدارة الأمريكية الحالية ليست فقط أكثر الإدارات الأمريكية سواء الجمهورية منها أو الديمقراطية تلقيا للصفعات والإهانات من قبل قادة إسرائيل، بل و أقلها رداً عليها، وأكثرها تحملاً واستيعاباً لها، ومع أن هذه الإدارة قد باتت على مقربة من مغادرتها البيت الأبيض، وهو ما كان يجب أن يشجع على الرد بقوة على الصفاقة الإسرائيلية، إلاّ أنها، حتى مع هذا الوضع، لم تفعل ذلك بل وقامت بما هوا أمر وقامت بزيادة الدعم العسكري والمادي لإسرائيل من 3 مليارات سنوياً إلى 4 مليارات" .

بدوره  يرى نشأت الأقطش " أننا لن نشهد لا في المدى القريب ولا المتوسط  مثل هذه الخطوة، مضيفا أنه لن يأتي الرئيس الأمريكي الذي يستطيع وقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل ببساطة لأن هذه  قاعدة لدى دولة المؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية ".

ويتابع الأقطش " وإن اختلف الحليفين فإن الولايات المتحدة لا تستطيع في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة والزحف الداعشي الذي يهدد العمق الأمني للولايات المتحدة في الشرق أن تتخلى عن عصاها في الشرق الأوسط (اسرائيل) بل ستزيد من دعمها لها وستعمل بلا كلل أو ملل على  ابقائها في صدارة من يملكون تفوق نوعي في الأسلحة في المنطقة".

ونفي عدنان أبو عامر أيضاً أن " تصل الخلافات الأمريكية الإسرائيلية إلى هذه المرحلة ، موضحاً اسرائيل ثكنة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة ومن غير الممكن أن تغامر الأخيرة وتضر أمنها وتفوقها العسكري على العالم العربي".

أما وليد المدلل فقد وصف العلاقة الإسرائيلية الأمريكية بأنها"علاقة عضوية و استراتيجية و مصيرية ، وليست بالعلاقة العابرة التي سرعان ما تنهار أركانها عند نشوب أي خلاف ، مفسراً لو كان الأمر كذلك لما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على زيادة المساعدات السنوية لإسرائيل من 3 مليارات إلى 4 مليارات اضافة إلى منح اسرائيل تكنلوجيا متقدمة ممثلتاً بطائرات F35"" وفتح مستودعات أسلحة أمريكية  وهي أكثر الإدارات الأمريكية على مر التاريخ اشتباكاً واختلافاً مع اسرائيل ".

اللوبي .. صانع قرار

وحول إذا ما كان اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يلعب دوراً ضاغطاً لمنع نشوب توتر وخلاف حقيقي في العلاقات بين البلدين ؟يقول أبو سعدة بأن " اللوبي اليهودي لا يضغط ولا يؤثر فقط  اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة صاحب قرار في مؤسسات صنع السياسة الأمريكية بتجاه عدة ملفات أبرزها الملف الفلسطيني وملفات الشرق الأوسط ".

أما عدنان أبو عامر فيعتقد بأن "اللوبي الصهيوني يعمل بشكل دائم لتقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل دون أن يكون ذلك على حساب المصالح الأمنية لدولة اسرائيل في المنطقة العربية ".

بدوره اتفق المدلل مع أبو سعدة بأن " اللوبي اليهودي قوة مؤثرة في السياسات العامة للولايات المتحدة الأمريكية سواء باتخاذ سياسات محدودة أو عدم اتخاذها ".

وأشار إلى أن هناك تيار داخل هذا اللوبي يرى بأن طاعة الولايات المتحدة العمياء لإسرائيل يضر بمصلحة البلدين وأنه لا بد من كبح جماح سياسات اسرائيل  العنجهية والعنصرية وأن الولايات المتحدة تغرر بإسرائيل بصمتها ومجراتها لها في أخطائها وأنه اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإننا سنشهد قريباً نهاية دولة اسرائيل ".

وفي الختام، يتكرر هذا المشهد مع قرب مغادرة كل ادارة امريكية دون جدوى بانحياز امريكي للقضية الفلسطينية، لذلك يتوجب علينا كفلسطينيين المراهنة على وحدة الصف لمواجهة غطرسة اسرائيل.