يقوم رئيس أوكرانيا فلودمير زيلينسكي، بجولة برلمانية عالمية. فقد بدأ قبل أسبوعين بـ “أم البرلمانات” (بريطانيا) وواصل إلى الكونغرس الأمريكي والبوندستاغ الألماني ولم يتجاوز البرلمان في كندا في أوتاوا والأوروبي في ستراسبورغ. واليابان وإيطاليا في طريقه هذا الأسبوع أيضاً. ثم تمكن من إعطاء عشر دقائق للكنيست في إسرائيل.
انتقد في جميع الخطابات الحكومة المستضيفة لأنها لا ترسل مساعدات عسكرية كافية إلى أوكرانيا. وقد هاجم الأمريكيين والبريطانيين لأنهم يرفضون استخدام أسلحتهم الجوية، أما دول الناتو الأخرى فهاجمها طالباً منها تطبيق منطقة حظر طيران في سماء أوكرانيا. انتقد إسرائيل أمس لأنها لا تزوده بالقبة الحديدية.
لم يكن هناك فرق واضح في شدة انتقاد زيلينسكي لإسرائيل وبريطانيا وأمريكا. ولكن حسب انتقاداته لسياسة حكومة إسرائيل، تسربت نغمة من خيبة الأمل؛ فقد توقع من إسرائيل قدراً أكبر بقليل، بسبب تاريخ الشعبين، التاريخ الذي شوهه عندما حاول أن يعرض الأوكرانيين كمن أنقذوا يهوداً في فترة الكارثة، لكم الرواية الأكثر راحة لإسرائيل تاريخياً هي رواية القلائل الذين أنقذوا يهوداً مقابل الكثير من القتلة.
كان هذا خطاباً صهيونياً مثالياً. أظهر زيلينسكي إعجابه، حسب قوله، بالتشابه الكبير بين الشعب الأوكراني والشعب الإسرائيلي، الشعبان اللذان يحبان السلام ويريدان العيش بهدوء، في الوقت الذي كانت أقواله تبهر باقتباسات عن غولدا مئير حول أن الأعداء يريدون إبادتنا، بالضبط مثلما يريد الروس إبادة الشعب الأوكراني. خبراء الدعاية في إسرائيل لم يتمكنوا من صياغة ذلك بصورة أفضل. لذلك، خيبة أمل زيلينسكي العميقة جاءت نتيجة عدم تزويد حكومة إسرائيل بالسلاح لأوكرانيا وعدم انضمامها للعقوبات المفروضة على روسيا.
على المستوى الأخلاقي، هو انتقاد مبرر، لكن لا يجب الانفعال من لدغته إزاء توجه نفتالي بينيت، لأنه يمكن “التوسط بين الدولتين، لكن ليس بين الخير والشر”؛ لأن زيلينسكي نفسه بارك جهود وساطة بينيت الذي يوظف ساعات لا بأس بها في مكالمات هاتفية معه في الأسابيع الأخيرة. قبل فترة قصيرة من خطابه في الكنيست، أجرى مقابلة مع الـ “سي.ان.ان” اتهم فيها حلف الناتو بأنه لا يقول بنفسه وبصورة صريحة إذا كان مستعداً لرؤية أوكرانيا تنضم إليه. “في الوقت الذي يُقتل فيه أشخاص عندنا كل يوم”، وهو بهذا “يتركنا في وضع إشكالي”. هذه إشارة واضحة. فزيلينسكي يعرف أن الشرط الضروري للاتفاق مع الروس سيكون إسقاط خيار الانضمام للناتو عن الطاولة بشكل نهائي، ويتوقع أن يقوم زعماء الحلف بفعل ذلك من أجله.
الخطابات شيء والدبلوماسية شيء آخر. يحاول زيلينسكي إيجاد حل وسط يمكن من إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، رغم أنه لا يؤمن بأن الرئيس فلاديمير بوتين سيظهر مرونة كافية من أجل التوصل إلى اتفاق كهذا، وإذا تمكن بينيت من المساعدة في ذلك فسيكون سعيداً، رغم الانتقادات.
الطريقة غير المحترمة التي ألقى فيها خطابه داخل الكنيست، حيث يجلس معظم أعضاء الكنيست في بيوتهم وحتى أثناء سفرهم إلى الخارج بدلاً من أن يكونوا مجتمعين في قاعة الكنيست، تثير التساؤل حول: لماذا كان زيلينسكي بحاجة إلى ذلك أصلاً؟ لا يتوجه زيلينسكي إلى البرلمانيين، بل إلى الرأي العام العالمي. ثمة قلق، فالتعاطف والاهتمام بأوكرانيا قد يتبدد مع مرور الوقت.
ربما المكون الأهم في خطاب زيلينسكي للكنيست هو التحذير المكرر من عدم المبالاة بمصير أوكرانيا. لم تمض عليه في الواقع سوى أربع سنوات في الساحة السياسية، لكنه بات يعرف جيداً أن الخطاب للبرلمانات لا يغير سياسة محسوبة وباردة وبراغماتية تتبعها الحكومات. وليس هذا هو السبب الذي يجعله يقوم بهذه الجولة بين البرلمانات. بل يتعلق الأمر بمحاولة يائسة لإبقاء أوكرانيا في العناوين. من مثل زيلينسكي، الذي ابتدع وأوجد ولعب دور البطولة في برامج تلفزيونية ناجحة، يعرف الحاجة إلى مواصلة وإمتاع الجمهور. عليه الآن فعل ذلك على منصة دولية ما دامت متاحة له.
صمود الشعب الأوكراني أمام غزو روسيا والطريقة التي تحول فيها زيلينسكي إلى ممثله الشعبي، ساعدت في زيادة تزويد السلاح من الغرب وزيادة شدة العقوبات على روسيا. ولكن الآن أمام ما يظهر أنه حرب استنزاف طويلة ومؤلمة، يجب عليه الحفاظ على هذا الزخم. أجل، إلى جانب فلاديمير بوتين، تبدو اللامبالاة هي العدو الأشد لزيلينسكي ولشعب أوكرانيا.